تراجع مؤكد في ملف التكامل الاقتصادي الخليجي

الدعوة التي وجهتها دول مجلس التعاون الخليجي إلى الأردن والمغرب للانضمام إلى المجلس تعني أنه في حال حدوث تقدم في هذا المسعى فإن المجلس خلال المرحلة المقبلة سيكون تركيزه على الملفات السياسية والعسكرية والأمنية بشكل أكبر وسيتراجع الاهتمام بملف التكامل الاقتصادي، ليس فقط ضمن المجموعة الجديدة الموسعة، إنما حتى بين الدول الست الأعضاء في المجلس الحالي، وذلك لعوامل عدة.
أولها: أن خطوات التكامل الاقتصادي معقدة وتستغرق وقتا أطول بكثير من خطوات التكامل في المجالات الأخرى، فالدول التي ترغب في الانضمام إلى تجمع اقتصادي قائم لا يمكنها أن تنضم بصورة تلقائية ويلزم تأهلها من خلال تحقيقها معايير معينة يستغرق استيفاؤها في العادة وقتاً طويلاً وتتطلب مفاوضات مضنية. وفي ظل التفاوت الكبير في الظروف الاقتصادية في المجموعتين فإن انضمام الأردن والمغرب إلى الخطوات التكاملية التي حققت فيها دول المجلس تقدماً ملموساً لا يمكن أن يتم إلا من خلال عملية تأهل ستستغرق وقتاً طويلا. من ثم ستجد دول المجلس الجديد، وفي ظل التحديات الحالية التي تمر بها المنطقة، أن من الأجدى التركيز على الملفات الأخرى الأشد إلحاحاً والأكثر سهولة، وسيقتصر التعاون الاقتصادي فيما بين هذه المجموعة الموسعة على تقديم مساعدات اقتصادية للدول الجديدة في المجلس وليس على تحقيق خطوات تكامل اقتصادي معها.
الثاني: أن التفاوت الكبير في الظروف الاقتصادية بين دول المجلس من جانب والأردن والمغرب من جانب آخر يعني أنه لا يمكن أن يكون هناك توازن في المصالح الاقتصادية بين دول المجموعتين نتيجة لإقرار أي خطوات تكاملية بينها. وإذا أخذنا في الاعتبار الصعوبات التي واجهتها دول المجلس في إقرار قيام اتحاد جمركي والمعوقات التي ما زالت تواجه تطبيقه حتى الآن رغم التماثل في البنية الاقتصادية وقواعد الإنتاج، وبالتالي محدودية المكاسب والأضرار التي يمكن أن تلحق باقتصادات الدول الأعضاء نتيجة هذه الخطوة، فإن هذه الدول ستكون أكثر تحفظا في إقرار اتحاد جمركي مع دول قواعدها الاقتصادية مختلفة وتملك ميزات نسبية قد تمكنها من تحقيق مكاسب كبيرة من هذا الاتحاد الذي يترتب عليه تدفق كبير للواردات من تلك البلدان بصورة تؤثر بشكل أكبر في النشاط الاقتصادي مقارنة بالآثار التي يمكن أن تترتب على اتحاد جمركي بين دول المجلس الحالية. أيضاً فإن تفاوت الظروف الاقتصادية بين المجموعتين يعني أن أي خطوات تكاملية تستهدف قيام سوق مشتركة بينها، سيملي بالضرورة حرية كاملة لانتقال عناصر الإنتاج بين الدول الأعضاء بما في ذلك اليد العاملة وممارسة الأعمال المهنية والتجارية، الأمر الذي سيترتب عليه تدفق هائل للعمالة من هذين البلدين إلى دول المجلس الحالية بصورة ستتسبب دون شك في الإضرار بجهودها الحالية لتوسيع فرص العمل لمواطنيها ومكافحة ارتفاع معدلات البطالة، وسيواجه مواطنوها منافسة شديدة في المهن والأعمال التجارية، ما يعني معارضة شديدة وعدم قبول شعبي في دول المجلس لأي توسع في السوق الخليجية المشتركة بضم الأردن والمغرب. من ثم فإن دول المجلس الحالية لا يتوقع أن تقدم على خطوات من هذا النوع قبل حدوث تحسن كبير في الظروف الاقتصادية في المغرب والأردن ما يسمح بتحقيق مكاسب متوازنة بين دول المجموعتين، وستجد دول المجلس الحالية أنها مجبرة على تقديم مساعدات مالية كبيرة ولسنوات عديدة لهذين البلدين قبل أن يكونا مؤهلين للدخول في تكامل اقتصادي معها.
الثالث: أن دول المجلس الحالية، وفي ظل ما تواجهه خطوات التكامل الاقتصادي من معوقات، ستكون على الأرجح في مرحلة انتظار لما يمكن أن تسفر عنه عملية انضمام هاتين الدولتين إلى المجلس من خطوات تكاملية على نطاق المجلس الموسع، ما سيسهم في إبطاء جهودها لتحقيق تقدم في المبادرات الحالية كالاتحاد الجمركي والسوق المشتركة أو حتى التكامل النقدي، أي أنه لن يكون هناك تراجع في أهمية ملف التكامل الاقتصادي بين دول المجلس الموسع فقط، إنما أيضا سيدخل ملف التكامل الاقتصادي بين دول المجلس الحالي في مرحلة جمود وترقب تعوق تحقيق أي تقدم فيه.
وفي ضوء كل ما سبق، فإن التكامل الاقتصادي لا يتوقع أن تكون له الأولوية خلال المرحلة القادمة بسبب حالة الانتظار والترقب التي ستتسبب في جمود هذا الملف على مستوى المجلس الحالي، كما أن التفاوت الشديد في الظروف الاقتصادية في دول المجموعتين سيتسبب في الحد من إمكانية تحقيق أي خطوات تكاملية في نطاق المجلس الموسع، والتجربة الأوروبية قد أظهرت، وبشكل واضح جلي، حجم المخاطر التي يمكن أن تلحق باقتصادات دول المجموعة الاقتصادية نتيجة أي خطوات تكاملية بين دول أوضاعها الاقتصادية غير متكافئة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي