وجود هيئات رقابة شرعية في شركات التأمين لا يعني شرعية عقودها وتعاملاتها
كشف الدكتور محمد الجرف رئيس قسم الاقتصاد الإسلامي في جامعة أم القرى، أن شركات التأمين السعودية متشابهة في منتجاتها ومتماثلة في وثائق التأمين الصادرة عنها، وأن الاختلاف الوحيد بينها في سرعة الإجراءات المتبعة من قبل الشركة عند التعاقد والحصول على المطالبات.
وأضاف الجرف في دراسة بعنوان (تقويم أنظمة وثائق التأمين التعاوني في السعودية) مقدمة لندوة (مؤسسات التأمين التكافلي والتقليدي) التي عقدت أخيرا في جامعة فرحات عباس في الجزائر، أن هناك تماثلا بين الجانبين النظري والعملي للتأمين في الفكر الإسلامي والوضعي في الأنظمة واللوائح السعودية.
#2#
وقال الجرف إن شركات التأمين في السعودية ملزمة بتطبيق التأمين التعاوني فقط، وملزمة أيضا بتطبيق وثيقة تأمين واحدة ونظام أساس وعقد تأسيس واحد ومعايير محاسبية واحدة، والأفراد ملزمون في المقابل بشراء وثائق تأمين تعاونية فقط من غير الإلزام بوثيقة تأمين شركة بعينها، مضيفا أن هذا الاختيار لا يمثل ميزة بعينها لتماثل المنتجات ووثائق التأمين الصادرة عن الشركات.
وأوضح الجرف أن نص شركات التأمين في السعودية على اتخاذها من التأمين التعاوني أساسا لعملها لا يعني أن عقودها من قبيل التبرعات، استنادا إلى بعض الفتاوى التي تجعل التأمين التعاوني من قبيل التبرعات، مضيفا أن النص على مبدأ معين بصفة معينة لا يعني أن كل تطبيق للمبدأ يتصف بتلك الصفة.
أوضحت دراسة الجرف أن التأمين يقوم على أساس المعاوضة التي تقضي الإلزام والالتزام المتبادل بين طرفي العملية التأمينية لضمان استمرار التدفقات النقدية للمشروع القائم بالتأمين بشكل منتظم، وأضافت أنه قد يبدو للوهلة الأولى استثناء النظام السعودي من ذلك، حيث يُلزم نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني شركات التأمين بالعمل وفقا لصيغة التأمين التعاوني الذي أدخله عدد من العلماء المعاصرين في باب التبرعات، دون الحاجة إلى النص على أن القسط مدفوع على سبيل التبرع، مضيفة أن قانون المراقبة أكد أن كلا من قسط التأمين ومبلغ التأمين سبب في وجود الآخر وأثر مترتب على وجوده في الوقت نفسه، وهو ما يثبت دخول التأمين في هذا القانون في باب المعاوضات أسوة بباقي أنظمة التأمين العربية.
وبين الجرف أن التطبيق العملي لنموذج التأمين يوضحه عدد شركات التأمين المرخص لها في السوق السعودية البالغة 30 شركة تعمل وفق نموذج التأمين التعاوني الذي ألزمها به نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني ولائحته التنفيذية، وتخضع هذه الشركات جميعها في عملها لذلك النظام، وبينت الدراسة تماثل وثائق التأمين التعاوني الصادرة عن تلك الشركات، لأنها ملزمة بموجب النظام بتطبيق نموذج واحد صادر عن مؤسسة النقد السعودي، كما تتماثل أنظمتها الأساس وعقود تأسيسها لأنها ملزمة أيضا بنظام أساس وعقد تأسيس صادرين عن مؤسسة النقد، وبالتالي فإن وثائق وعقود التأسيس وأنظمة هذه الشركات ـــ بحسب الدارسة ـــ تعد تطبيقا عمليا لمواد الأنظمة واللوائح التنفيذية الصادرة بهذا الخصوص.
