500 مليار دولار حجم الأصول الإسلامية الخليجية
أكد التقرير السنوي الثاني لبنك ساراسين حول الإدارة الإسلامية للثروة، الذي صدر أخيرا متناولا عددا من الموضوعات ذات الصلة، ومن بينها التخطيط في التمويل الإسلامي والذي أطلق عليه ''التقليد المنسي''، والوقف النقدي، والصكوك، ومؤشرات الأسهم الإسلامية.
فقد أكد التقرير أن حجم الأصول المتوافقة مع الشريعة الإسلامية في منطقة الخليج يبلغ 500 مليار دولار بحسب تقديرات البنك. ويشكل هذا الرقم 33 في المائة من إجمالي الثروات في دول مجلس التعاون، كما يؤكد فارس مراد، رئيس التمويل في البنك.
ودعا التقرير إلى التركيز على التخطيط المالي الإسلامي، معتبرا أنه مطلب شرعي لاكتساب وحفظ وتوزيع الثروة، ومن ثم فإن من واجب المسلم أن يتقيد بالتخطيط السليم، بما في ذلك هيكلة الوقف.
وقد لاقى التخطيط المالي الإسلامي إهمالا من قبل صناعة الخدمات المصرفية الإسلامية، حيث إنه يتطلب عملية مفصلة، فضلا عن الهياكل والمنتجات بما يضمن التوافق التام مع الشريعة.
السعودية تثري سوق الصكوك
في حوار معه نشره تقرير ساراسين يؤكد خالد هولادار Khaled Howladar الخبير في شركة موديز الشرق الأوسط، أن السعودية تشهد جهودا لإصدار صكوك، حيث شدد محمد الجاسر، محافظ البنك المركزي السعودي (ساما)، على أهمية الصكوك، مشيدا بأداء المملكة في هذا القطاع ومعربا عن تطلعاته أن تشهد سوق النقد المحلية انتشارا أكبر للصكوك. ومن المتوقع أن تصدر المملكة 2-3 صكوك خلال كل ربع في هذا العام، وهو ما يعتبره هولادار بمثابة يقظة العملاق النائم في تلك السوق. ويضيف أن ماليزيا لا تزال مهيمنة على سوق الصكوك، مع عودة بعض المؤسسات الإماراتية؛ فعلى سبيل المثال طرح بنك أبو ظبي الوطني صكوكا تزيد قيمتها على 164 مليون دولار مدتها عشر سنوات.
ويقول: إن وتيرة نمو الصكوك لا تسير بالسرعة المطلوبة؛ فعلى سبيل المثال قررت بريطانيا عدم طرح صكوك سيادية، كما أن عملية ضخ الصكوك لا تزال محدودة في جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط. يضاف إلى هذا أن السيولة تعد ضئيلة نسبيا كما هو الحال بالنسبة لقاعدة المستثمرين.
وعن جهود هيئة اﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ واﻟﻤﺮاﺟﻌﺔ للمؤسسات المالية الإسلامية AAOIFI وغيرها من المنظمات في دعم الصكوك، يقول: إنها تنشر معايير محاسبية، كما تراجع المعايير السابقة، التي يبلغ عددها 86، وتعقد منتديات نقاشية للاعبين البارزين في السوق؛ للمساعدة في دفع تلك السوق للأمام.
وعلى سبيل المثال، فقد أقرت أخيرا النموذج الفرنسي لإصدار صكوك محلية، لكنه يضيف أنه مع الانهيار الذي شهدته سوق الصكوك منذ الأزمة العالمية خفتت الأصوات التي تنادي بأهمية توحيد المعايير.
وفي هذا الإطار، يكشف أن الأزمة كشفت عن عوار يكتنف بعض المنتجات الإسلامية والتي لا تختلف كثيرا عن نظيرتها التقليدية، بل إن بعضها اكتفى بمجرد وضع قناع على المنتج التقليدي لإضفاء الشرعية عليه. وهذا كفيل بتقليص سوق الصكوك إلى أقصى درجة.
ويوضح أن سوق الصكوك تتطور ببطء من منظور السيولة، حيث لا تزال تلك السوق صغيرة. ومن الخطوات الواعدة إنشاء المؤسسة الدولية الإسلامية لإدارة السيولة IILM في العام الماضي لتسهيل إدارة السيولة للتمويل الإسلامي.
