الأربعاء, 23 أَبْريل 2025 | 24 شَوّال 1446


الثقافة العربية تودع مرحلة كاملة برحيل الأديب عبد الله بن خميس

تجربة عصية على احتواء التصنيف
وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة قال إن ابن خميس أضاء دربا وأتاح أفقا جديدا في المعرفة وجعلنا نفخر حين نقول هذا الرمز العلم من بلادنا، مضيفا "لقد أثرى حياتنا الأدبية وشق طريقا وعرا ليجعلنا نعرف معنى أن تكون لنا صحافة حديثة، صاغ وجداننا بشعر عربي في شعر تحدر إلينا من ربى اليمامة وأعادنا إلى حيث يكون الشعر ناصعا ساطعا بهيا نقيا، الشاعر والمؤرخ والجغرافي والصحافي والآثاري والمربي والعلامة، اسمه غدا رمزا لكل تلك القيم، عبد الله مكتبة في رجل، وتراثه العلمي اللامع يعيد إلى أذهاننا أسماء تلك الكوكبة العظيمة من الشخصيات الكبيرة في تراثنا الثقافي العربي .. لقد كان بحق جبلا من العلم".
وأضاف خوجة "لا أعرف كيف أحيط بتجربته وقد كان رائدا في مجالات عدة، كرمته المملكة واختارته الدول العربية عضوا في لجانها ومؤسساتها الثقافية والعلمية، ريادته في مسيرته الشعرية، ولا أعرف كيف استطاع أن يعيد للشعر نقاءه وإبداعه وهو المشغول بالسير والجغرافيا والموروث والبحث والتحقيق، لكنها نفحة الإبداع التي خصه الله تعالى بها، قصائده ثمرة وقوفه على شعر العرب القديم واستطاع أن يضمن أسلوبا خاصا في نصوصه، يأخذ بيدي إلى زمن الشعر النقي واللغة الصافية. شاعر ينبجس الشعر بين يديه عذبا .. وقد قرأ الوزير نماذج من القصائد الجميلة لابن خميس".
واعتبر خوجة أن كتب الأديب الكبير تعد علامة مضيئة في تراث العربي الأدبي الحديث يفزع إليها الباحثون ليجدوا فيها ما يريدون، وأن مؤلفاته محل احترام الباحثين، ومرجع مهم لدراسة تاريخ العرب وثقافتهم في العصر الحديث، وخص بالذكر كتابه "الأدب الشعبي في جزيرة العرب"، و"المجاز بين اليمامة والحجاز"، وكتابه الشهير "من القائل" الذي قال الوزير إنه بات أثرا أدبيا خالدا بعد أن كان برنامجا إذاعيا ماتعا لا ينسى.
مضيفا في محور آخر: "رغم انتماء ابن خميس للتاريخ القديم الذي أحبه وأخلص له إلا أنه كذلك مثقف منتم إلى التاريخ الحاضر الذي عاشه وأثر فيه وكان بانيا لمؤسساته الحديثة، ف الذي تذكرنا مؤلفاته بالأصمعي والواقدي هو نفسه الذي تحمس لإنشاء أول مجلة في الأحساء وهي مجلة "هجر" عام 1376هـ، وهو من أصدر مجلة "الجزيرة" في الرياض عام 1379هـ، وهو يتمتع بحس وطني ذي مضمون اجتماعي مستنير، ويعرف له من قرأه حس الغيرة على بلده ومقدراته، عبر مقالات تملؤها الجرأة والإنسانية".
وإذ يشيد وزير الثقافة بتواصل العطاء الإبداعي عبر أجيال أسرة الأديب الراحل، وهو ما تجسد في ابنة الأديبة والكاتبة المعروفة أميمة الخميس، التي تحدثت عن الرجل الذي يصنع ملحمته ويعيشها بعد أن يزيل برزخ ما بين الحلم وركاكة الواقع، وعن "الشاعر الفارس"، حيث تتناول روائية البحريات تلك النشأة وذلك الظل التربوي، فتقول الأديبة "كان المتنبي يشارك الوالد في تربيتنا وطالما استخدم أبياته في تأنيبنا أو عتابنا أو استحثاث هممنا"، متناولة كذلك ارتباطه الوثيق بالقضية الفلسطينية، حيث تجاوز الكتابة عنها في قصائده إلى العمل الميداني نائبا للجنة الشعبية لرعاية أبناء فلسطين، وكشفت عن وجود العلم الفلسطيني في مكتبته وعن وجود شارع في مدينة غزة يحمل اسمه.
وإن كانت أميمة الخميس قد أشارت سابقاً إلى اعتياد والدها الأديب الكبير أن يقرأ عليهم بعضا من نصوصه ومعاركه الأديبة الشهيرة إلا أن متعة من نوع آخر تضمنها حديثها عن تجربة السفر البري إلى الطائف في فصل الصيف برفقة عبد الله بن خميس، وهي الرحلة التي تشعرها بوجود بعثة جغرافية كاملة في شخص رجل واحد هو الوالد الذي يجعل تجربة كتلك لا تنسى بفضل ما يرويه طوال الطريق من قصص وأدب وأخبار، فضلا عن الشرح التاريخي والجغرافي المواكب للمرور بكل المحطات والمواقع على طريق المجاز باتجاه الحجاز .. أو رحلة السفر لعروس المصائف.

