تحركات تنظيمية لإلغاء سيطرة أعضاء الهيئات الشرعية على المؤسسات المالية الإسلامية

تحركات تنظيمية لإلغاء سيطرة أعضاء الهيئات الشرعية على المؤسسات المالية الإسلامية
تحركات تنظيمية لإلغاء سيطرة أعضاء الهيئات الشرعية على المؤسسات المالية الإسلامية
تحركات تنظيمية لإلغاء سيطرة أعضاء الهيئات الشرعية على المؤسسات المالية الإسلامية
تحركات تنظيمية لإلغاء سيطرة أعضاء الهيئات الشرعية على المؤسسات المالية الإسلامية
تحركات تنظيمية لإلغاء سيطرة أعضاء الهيئات الشرعية على المؤسسات المالية الإسلامية
تحركات تنظيمية لإلغاء سيطرة أعضاء الهيئات الشرعية على المؤسسات المالية الإسلامية

طرحت أخيرا الأكاديمية العالمية للبحوث الشرعية في المالية الإسلامية isra في ماليزيا فكرة إنشاء هيئة عالمية تنظيمية للهيئات الشرعية، في وقت تعمل هيئة المراجعة والمحاسبة المالية الإسلامية (إيوفي) على إصدار قواعد منظمة للهيئات الشرعية تحدد فيها عدد الهيئات المسموح بعضويتها بالنسبة لعضو الهيئة الشرعية، بينما يدعو مجلس الخدمات المالية الإسلامية IFSB إلى ضرورة تبني فكرة إنشاء مكاتب استشارات شرعية تؤدي خدمات التدقيق الشرعي على ألا تكون بديلا عن الهيئات الشرعية لتلبية الطلب وسد النقص الحاصل، بينما يراه البعض ضرورة لكسر احتكارات التمثيل في الهيئات الشرعية واقتصارها على أسماء محددة. ونظرا لعدم إلزامية مثل هذه الأفكار رغم أهميتها فإن هناك تشكيكا في إمكانية تنفيذها، وعليه تستطلع ''الاقتصادية'' آراء عدد من الخبراء حول هذا الموضوع، خاصة بعد صدور عدد من التقارير العالمية التي تؤكد هيمنة أعضاء هيئات شرعية على مناصب شرعية عديدة في المؤسسات المالية.

