تدريس الإنجليزية في الابتدائية ليس حلا

قرار مجلس الوزراء الموقر الأسبوع الماضي بتدريس اللغة الإنجليزية بدءا من السنة الرابعة الابتدائية يظهر الاهتمام الكبير من قبل الجهات العليا في الدولة بتطوير التعليم وإيجاد حلول لمشكلة تدني مستوى مخرجات نظامنا التعليمي. ورغم أهمية هذه الخطوة إلا أنها لا يمكن أن تكون حلاً لمشكلة تدني حصيلة خريجي التعليم العام في اللغة الإنجليزية، فحصيلة هؤلاء الخريجين في العلوم والرياضيات، على سبيل المثال، ليست بأحسن حالاً من حصيلتهم في اللغة الإنجليزية رغم أنها تدرس لهم بدءا من السنة الأولى الابتدائية وليس حتى من السنة الرابعة. بالتالي فالسؤال الأهم والأولى بالإجابة هو: لماذا يدرس الطلاب الإنجليزية لمدة ست سنوات دون أن يحققوا حصيلة تذكر؟! وعليه، فإن أكبر معضلة تواجه نظامنا التعليمي استمرارنا في التشخيص غير السليم للمشكلات التي يعانيها، بحيث نصل دوماً إلى حلول غير عملية ولا فاعلة في حل تلك المشكلات، ونحن أشبه بمن يعاني مشكلة صحية يتم تشخيصها بشكل خاطئ فيصرف له الطبيب دواء غير مناسب لا تتحسن معه حالته، وأمام هذا الوضع، لا يقوم الطبيب بإعادة التشخيص أو يقوم المريض بأخذ رأي طبيب آخر، بل يكتفي بتناول دواء ثان وثالث دون استجابة، والمشكلة ليست في الأدوية إنما في التشخيص الخاطئ للحالة.
وعليه فإن مشكلة التعليم في بلادنا ليست في قلة عدد السنوات التي يقضيها الطالب في دراسة مادة ما، إنما في ضحالة حصيلته مما درسه خلال تلك السنوات، نتيجة عوامل عديدة: يأتي على رأسها تدني مستوى أداء قطاع واسع من منسوبي قطاع التعليم في ظل غياب أي تمييز بين المسيء والمجد في الكادر الوظيفي، ما حفز معظم منسوبي الهيئة التعليمية على عدم المبالاة وتقديم الحد الأدنى من الجهد. وتولي مهمة تخطيط وتطوير التعليم من قد لا يكونون مؤهلين لمثل هذه المهمة، أدخلنا في دوامات مستمرة من التجربة والخطأ بنتائج سلبية على العملية التعليمية كالذي حدث نتيجة تطبيق التقويم المستمر في المرحلة الابتدائية. وعدم وجود أي ارتباط في ذهن الطالب بين حقيقة مستوى التعليم الذي يحصل عليه وفرص العمل المتاحة له مستقبلا، جعله غير مبال ولا مهتم بمستوى ما يحصل عليه من تعليم، وأصبحت الشهادة في حد ذاتها هدفا وحيدا يسعى إليه الجميع دون أدنى اكتراث بمستوى التحصيل العلمي، فمن يملك الواسطة سيحصل على أفضل الوظائف مهما تدنى تحصيله. من ثم فأي حلول لا تتعامل مع هذه المعضلات هي حلول شكلية لا يمكن أن تضع حداً للتردي غير المبرر في نوعية وكفاءة مخرجات نظامنا التعليمي، واستمرار فشلنا في الوصول إلى حل لهذه الإشكالية سيكون ثمنه باهظاً بتحول قطاع واسع من أفراد مجتمعنا إلى حملة شهادات دون حصيلة تعليمية تتناسب مع ما يحملونه من مؤهلات شكلية، ما يجعلهم أقرب للأميين منهم إلى المتعلمين، فيصبحون بالتالي معيقين للتنمية بدلا من أن يكونوا دافعا ومحفزا لها كما هو مفترض.
وعدم نجاحنا في انتشال نظامنا التعليمي من كبوته سيترتب عليه أعباء مالية كبيرة على الدولة، فكما نعرف جميعاً أن عديدا من القرارات السامية التي صدرت أخيراً كقرارات تثبيت الموظفين بعقود مؤقتة وزيادة حجم التوظيف في القطاع العام وصرف مخصصات للعاطلين، هي قرارات تهدف إلى معالجة الإشكالات المترتبة على ارتفاع معدلات البطالة في ظل النمو الكبير في أعداد الداخلين الجدد إلى سوق العمل ومحدودية الفرص الوظيفية المتاحة لهم في القطاعين العام والخاص. وإحدى أهم نتائج هذه القرارات نفقات إضافية كبيرة ستتحملها ميزانية الدولة نتيجة ارتفاع حجم التوظيف في القطاع الحكومي، وهو التزام طويل الأجل وقد تتغير الظروف الاقتصادية مستقبلاً بسبب تراجع أسعار النفط الخام أو تراجع حجم الصادرات النفطية، ما يجعله عبئا ماليا يثقل كاهل الدولة ويعيدنا من جديد إلى مرحلة ارتفاع عجز الميزانية وتقليص مشاريع البنية التحتية والتنمية بحيث تصبح رواتب العاملين في الدولة تشكل معظم الإنفاق الحكومي. كما أن التوسع الحالي في حجم التوظيف في القطاع العام سيكون بالضرورة على حساب فرص التوظيف في القطاع العام مستقبلاً، أي على حساب فرص العمل المتاحة في القطاع الحكومي للخريجين في الأعوام المقبلة، وفي ظل وجود ما يزيد على 400 ألف شاب يتوقع تخرجهم هذا العام في الثانوية العامة، وهو عدد يتزايد سنويا، فإن ذلك سيعني مئات الآلاف من الخريجين كل عام الذين سيواجهون إمكانية أقل لتوظيفهم في القطاع الحكومي.
حيث إن جميع محاولات ترقيع عيوب نظامنا التعليمي من خلال برامج تدريبية كتلك التي يمولها صندوق الموارد البشرية قد ثبت فشلها وعجزها في أن تسهم بأي مستوى مقبول في معالجة مشكلة رداءة هذه المخرجات أو في زيادة فرص العمل المتاحة للعمالة المواطنة في القطاع الخاص، فإننا في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى اتخاذ خطوات شجاعة فاعلة تنتشل نظامنا التعليمي من مسار التراجع الحالي، وإلا سنكون أمام مشكلة أكبر وأكثر حرجا مستقبلا. ففي ظل وجود مئات الآلاف، بل حتى ملايين الخريجين غير المؤهلين المفتقرين لأبسط المهارات والمعارف بصورة تجعلهم غير قادرين على المنافسة في سوق العمل أمام العمالة الأجنبية، سيكون من الصعوبة بمكان فرض هذه النوعية من مخرجات التعليم على القطاع الخاص، ولن تستطيع الدولة معالجة المشكلة من خلال توظيف إضافي كبير ومستمر في القطاع العام كونه عبئا ماليا لا يمكن تحمله، من ثم لا خيار ولا مناص أمامنا في ظل هذا الوضع الخطير المتفاقم من أن نصبح أكثر جدية في التعامل مع مشكلات فشل نظامنا التعليمي وتدهور مخرجاته، وعلينا أن نواجه هذا الواقع بحلول جريئة فاعلة لا أن نكتفي بالقول إننا نحرز تقدماً في الوقت الذي يعلم الجميع درجة سوء وضع نظامنا التعليمي والحاجة الماسة إلى اتخاذ خطوات حقيقية لإصلاحه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي