الشركة السعودية للكهرباء .. إرث ثقيل وإنجازات كبيرة وتحديات أكبر
منذ أن قدمت نتائج البحث للمناقشة وللحصول على الدرجة العلمية التي ابتعثت من أجلها وأنا أتحين الفرصة المناسبة لشكر منسوبي الشركة السعودية للكهرباء ومقاولي واستشاريي الشركة لتعاونهم في تقديم البيانات والمعلومات المطلوبة لإكمال البحث. ومن هنا أقدم شكري عبر «الاقتصادية» للدكتور المهندس صالح بن حسين العواجي وكيل وزارة المياه والكهرباء لشؤون الكهرباء ورئيس مجلس إدارة الشركة السعودية للكهرباء، حيث تشرفت بمقابلته مرتين ليصف هموم القائمين على صناعة الكهرباء في المملكة بشفافية عالية. وأقدم كذلك تقديري للمهندس علي صالح البراك الرئيس التنفيذي للشركة السعودية للكهرباء لتوفير كل التسهيلات المطلوبة لجمع بيانات الشركة.
أنشئت الشركة السعودية للكهرباء عام 1998 بقرار من مجلس الوزراء وبدأت العمل عام 2000 كخطوة ضرورية لإنقاذ صناعة الكهرباء من أزماتها المحتدة. تاريخ الكهرباء بدأ في أطهر بقاع الأرض، حينما أدخلت مولدات صغيرة تكفي لإضاءة مسجد صاحب مقام الوسيلة والفضيلة وصاحب الوجه الأنور النبي الأكرم عليه أزكى وأرفع الصلوات وعلى آله وصحبه وسلم. وبعد ذلك تم إدخال مولدات لإنارة بيت الله الحرام في مكة المكرمة. وبعد نشأة الدولة السعودية الحديثة كانت شركة ستاندرد أوف أويل أول من استخدم الكهرباء لغرض الاستكشاف والتنقيب عن النفط قبل أن يصل بعد ذلك إلى قصور بعض كبار الشخصيات آنذاك والمساجد. بعد ذلك تحسن الوضع الاقتصادي للمملكة قليلا فكانت هناك مبادرات من أهل المناطق كافة لإنشاء شركات أهلية خاصة لإنتاج وتوصيل الكهرباء للمنازل. وكان دور الدولة حينذاك لم يتجاوز توفير الموارد المطلوبة كالأراضي والوقود لتأسيس وتشغيل محطات الإنتاج. وبعد توسع استخدام الكهرباء وانفتاح السكان على أجهزة جديدة وقيام صناعات كاملة على الطاقة الكهربائية، تزايدت الأحمال بشكل متسارع فرأت الدولة تخفيض تعرفة استهلاك الكهرباء لتشجيع الصناعة الوطنية وتخفيف العبْء على السكان من مواطنين ومقيمين.
ومع تحسن دخل الدولة وتعقيد المنظومة الكهربائية قامت الدولة بتقديم تخفيضات أخرى للتعرفة حتى أصبح دخل شركات الكهرباء أقل من مصاريف تشغيلها بنسب لم يمكن السكوت عنها. ومع تزايد خسائر تلك الشركات قامت الدولة بدمج أكثر من 100 شركة في عشر شركات في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات ثم في أربع شركات إقليمية. ثم تم دمج الشركات الأربع المثقلة بالديون في الشركة السعودية للكهرباء كخطوة انتقالية لتحرير سوق الكهرباء مستقبلا من خلال فصل الأنشطة الرئيسة (توليد، نقل، توزيع). إلا أن أكبر تحد يواجه الشركة السعودية للكهرباء يتمثل في نقص الموارد المالية لاعتماد المشاريع اللازمة لمواجهة الطلب المتنامي على الكهرباء، إضافة إلى استبدال الوحدات المتقادمة التي تجاوزت أعمار بعضها الـ 40 عاما. ورغم ذلك فالشركة استطاعت خلال الأعوام العشرة زيادة سعتها الإنتاجية المتاحة بأكثر من 70 في المائة وزيادة عدد المشتركين بأكثر من 60 في المائة من 3.5 مليون مشترك إلى أكثر من 5.7 مليون مشترك. هذه الإنجازات تمت في زمن قياسي ومحسوبة للشركة، إلا أن تدخل الدولة تدخلا إيجابيا لإنقاذ الشركة من أزمتها المالية أصبح ذا أولوية قصوى. فمعدلات نمو الطلب على الكهرباء في المملكة تجاوزت معدلات نمو الطلب العالمي بأكثر من ثلاثة أضعاف مدفوعة بنمو سكاني وتوسع صناعي غير مسبوقين ما يعني أن الشركة مطالبة بمضاعفة سعتها الإنتاجية خلال الـ 15 سنة المقبلة. ومع ضيق قنوات التمويل اضطرت الشركة لأن تبتكر حلولا مؤقتة كإصدار الصكوك، إضافة إلى الاقتراض من البنوك المحلية والصناديق الدولية. إلا أن حجم المشاريع الضخمة جدا أجبر الشركة بإمكاناتها المحدودة أن تعتمد المشاريع ذات الأولوية القصوى، وهي ليست بقليلة. لذا حتى تتمكن الشركة من مواصلة تأدية واجباتها نحو المجتمع والصناعات الأخرى لا بد وأن تتدخل الدولة لتبني حلولا مستدامة تنقذ الشركة السعودية للكهرباء من وضعها الحالي حتى ترى مشاريع التنمية النور. أتصور إن لم تتبن الدولة حلولا عاجلة وترسم رؤية واضحة لقطاع الطاقة فسينعكس ذلك سلبا على أداء الشركة من خلال ارتفاع مصاريف تشغيل الوحدات المتهالكة وتأجيل اعتماد بعض المشاريع التوسعية ثم الدخول اضطرارا في خطط تقشفية تؤثر سلبا على معدلات الرضا الوظيفي لمنسوبي الشركة ما يعني اختلاق تحديات جديدة للشركة هي في غنى عنها.