#2#

#3#

#4#

#5#

#6#

يثير أعضاء الهيئات الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية جدلا واسعا هذه الأيام، وذلك لعدة أسباب من بينها أولا سيطرة واحتكار بعضهم العديد من عضوية الهيئات الشرعية، وثانيا الطلب المتزايد على هذه الهيئات بحكم حالة النمو الكبيرة التي يشهدها قطاع المصرفية الإسلامية، والثالث أن الأعضاء الجدد لم يفرضوا أنفسهم بعد على مستوى هذه الهيئات وظلوا امتدادا لسابقتها ولرموزها ويدورون في فلكها، والرابع أن بعض أعضاء هذه الهيئات يقبل بالحوكمة والمعيرة والتنميط شكلا ويرفضها من الناحية العملية، خاصة بعد أن طرحت الأكاديمية العالمية للبحوث الشرعية في المالية الإسلامية isra في ماليزيا فكرتها الداعية إلى إنشاء مجلس عالمي للهيئات الشرعية.
الفكرة التي أطلقتها isra كانت لافتة للاهتمام ومثيرا لحفيظة أعضاء الهيئات الشرعية الذين سارعوا للتقليل من شأنها، فالمدير التنفيذي لـ isra محمد أكرم لال الدين قال: إن الهيئة المقترحة من مهامها الترخيص لمزاولة هذه المهنة مثل نقابات المحامين، وطرح لال الدين سؤالا غاية في الأهمية: لدينا عدد من الخبراء، لكن ماذا عن الجيلين الثاني والثالث؟ وأضاف: نأمل أن يعترف بها باعتبارها الجهة المنوط بها الترخيص للمستشارين الشرعيين.
ويشار إلى أن هيئة المراجعة والمحاسبة المالية الإسلامية (إيوفي) تعمل لوضع قواعد تنظيمية لعمل المستشارين الشرعيين، توضح فيها عدد المجالس الشرعية المسموح بعضويتها، غير أن معايير وقواعد الهيئة غير إلزامية بالنسبة للمؤسسات المالية الإسلامية، ولهذا فإن هذا المعيار لن يقلص هذه المشكلة ولن يحد من الظاهرة، في حين يرى مجلس الخدمات المالية الإسلامية IFSB أن هناك حاجة ماسة إلى وجود خبراء شرعيين متخصصين، ما عزز فكرة إنشاء مكاتب استشارات شرعية تؤدي خدمات التدقيق الشرعي دون أن تشكل بديلا للهيئات الشرعية، في وقت يرى فيه الخبراء أن المستقبل يتجه نحو المعيرة والحوكمة والأتمتة، وأن الهيئات الشرعية في طريقها إلى التغيير وتقليص تأثيرها ودورها.
جاءت هذه الطروحات حول الهيئات الشرعية بشكل لافت للانتباه بعد صدور تقريرين مهمين عن مؤسسة funds@ work كان آخرها نهاية نيسان (أبريل) 2011، فقد كشف التقرير الأخير جانبا مغيبا عن الهيئات الشرعية، كان محل سؤال داخلي دون أن يجرؤ أحد على طرحه علنا، وأثار عدد المناصب التي يشغلونها أسئلة عديدة حول الوقت الكافي للنظر في أعمالهم، فقد أكد التقرير أن أعلى ستة من بين 221 خبيراً شرعياً بمن فيهم الشيخ نظام يعقوبي والشيخ عبد الستار أبوغدة ومحمد علي القري يشغلون نحو ثلث إجمالي مقاعد اللجان الشرعية في العالم البالغة 1054 مقعدا، وهذا الأمر وإن لم تطرحه مؤسسات البحث في المصرفية الإسلامية، ولم تنتقده تقويما لهذه الظاهرة، إلا أن ثمة نقدا داخليا يجري على صعد شخصية لمثل هذه الظاهرة وهيمنتها على المؤسسات المالية الإسلامية وفرض توجهات معينة، ووصل النقد إلى أن يشكو البعض من أن التطوير والتحديث متوقف بسبب اعتراض هذه الشخصيات ورفضها التغيير، رغم إعلانها أنها مع التطوير والتحديث وأنها داعمة ومؤيدة للدماء الجديدة.
فكرة إنشاء هيئة عالمية قوبلت بالرفض المبطن وبالتشكيك أيضا، فقد أكد منير خان مدير التمويل الإسلامي لدى مكتب المحاماة (سايمونز آند سايمونز) في دبي، أنه من الصعب جداً إقامة هيئة عالمية تملك بالفعل سلطة إعمال تلك التغييرات، مضيفاً أن الأمر برمته يتوقف على التعاون الطوعي، وأن هناك الكثير الذي ينبغي القيام به خلف الكواليس لحمل المسؤولين على المشاركة.
أما مراد أونال الرئيس التنفيذي لمؤسسة funds@work التي أعدت التقرير الذي جاء تحت عنوان The Small World of Islamic Finance فقال: المشكلة تكمن في أن أعضاء هذه الهيئات باعتبارهم المسؤولين عن تحديد معايير هيئة المراجعة والمحاسبة للمؤسسات المالية الإسلامية (إيوفي)، وبالتالي فإن تشريعاتهم لن تطول أعمالهم ومكاسبهم، وبالتالي إصلاحاتهم لن تكون شاملة، وأضاف: المطلوب أن تقتصر الهيئة الشرعية على مستشار شرعي واحد من كبار المشايخ وليس على أربعة أو أكثر، وذلك لمنح المبتدئين دورا في الانضمام إلى تلك المجالس.
من جانبه، أكد جون ساندويك مدير الثروات والأصول الإسلامية أن المشكلة تكمن في أمرين مهمين، الأول توسع نطاق عمل صناعة المصرفية الإسلامية، والأمر الآخر سيطرة عدد محدود من أعضاء الهيئات الشرعية على الجانب الشرعي من الصناعة، لدرجة أن بعضهم يعمل في مئات الهيئات، وهذا بالطبع غير منطقي لأنه من المستحيل إنفاذ هذه المهمة بنجاح، ما يسبب مزيدا من الإرباك للصناعة، ويضيف أن مقترح isra يستجيب بشكل مهني وفني لزيادة الطلب وكسر الاحتكار.
أكد لـ ''الاقتصادية'' الدكتور سامي السويلم الخبير في التمويل الإسلامي أنه من المهم تنظيم عضوية الهيئات الشرعية بهدف تطويرها ورفع كفاءتها ومصداقيتها، مضيفا أن بقاء عمل الهيئات الشرعية خاضعاً لعوامل العرض والطلب، مع الأسف، مضر بالصناعة المالية الإسلامية ويجعل الفتوى تابعة للتمويل وليس العكس، وأن من المأمول أن تسهم هذه المبادرات في تعزيز استقلالية الهيئات الشرعية وترشيد المنتجات المالية الإسلامية بما يحقق المقاصد العليا للشريعة الإسلامية.

أما الدكتور عبد الباري مشعل الخبير في الرقابة الشرعية المدير العام لشركة رقابة للاستشارات في بريطانيا فقد أكد لـ ''الاقتصادية'' أن قوانين السلطات الإشرافية في ماليزيا لا تسمح لعضو الهيئة الشرعية بأن ينتسب لأكثر من ثلاث مؤسسات مالية، هي بنك واحد ومؤسسة تأمين واحدة ومؤسسة استثمار واحدة، ومن يكون في هيئة عليا في البنك المركزي لا يكون عضوا في أي هيئة خاصة، ومنها أصبح ثمة نقص في عدد علماء الشريعة الذين يمكن أن يغطوا المؤسسات المالية الإسلامية المتاحة وأصبح ثمة حاجة للدعم، ومنها جاءت فكرة إنشاء أكاديمية لدعم الهيئات الشرعية وهي جمعية المستشارين الشرعيين، حيث لا ينتسب إليها إلا من هو مؤهل ليكون عضو هيئة شرعية في أي مؤسسة.
وأوضح مشعل أنه بالنسبة لما يتعلق بهيئة المحاسبة والمراجعة الإسلامية فهي غير معنية بإصدار قوانين تحدد عدد المؤسسات التي يُسمح لعضو الهيئة الشرعية أن ينتسب إليها، وهي لا تتدخل في تنظيم عمل هذه المؤسسات، فهي معنية فقط بإصدار المعايير التي توضح صفة عضو الهيئة الشرعية، والمعايير الصادرة عن هذه المؤسسات ليس لها طابع الإلزام إلا إذا تبنتها السلطات الإشرافية في البلدان التي توجد فيها المؤسسات المالية، بحيث تفرض على المؤسسات المالية الالتزام بهذه المعايير.
ومن جهته، أكد لاحم الناصر الخبير في التمويل الإسلامي لـ ''الاقتصادية'' أن المعايير والقوانين الصادرة عن هذه المؤسسات هي مجرد نواة فكرية لتنظيم الهيئات الشرعية، وهي تنظيم أخلاقي أكثر من كونه مهنيا، والالتزام بها مجرد التزام أخلاقي، وقيمة هذه القوانين مجرد جهد علمي وقيمة نظرية فكرية لا تعدو عن التنظير، أكثر من كونها قوانين ملزمة تتقيد بها المؤسسات المالية الإسلامية، وهو الحاصل في حالة هيئة المحاسبة والمراجعة مثلا، إذ لم يُلتزم بغالب ما صدر عنها من معايير محاسبية أو شرعية.
ولا تكون هذه القوانين ملزمة ما لم يصدر من الجهات المخولة بإصدار القوانين في البلدان التي توجد فيها المؤسسات المالية الإسلامية، بحيث تفرض الالتزام بمعايير وقوانين هذه المؤسسات المنظمة.
وحول كون مجرد الانتساب إلى هذه المؤسسات يعني بالتالي الالتزام بقوانينها، أكد أنه لا يشترط ذلك، فمجلس الخدمات المالية الإسلامية في ماليزيا مثلا يصدر معايير رقابية خاصة بالمؤسسات المالية الإسلامية ومع ذلك لا تلتزم المؤسسات المنضوية تحته بهذه المعايير.