#2#

رؤساء النادي الأدبي .. يتذكرون المؤسس
الناقد الدكتور سعد البازعي رئيس النادي الأدبي السابق، قال عن الأديب الراحل: "على كثرة الموضوعات التي يمكن الحديث عنها ضمن مشوار ابن خميس، لقد كان أستاذا لي لم أجلس أمامه، لكني سمعته وقرأته، وعرفت قدرته اللافتة على جمعه بين جانبي الثقافة العامية والفصحى، خصوصا في برنامجه الشهير "من القائل"، فمرة يأتي السؤال عن المتنبي ومرة عن الشاعر الشعبي تركي بن حميد وكانت إجابة ابن خميس دائما عامرة بالدقة والمعلومة الموثقة. لقد استفاد الناس من اطلاعهم على هذا البرنامج، فابن خميس خدم التراث الشفاهي في المملكة، وهي خدمة من موقع المثقف الذي لا تقل صلته عن موروثه الأصيل، وأسس لنمط من الباحثين الذين أمسكوا بطرفي الاهتمام الأدبي، حين رفد معرفته بالشعبي بمعرفة غزيرة بالفصيح، وأثبت أن لا خوف على اللغة العربية من العامية كما كان يتردد في أوساط ثقافية وأكاديمية .. هو علم في مجالات عدة، لكني اخترت الإشارة إلى هذا الجانب الذي لا يحظى بكثير اهتمام ثقافي، والذي كان نموذجا مضيئا فيه، وهو الموروث الشعبي بوصفه جزءا من الشخصية الحضارية.
بدوره، الدكتور عبد الله الوشمي رئيس النادي الأدبي في الرياض، الذي كان قد أدار الليلة التكريمية للأديب الراحل التي أقامها النادي قبل أشهر قليلة وجه تعازيه للمثقفين وقال: "ابن خميس هو أول رئيس للنادي الأدبي، وننظر إليه عبر بوابات علمية وإدارية شتى، فهو مؤسس صحيفة "الجزيرة"، والعالم بالشعر والأدب، والمساهم في القطاعات المتعددة، ومؤلفاته مما يشار له بالبنان في حركتنا الثقافية الحديثة، فهو من الأدباء الذين خدموا الوطن بشكل يشعرنا جميعا بواجب الوفاء".
وعلق رئيس النادي الشاعر والأديب الوشمي على وجود رغبات كثيرة بالتعليق في ليلة ابن خميس بأن لكل المثقفين ما يقولونه في هذه الليلة وقال: "ابن خميس واحد للناس جميعا وليس لأسرته فقط، حيث خرج مبكرا من أن يكون منحصرا فيها".
الدكتور عبد الرحمن الأنصاري الباحث المعروف، وصف ابن خميس بالشخصية فارعة الطول في مشهدنا الثقافي، وتذكر الأنصاري شيئا من مآثر ابن خميس فقال: "عندما أنشأنا جمعية التاريخ والآثار كان ممن يدعمنا ويأتينا ويلقي علينا محاضرات، ويساعدنا في أعمالنا، كان محاوراً جيدا وأتذكر كثيرا من نقاشاته التي جعلتني أفخر بأنني عاصرت هذا الجدل العلمي الثري الذي أضافه، هو شخصية مرموقة في الحركة الثقافية، وهو في طليعة الأعلام في تاريخ الأدب السعودي".

#3#

الأديب الرائد .. يدخل المدرسة بواسطة!
يستعرض عبد الرحمن الراشد مدير مؤسسة "الجزيرة" سابقا ملامح من حياة تدل على عصاميته، وأنه كابد وجاهد حتى وصل إلى ما وصل إليه من مكانة علمية مرموقة تجاوزت حدود بلده، فيقول: "نشأ في الدرعية حين كانت كأي قرية من قرى نجد، إمكاناتها محدودة والناس مشغولة بمعاشها، والجهل يخيم على كثير من الأماكن، ولا تجد فيها إلا الكتاتيب على ندرتها، لم يكن ثمة مجتمع محرض على الثقافة أو التحصيل الدراسي، لكن الرجال أصحاب القلوب الجسورة قادرون على أن يخرجوا من رحم الظروف الصعبة"، وأضاف "همة الرجل كبيرة وطموحه واسع ما أن شب عن الطوق حتى بدأ يتقلب في شؤون حياته وتكوين نفسه، ظروف العيش جعلته يجمل البندقية، في ذلك الوقت كانت الحاميات تستقطب بعض الرجال ليرابطوا فيها للحفاظ على الأمن فشارك معهم، ثم أصبح كاتبا لجباة الزكاة يتنقل معهم في مناطق الجزيرة، وقال إنه استفاد من هذا الجانب، حيث شاهد عن قرب كثيرا من المعالم التاريخية والأثرية والجغرافية، فكانت تأسيسا لما أصدرته من دراسات ومؤلفات في هذا الجانب، ثم التعليم المنهجي دار التوحيد في الطائف، التي عندما فتحت كان صديق فهد المارك حبب إليه التوجه إلى الدار والدراسة فيها، واستشار والده وأقنعه بالموافقة، وصل إلى هناك وهو في الـ 25، ويفاجأ بعدم القبول لأنه لا يحمل الشهادة الابتدائية، وهنا يعلق عبد الرحمن الراشد قائلا: "ليت شعري لو تكشف حجاب الغيب لإدارة المدرسة بأن هذا الشاب الواقف وراء بابها ينتظر الإذن بالدخول سيكون ذلك العلم الكبير في ثقافة أمته وبلده!" .. ولم يسمح له بالدراسة حتى استعان بشفاعة عبد الله الخليفي فشفع له عند بهجت البيطار، الذي وافق على أن يجتاز امتحان الشهادة الابتدائية فكان ذلك فعلا. إن هذه اللمحات من تاريخه تثبت عصاميته وجده واجتهاده، وهي سيرة يجب أن تكون قدوة للشباب أن التعليم ليس بالتمني وأن الشهادة ليست غاية، بل هي وسيلة ليكون الإنسان نافعا مفيدا في مجتمعه.

#4#

ابن خميس .. جزء من تاريخ الإعلام
الدكتور عبد الرحمن الشبيلي، الذي أجرى مع ابن خميس لقاء تلفزيونيا شهيرا عمره يتجاوز 30 عاما وثقه لاحقا في كتاب، وفي حديثه عن الشخصية الإعلامية العريقة لابن خميس، أشار الشبيلي إلى مراحل مهمة كان أبرزها تأسيس صحيفة "الجزيرة" عام 1960 لتكون صنواً لمجلة "اليمامة" التي أسسها العلامة حمد الجاسر، وقال إن الصورة الذهنية للمثقفين لا تفصل ابن خميس الناقد عن الأديب ولا الجغرافي عن الإعلامي، وأضاف: "لقد قدح زناد فكره بخجل تحت اسم فتى اليمامة حين كان في دار التوحيد وقاد طلابه في الهفوف لإصدار مجلة "هجر" قبل أن يعود إلى الرياض ويؤسس صحيفة رائدة بدأت فكرتها في داره في شارع الخزان، وطبعت في شارع السويلم، وتنقلت بين شارع جرير والناصرية حتى استقرت في موقعها الشامخ شمالي العاصمة"، وتناولت ورقة الشبيلي ذات الحس التوثيقي العالي محطات إعلامية مهمة في سيرة ابن خميس ومنها مشاركته في عضوية المجلس الأعلى للإعلام في 1396هـ ، وإنشاؤه مطابع الفرزدق الشهيرة من منزله في الملز، وبرنامجه المعروف في الإذاعة "من القائل"، الذي اشتهر في الفترة بين 1402 و1405هـ، وكذلك احترافه الكتابة الصحافية التي وصلت باسمه إلى العالم العربي، ويضيف الشبيلي "لم يكن ناقدا فقط لكنه كان منظرا إعلاميا يدعو للصحافة الحرة النزيهة ويفسح المجال للاسم النسائي الصريح بالكتابة ويعبر عن فكره شعراً ونثرا"، وأشار في ختام حديثه إلى أن عبد الله بن خميس أهدى مكتبته الغنية إلى مكتبة الملك فهد الوطنية، حيث يعلق الأديب عبد الله الناصر الذي اطلع على محتوياتها بأنها كانت تتفوق على ما هو موجود في المكتبة بما في ذلك مقتنيات الأدباء الكبار، فضلا عن وجود ما يفوق 800 عنوان لا يوجد لها مثيل في قوائم المكتبة.