التقلبات السياسية تتطلب تنوعا إقليميا
يعتبر التقرير أن الاستثمار في الأسهم المتوافقة مع الشريعة بمثابة حجر الزاوية في صناعة التمويل الإسلامي. وإذا كانت الصكوك تنتشر في نطاق إقليمي فإن مؤشرات الأسهم الإسلامية تغطي غالبية الدول، والأقاليم، وقطاعات الصناعة التي لا تتعارض مع الشريعة. وهي تعطي للمستثمرين مؤشرا عن طبيعة أداء دولة ما أو إقليم، والقطاعات التي تقود توجهات تلك المؤشرات.
وكان 2010 عاما آخرا أظهر أداء الأسواق الناشئة. وقد أظهر مؤشر سريلانكا - داوجونز للأسواق الإسلامية أعلى ارتفاع بمعدل 37.58 في المائة، تبعه مؤشر تايلاند 34 في المائة، ثم مؤشر باكستان 29.04 في المائة، على الرغم من الأزمة الغذائية التي عانت منها الأخيرة.
ويشير التقرير إلى أن الأزمات السياسية التي يواجهها إقليم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا توضح مجددا مدى أهمية التنوع الإقليمي. وعلى سبيل المثال فإن الوضع السياسي في مصر بكل تداعياته يفتح الباب أمام فرص الشراء. وهو ما يعيد إلى الأذهان ما حدث منذ سنوات حين تعرضت إندونيسيا - أكبر بلد إسلامي - إلى تغيير سياسي مفاجئ مشابه، ولم تشهد أيضا تدميرا في البنية التحتية.
وتشهد صناعة التمويل الإسلامي بعض العوائق؛ فنتيجة للأزمة المالية تم إغلاق عدد من الصناديق الإسلامية بعد فشلها في تحقيق عوائد مرضية. ويطرح التقرير حلا يتمثل في توجه يعتمد على احتياجات السوق.
50 مليار دولار قيمة العمل الخيري الخليجي
ويرصد تقرير بنك ساراسين نموا في قطاع الأوقاف في دول الخليج، حيث تشير التقديرات إلى أن قيمة العمل الخيري الفعلي في المنطقة تزيد على 50 مليار دولار أمريكي في العام.
ويعزى هذا النمو إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي الذي يقترب من مستوى المليار دولار، وكذلك تنامي عدد الأثرياء في المنطقة، والذي يقدر بـ 400 ألف مليونير يمتلكون أصولا تربو على ملياري دولار، كما أن زيادة الثروات في المنطقة تلعب دورا محوريا؛ فقد ازداد إجمالي ثروات الأفراد من 0.8 تريليون دولار في 2003 إلى 1.5 تريليون في 2009، كما ألقى نجاح نموذج الوقف العالمي بظلاله على نمو هذا القطاع في الخليج، حيث ظهرت مبادرات لنموذج الوقف النقدي. ويلفت التقرير إلى أن منطقة الخليج تضم جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) التي تعد سادس أضخم وقف في العالم بمبلغ يقدر بعشرة مليارات دولار. إلا أن هناك عددا من التحديات التي تواجه إدارة الوقف في دول الخليج. أولها أن مؤسسات الأوقاف لديها طبقتا استثمار رئيستان لعوائد مستثمري الثروات. الأولى تتكون من العقارات، والأخرى من الأصول الثانوية الأقل قيمة وتضم الوقف النقدي. ونظرا لضعف إدارة العقارات وعدم القدرة على تحصيل أكبر دخل من تلك الأملاك، فإن الدخل من قاعدة الأصول في المؤسسات الوقفية يكون منخفضاَ جدا.
وثمة تحدٍ يتلخص في صعوبة إدارة الأوقاف النقدية بسبب غياب الشفافية نقص عدد المهنيين الأكْفاء؛ ونتيجة لهذا يرصد التقرير انخفاض عوائد المؤسسات الوقفية في دول المنطقة بشكل عام.
كما تعاني تلك المؤسسات عدم التنوع والابتكارية إلا في حدود ضيقة. ويوصي التقرير بأن يعمل القائمون على هذا القطاع على الاستفادة من إمكاناته وجعله مجالا جذابا كأداة استثمارية للمستثمرين الأثرياء وذلك من خلال الابتكارية والتنوع.