أما الدكتور محمد أنس الزرقا فقد أكد لـ ''الاقتصادية'' أنه لم يطلع بعد على أي من المشروعين، مشروع إسراء ومشروع هيئة المراجعة والمحاسبة (أيوفي)، وأضاف أنه بلا شك فإن كل جهد للارتقاء بمهنة الفتوى والرقابة الشرعية أمر يستحق الشكر، طالما استهدف تعزيز المصداقية الشرعية وتحقيق مستوى مهني مشترك أرفع، منوها بالإنجازات المهمة التي حققتها الفقه المالي والهيئات الشرعية خلال السنوات الـ 30 الماضية مثل: سرعة الاستجابة لاحتياجات الصناعة وتزويدها بابتكارات فقهية مالية (عدد منها مقبول على مضض أو باعتبارها أهون الشرين)، لكن كانت أساسا لحياة الصناعة وتوسعها، وكان للمجامع الفقهية دور مرجعي مهم، وللهيئات الشرعية دورعملي أكبر. لكن طرأت مستجدات وتطرق الخلل. من أهم المستجدات بروز السوق قوةً مؤثرةً في مسار الفقه المالي، دون بروز قوة موازنة ترعى المقاصد الشرعية والمصالح الاجتماعية. وهذا دور لا يصلح أن يضطلع به إلا البنوك المركزية، إضافة إلى مهامها التقليدية المعروفة. ومع افتقاد هذا الدور حتى الآن، صارت السوق تسوق. تسوق جميع المؤسسات والهيئات لاتـّباع أكثر الفتاوى تساهلا وترخصا وتخفيضا للتكاليف، ولو كان دليلها الشرعي أضعف وآثارها الاقتصادية مريبة.
وأوضح الزرقا أن من لا يتبع فتوى مترخصة بإفراط تأخذ بها مؤسسة منافسة (حتى لو كان يرجح سواها فقهيا) ، يخسر عملاءه وحصته من السوق. المثال الحي لذلك انتشار التورق المنظم. ثم انتشار الطامة الكبرى وهي قلب الدين (أو فسخ الدين بالدين)، وهو أقرب الحيل إلى ربا الجاهلية: تقضي أم تربي، ويمكن أن نقول عن الرقابة الشرعية للهيئات على المؤسسات المالية مثلما قلنا عن الفتوى من حيث هرولة السوق نحو أكثر أساليب التغاضي والتهاون في الرقابة.
وأكد الزرقا أنه لا يمكن وقف هرولة السوق نحو الأدنى أية هيئة مهما أخلصت، إذ لا سلطة لها على الهيئات الأخرى. هنا يأتي دور السلطان (البنك المركزي) ليلزم الجميع بمعايير مشتركة. هذا أهم إصلاح مطلوب، ومع افتقاد هذا الدور حتى الآن، صارت السوق تسوق. تسوق جميع المؤسسات والهيئات لاتباع أكثر الفتاوى تساهلا وترخصا وتخفيضا للتكاليف، ولو كان دليلها الشرعي أضعف وآثارها الاقتصادية مريبة، وبهذا فإن قوى السوق استغلت التعددية الفقهية وانحازت للفتاوى الضعيفة، ما يضر بالصناعة نفسها .
وبين الزرقا أن من لا يتبع فتوى مترخصة بإفراط تأخذ بها مؤسسة منافسة (حتى لو كان يرجح سواها فقهيا) ، يخسر عملاءه وحصته من السوق. المثال الحي لذلك انتشار التورق المنظم. ثم انتشار الطامة الكبرى وهي قلب الدين (أو فسخ الدين بالدين) وهو أقرب الحيل إلى ربا الجاهلية: تقضي أم تربي.

الأكثر قراءة