#5#

تأسيس النادي الأدبي على مائدة ابن خميس
الناشر والأديب عبد الله الماجد يروي قصة تتضمن جوانب قد لا يعرفها أغلبية المثقفين عن قصة تأسيس النادي الأدبي في الرياض، التي يقف وراءها عبد الله بن خميس. يقول الماجد "قد لا تعرف أجيال من المثقفين أن نادي الرياض الأدبي ولد في منزل ابن خميس بعد عشاء أحد أيام الثلاثاء من عام 1975، وقد أولم لنا بهذه المناسبة وليمة كبيرة اجتمع الأدباء والصحافيون عليها، في تلك الليلة أتذكر أن زميلنا محمد العجيان عندما رأى الصحون تملأ الفناء قال دعونا نصوت الآن على أعضاء المجلس قبل أن تمتلئ البطون، أذكر أن الموجودين في ذلك الوقت لا يتجاوزون 32 فردا من الصحافيين والأدباء وقمت بجمع الأصوات حينها بطريقة الاقتراع، حيث ولد المجلس الأول مكونا من: عبد الله بن إدريس، عمران العمران، عبد الرحمن بن عقيل، ومني ــ عبد الله الماجد ــ أمينا أو سكرتيرا، بعدها تم انتخاب الرئيس بالترشيح، حين فرزنا الأصوات كانت 31 صوتا، وهو ما يعني أنها ناقصة صوتا واحدا اتضح أنه صوت عبد الله بن خميس الذي لم يشأ أن يصوت لنفسه، لكنه فاز ببقية الأصوات جميعا وتم اختياره رئيسا للنادي، واختير عبد العزيز الرفاعي نائبا والعلامة حمد الجاسر رئيسا شرفيا، حيث كان موجودا في بيروت في ذلك الوقت، تم بعدها استئجار مكان له في شارع الضباب ولا تزال أطلال المبنى موجودة منذ ذلك الوقت.

سيرة إدارية وعملية تواكب سيرته الأدبية
الأديب الكبير كانت له سيرة عملية وإدارية ثرية بجانب سيرته الأدبية، فقد عين ابن خميس في نهاية عام 1953 مديرا لمعهد الأحساء العلمي، وفي عام 1955 عين مديرا لكليتي الشريعة واللغة في الرياض، وفي عام 1956 عين مديرا عاما لرئاسة القضاء في المملكة، وفي عام 1961 صدر مرسوم ملكي بتعيينه وكيلا لوزارة المواصلات في المملكة، وفي عام 1966 عين رئيسا لمصلحة المياه في الرياض، وفي عام 1972 قدم عبد الله بن خميس طلبا للإحالة للتقاعد للتفرغ للبحث والتأليف.

#6#
وابن خميس عضو في كل من مجمع اللغة العربية في دمشق، ومجمع اللغة العربية في القاهرة، والمجمع العلمي العراقي ومجلس الإعلام الأعلى، ومجلس إدارة الملك عبد العزيز ومجلس إدارة المجلة العربية، ومجلس إدارة مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر، وجمعية البر في الرياض، وهو أول رئيس للنادي الأدبي في الرياض ونائب للأمير سلمان بن عبد العزيز في اللجنة الشعبية لرعاية أسر ومجاهدي فلسطين.
وفي عام 1959 أصدر مجلة "الجزيرة" ويعتبر من مؤسسي الصحافة في المملكة، وفي نجد على وجه الخصوص، وتحولت مجلة "الجزيرة" بعد ذلك إلى جريدة يومية.
وأثرى ابن خميس المكتبة العربية بعشرات الكتب في الأدب والشعر والنقد والتراث والرحلات، وصال وجال في الصحافة والمنتديات والمؤتمرات داخل المملكة وخارجها.

الأكثر قراءة