لو علِمَتْ «سكيكو»؟
.. ليست هذه مجرد قصة مؤسسة أو شركة أو منشأة مع شركة سكيكو.. فقط.
إنها ملحمة بالفعل، بل ملحمة وجود، ثم نموّ، ثم احتراف، ثم توسع في مختلف المجالات وقفز بين شركاءٍ في القارات.
كيف؟
في عام 1990 كانت مؤسسة (نازكو) مجرد مؤسسة فردية خرج مؤسسُها من العمل العائلي بطلبٍ من أمّه لاعتبارات تخصها.. وكان، ولا يزال، لا يمكنه أن يرفض طلبا لوالدته، ولكن والدته لم تكن مصْرَفًا، ولم تكن بيت خبرة.. خرج من العمل العائلي، ولا يمكنك أن تخرج من مكان كان في أشد الحاجة إليك، ثم تطلب منه رفداً أو عوناً مالياً.. لا يجوز.
ولم يكن المؤسس قد ادخر كثيرا.. فوضع كل ما يملك في تأجير شقةٍ صغيرة لبدء العمل وسجلٍّ تجاري، و..هو.
على أنه اكتشف مع الأيام أن هناك ثروة من أكبر الثروات: دعاء الأم.
وأظن أن دعاء الأم هو الذي أرسل له شركة الكهرباء «سكيكو»، أو أرسله إليها.
في البداية كان المكتب بالكاد يقيم أوَدَه، بأعمال صغيرة، حاول المؤسس أن تكون تقنية ما أمكن، وعرف المؤسس أنه فقير ليس في المال فقط، بل حتى في الخبرات والشركاء العمليين. كما لا يجوز أبدا الاستفادة من خبرات واتصالات كونها في شركات عائلته، فهو قد خرج منها بإرادته.. تقريبا!
ولكن.. لم يكن أمامه إلا أن يبدأ.
وضع خطا كما قلنا للتخصص في التقنية، وهذه التقنية كان لا بد أن تأتي من بلدٍ آخر، فراسل شركات كثيرة، وهاتف العشرات عبر البر والبحار، وبالفعل وفق لبعض الشركات الآسيوية وتخصص في البداية في الأعمال الميكانيكية الكهربائية، وجاهد في الحصول على الأعمال الصغيرة نسبياً في البداية، ومقاولات الباطن حتى يهرب من مأزقه المالي، وتحقق في هذه الخطوة أن صار هناك جسد عملي للمؤسسة الصغيرة التي فجأة صار لها عضلات تنتفخ بفضل عضلات الآخرين لا عضلاتها العضوية..على أنه لا مفر من ذلك، لا حل آخر.
طبيعة المؤسس وثقافته في مسائل الحضارة جعلته يستطيع أن يبني علاقاتٍ شخصية تتحول إلى أعمال وصفقات.. وتعددت الشركات التي دخلت معه بذات آليات العضلات المُسْتـَجْلـَبَة.. على أن المؤسسة تعددت فيها الفلسفات العملية، وتنوعت الأعمال غير المترابطة وغاب النسق والروح، وكان المؤسس يقول إن مؤسسته لا تنتمي حتى إلى نفسها.. لا وجود حقيقي لها، أو ملموس، مثل شيء بلا لون يُملأ بألوانٍ خارجية، مثل إطارٍ فارغ ثم تمتلئ بداخله صور لا تمتّ للإطار بصلَةٍ، ولا لصاحب الجدار الذي عُلـِّق عليه الإطار.
حتى تم التعرف يوما على شخصين من كاليفورنيا متخصصين في هندسة التوزيع والأحمال الكهربائية ويمثلان شركة صغيرة ومتفوقة في تقنية أجهزة التحكم عن بعد لغرف التحكم، اسمها، أو كان اسمها «لاندز آند جير»، رغم صغرها كان لها اسم مجلجل في صناعتها في العالم.
وطبعا عرضنا «لاندز آند جير» على شركة كهرباء المنطقة الشرقية آنئذ.. وكانت التقنيةُ متقدمةً متطورة ومرنة وببروتوكول مفتوح مما خفف عبء التخصص الاحتكاري. ولكن القصة لم تكن دخولنا الأعمال من بوابة راقية وأنيقة في «سكيكو».. بل القصة هي قصتنا مع «سكيكو» نفسها.
والقصة كما قلت هي ملحمةُ وجود وهوية.
لقد بدأت خبراتنا الفعلية، وبناء فلسفتنا ونظمنا وهيكليتنا وحتى لغتنا الإدارية، وإجراءاتنا كلها على النسق الذي كان لزاما أن نتعلمه لنمر عبر ممرات شركة احترافية مثل «سكيكو».. نعم لقد مر منتجنا بشكل طيب مع «سكيكو»، وأظن أن اسمنا أخذ سمعة لائقة (أرجو ذلك) في دهاليز الشركة العملاقة.. والسبب أننا كنا نقلدهم تماما. نفعل مثلهم، نطبق إجراءاتهم، نوطد علاقتنا داخل الشركة فعرفنا روتينها وانطلاقات مسارات معاملاتها وفلسفتها الإدارية وأخلاقياتها وروحها الكامن غير المرئي، ولكنه محسوس تماما في كل خلية صغيرة من الجسد المارد. ثم بعد فترة رأينا أننا في الطريق كسبنا من «سكيكو» أكثر ما كانت حاجتنا إليه، أشد ما افتقرنا إليه.. لا، ليست الأعمال ولا الإيرادات على أهميتها، بل أن يكون لنا هوية، أن يكون لنا نسق، أن تكون لنا روح.. أن يكون لنا استقلال احترافي. وهذا ما علمتنا إياه مدرستنا «سكيكو»، وحاولنا أن نكون طلبة نابهين داخلها نتعلم من كل شيء ومن كل شخص..
الآن تعددت أعمالنا مع «سكيكو»، ليست أعمالا تغير في مصير الشركة، ولكنها غيرت في مصير المؤسسة، وهي ليست أعمالا تضيف الكثير لحجم تخليق إداري عملاق بحجم «سكيكو»، ولكنها لأول مرة خلقت لنا حجما خاصا.. وبعضلاتنا نحن هذه المرة لا بعضلات الآخرين.
الآن بفضل الله ثم بفضل ما تعلمناه وما علمتنا «سكيكو».. صار لنا جذور عميقة في أرض الأعمال.
عادت أمور كثيرة إلى مجاريها بفضل الله، فعاد المؤسس ليرأس مجلس إدارة شركات عائلته مع أخويه.. وتبقى مؤسسته (نازكو) محلقة بجناحيها الفرديين رشيقة مرنة متحررة وطموحة، وموالية تماما لشركة سكيكو.. ولم تخرج عن دائرتها إلا فيما قل، أو في شراكات خارجية.