نداء لتيسير زواج «الكتاب» مع التكنولوجيا!
أعلن موقع أمازون amazon.com أن مبيعاته الشهرية من الكتاب الإلكتروني تفوقت على مبيعاته من الكتب الورقية في نيسان (أبريل) في مؤشر غير مسبوق على النمو الهائل والسريع للكتاب الإلكتروني. جيف بيزوس رئيس ''أمازون'' قال إن هذا النمو كان متوقعا، لكن ما لم يتوقعوه السرعة الهائلة التي نمت بها مبيعات الكتاب الإلكتروني.
وإذا عرفنا أن ''أمازون'' المصدر الأول للكتاب الورقي في العالم، فهذا يعني باختصار أن هناك تغيرا جذريا في عادات الناس القرائية التي تحولت من الكتاب المطبوع إلى الكتاب الإلكتروني. ''أمازون'' من جهة أخرى، هي الجهة التي أطلقت جهاز ''كندل'' لشراء وقراءة الكتاب الإلكتروني، الذي يحتل فترة طويلة مرتبة ضمن أكثر خمسة أشياء تباع على الإنترنت في أمريكا، والمرتبة الأولى بالنسبة للهدايا. جهاز كندل مرتبط بشبكة أمازون الإلكترونية التي تساعد على شراء الكتب بسهولة وإرسالها للجهاز بشكل معد للقراءة وبخصائص غير متوافرة في الأجهزة الأخرى. هذا الجهاز سيتبعه جهاز آخر قريبا من ''أمازون'' يستخدم تقنية أندرويد، التي ستساعد أمازون على تقديم تجربة استخدام لا تقل عن تجربة الآيباد مع خصائص مجهزة لعشاق الكتب والقراءة.
الكتاب الإلكتروني له ميزات عديدة كما هو معروف، فهو لا يقلل تكلفة الكتاب فقط (بسبب عدم وجود تكلفة الطباعة والتوزيع) بل هو أيضا يسمح بتخزين آلاف الكتب في جهاز خفيف الوزن يحمله الشخص معه أينما ذهب، إضافة إلى أن خصائص التعليق على الكتب ومشاركة الكتب والتعليقات مع ''الأصدقاء''. الأهم من ذلك تسهيل عملية شراء الكتاب، فبدلا من الذهاب إلى المكتبة لمعرفة ما إذا كان الكتاب موجودا أم لا، يمكن شراؤه خلال دقائق ومن بين ملايين الكتب التي يمكن البحث بينها عن الكتاب المناسب.
هناك أيضا ميزة أخرى مهمة للكتاب الإلكتروني وهي أن تكلفته منخفضة جدا وطريقة بيعه تسمح بتأليف الكتاب المتخصص محدود القراء، ما أسهم في إحداث ثورة في نشر الكتب كما وكيفا، إضافة إلى أن واقع عالمنا العربي ذي الحدود الجغرافية العديدة جدا سيسمح للكتاب العربي بالنمو، لأن الكتاب الإلكتروني عابر للحدود على أنواعها.
لماذا لا يوجد لدينا نشاط في الكتاب الإلكتروني في العالم العربي؟
الكثيرون سيقولون إن السبب هو أن العرب لا يقرأون، وهذا بالتأكيد عامل مهم، لكن المحافظة على مستوى الإقبال على الكتاب حاليا وبذل كل جهد لتشجيعه واجب ورسالة، لأن الكتاب هو اللحمة الحيوية لثقافة أي أمة. الأجيال الجديدة ستعاني فجوة أكبر من الكتب مع توجه تلك الأجيال للاعتماد على التكنولوجيا في استهلاكها للمعلومات.
السبب الأهم ـ في رأيي ـ هو أن صناعة النشر العربية ليست جاهزة لتحويل الكتاب الورقي إلى إلكتروني، ما يعني أن جهودا ضخمة ينبغي أن تبذل لإحداث عملية تحول في هذا الاتجاه. كنت يوما جزءا من تجربة في الرياض لصناعة قاعدة معلومات من الكتب الإلكترونية، وباءت التجربة بالفشل لأن كثيرا من الكتب تم صفها باستخدام برامج كمبيوتر محدودة الاستعمال، أو لأن الملف الذي عليه النص غير متوافر ويحتاج الأمر إلى طباعة الكتاب من جديد، أو لأن المؤلف أو الناشر لم يستوعب القضايا القانونية أو التقنية المرتبطة بالموضوع.
هذه تحديات مهمة لها تكلفة وتخيف المستثمرين من الإنفاق على هذه المشاريع مقارنة بأرباحها غير المعروفة، وعلاج هذه المشكلات ممكن، لكنه يتطلب ميزانيات غير استثمارية تقدمها المؤسسات الحكومية والخيرية لدعم تحويل الكتب إلى نسخ إلكترونية، وهذا طبعا يشمل رصيد من مئات آلاف الكتب التراثية والقديمة ورسائل الماجستير والدكتوراه وغيرها من كل ما خطه العرب في العصر الحديث.
هناك تحد آخر يتطلب تعاونا ودعما من شركات الاتصالات ومقدمي خدمة الإنترنت وتشجيعا من الدولة لتأسيس شبكة لاسلكية تسمح بشراء الكتب ودفع ثمنها بطريقة ميسرة، وتوسيع تلك الشبكة لتشمل لاحقا دولا عربية متعددة، ما يعني تمددا ثقافيا نحن اليوم في أحوج ما نكون إليه.
التحول إلى الكتاب الإلكتروني أمر حاصل لا محالة، ويمكن أن يحصل بشكل منظم ومخطط له بما يأتي بنتائج إيجابية على البنيان الثقافي والتعليمي في المجتمع، أو يتم بشكل استهلاكي فوضوي ويبقى مجالا ضعيفا يسهم في المزيد من ضعف صناعة النشر العربية، والتخلف العربي الثقافي.
إن الأمر يحتاج إلى الكثير من المعلومات التي لا يتسع المقام هنا لتفصيلها التي تشرح أهمية حدوث هذا التحول، وأهمية رعايته ودعمه من قبل مختلف الجهات في المجتمع، والآثار السلبية إذا لم يحصل هذا التحول بشكل منظم، لكن الأمر قبل كل شيء يحتاج إلى النية الصادقة المؤمنة بالمجتمع القارئ والواعي بأهمية الكتاب العام منه والمتخصص.