وحول الهدف من التأمين بالنسبة للمؤمَّن له، أوضح نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني أنه إعادة المؤمَّن له إلى وضعه المالي الذي يسبق الخسارة مباشرة، وأوضحت الدراسة أنه الهدف نفسه الذي يهدف التأمين التجاري إلى تحقيقه، ويكمن الفرق في تحقق الهدف في التأمين التجاري بتكلفة ثابتة فيما تتغير التكلفة في التأمين التعاوني بالنسبة للمؤمَّن له. وتضيف الدراسة أنه يتمثل الهدف من قيام الشركات بالتأمين وغيره من العمليات الضرورية في تحقيق أقصى عائد ممكن ممثلا في الفائض الذي تحصل عليه، الذي يمكن أن يتحقق من خلال تحديد طريقة دفع التعويضات للمؤمَّن لهم بما يحقق للشركة أقل مدفوعات ممكنة، ومن خلال إنهاء عقد التأمين، وكذلك مبلغ التحمل أو الاقتطاع، وتطبيق المبادئ القانونية لعقد التأمين وهي حسن النية والتعويض والسبب القريب والمشاركة والحلول.
وتحدثت الدراسة عن صفات العلاقة القائمة بين مؤمن له بالذات وباقي حملة وثائق الشركات، التي تنص على وجود علاقة تأمين تعاوني أو تبادلي بين مجموع حملة الوثائق، ما يعني أن الشركة وكيل عن مجموعة حملة الوثائق في إدارة وتنظيم عمليات التأمين وليست طرفا، وتضيف الدارسة أن شروط التعاقد الموضحة في عقد التأمين ليس فيها نص صريح على كون القسط تبرعا لإعانة من يحتاج إلى العون من حملة الوثائق، بل إن الفقرة 17 من اللائحة التنفيذية لنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني نصت على أن وثيقة التأمين هي عقد تعهد من قبل شركة التأمين بتعويض المؤمَّن له عند حدوث الضرر أو الخسارة مقابل الاشتراك الذي يدفعه المؤمَّن له، كما نصت المادة الأولى من اللائحة التنفيذية لنظام مراقبة الضمان الصحي التعاوني أن القسط هو المبلغ الواجب الأداء للشركة من قبل حامل الوثيقة مقابل التغطية التأمينية التي توفرها الوثيقة، ويؤكد الباحث أن هذا نص صريح في المعاوضة، علاوة على خلو وثائق التأمين من أي نص صريح أو قرينة تفيد قصد التبرع.
وأشارت الدراسة إلى نوعين من الفائض أحدهما إجمالي غير قابل للتوزيع، وهو ليس ناتجا عن جهد قامت به الشركة في استثمار الاشتراكات، والآخر فائض صافي قابل للتوزيع يتم توزيعه بنسبة 10 في المائة للمؤمَّن لهم، و90 في المائة للمساهمين من الفائض، كما يحصل مجلس الضمان الصحي على حصة مبهمة من فائض عمليات التأمين الصحي، ويرى الباحث في عملية توزيع الفائض حصول المساهمين ومجلس الضمان على حق ليس لهم وحرمان حملة الوثائق من حق لهم، كما أن المساهمين ومجلس الضمان يحصلون على حصص من الفائض في حال حصول عوائد استثمار إيجابية للاشتراكات أو سلبية، كما يحصل المدير أو الوكيل القانوني في هيئات التأمين التعاوني على نسبة من الاشتراكات مقابل الإدارة، والفائض فيوزع عل حملة الوثائق فقط، كما أن من المبادئ الذي تطبقه هذه الشركات حصول المؤمَّن لهم فقط على الفائض عند وجوده مع تحملهم الخسارة حال وجودها، ويضيف الباحث أن هذا ينافي مبادئ التأمين التعاوني حتى في الفكر الوضعي.
وخلصت الدراسة إلى تماثل النظام السعودي مع الفكر الوضعي من حيث الهدف من التأمين، ومن حيث البناءين النظري والعملي للتأمين، وبالتالي فإن نظامي مراقبة شركات التأمين التعاوني ومجلس الضمان الصحي التعاوني ولوائحهما التنفيذية وكذلك وثائق هيئات التأمين لا تعكس ما يفترض في التأمين في الفكر الإسلامي من حيث قيامه على التبرع، وإنما يعكس مفهوم التأمين في الفكر الوضعي من حيث قيامه على المعاوضة، كما أكدت الدراسة على أن عقود هيئات التأمين المعاصرة بالنظر إلى علاقة حامل وثيقة بعينه بباقي حملة الوثائق ممثلين بالهيئة؛ عقد معاوضة مالية فيها غرر فاحش، كما أن توزيع الفائض لا يعكس ما يجب أن يتم في الفكر التعاوني ولا حتى الفكر الوضعي، كما أكدت الدراسة أن وجود هيئات رقابة شرعية في عدد من شركات التأمين لا يعني ضرورةً شرعية عقود وتعاملات الشركة.