الحوكمة في القطاع المصرفي
فيما تتحول الأزمة المالية إلى أزمة الديون السيادية، عادت الحوكمة في قطاع المصارف إلى دائرة الأضواء. وينبغي طرح السؤال الآتي: لمصلحة من يجب أن تعمل مجالس إدارات البنوك؟ ومن ينبغي أن يراقب ما تفعله البنوك؟
قبل عام، أجريت دراسة لحوكمة الشركات في المؤسسات المالية في المملكة المتحدة، وأظهرت أن الدور الأساسي لمجالس الإدارة كان لرعاية مصالح المساهمين. وفي الآونة الأخيرة، وقد اقترحت كل من لجنة بازل للرقابة المصرفية واللجنة الأوروبية توسيع دور مجالس إدارات للنظر في مصالح المودعين وباقي المساهمين.
ويعد ذلك تحولاً كبيراً في التركيز، وفقا لجان ديرمين أستاذ الدراسات المصرفية والمالية في كلية إنسياد، وفي رأيه أنه من الأهمية بمكان عدم الخلط بين هذه القضايا. فالأحداث الأخيرة تبين بوضوح أن مجالس الإدارات في كثير من الحالات لم تكن على علم تام حول المخاطر التي تتخذها المؤسسات التي من المفترض أن تكون تحت الإشراف، ومع ذلك، فإن العديد من الضمانات القائمة ببساطة لم يطبق من قبل المنظمين، ما يثير تساؤلات حول دورها.
وفيما تخطط حكومات العالم حول كيفية درء الأزمة المالية المقبلة، يقدم ديرمين اثنين من التوصيات الواضحة:
ينبغي للحكومات والسلطات المصرفية ضبط قواعد اللعبة وضمان سلامة النظام المصرفي.
وينبغي العمل داخل مجالس إدارات البنوك ضمن هذه القواعد لمصلحة طويلة الأجل للشركة، مع التركيز على المخاطر التي قد تجنيها من الابتكارات.
عندما نعالج هذه القضايا، ينبغي ألا تكون المناقشة مدفوعة أيديولوجياً. إذ لا ينبغي أن مقارنة مناصري الراسمالية مقابل النظام الجديد، يقول ديرمين، فبدلا من ذلك يؤكد ''أن يكون لدينا تحليل حيادي لكل ما هو مفيد بالنسبة للمجتمع''.
على الجبهة التنظيمية، يحث ديرمين على المزيد من التركيز على مراقبة مخاطر الائتمان ومخاطر التداول، وتجب مراقبة مخاطر السيولة أيضا، فمعظم الخسائر في القطاع المصرفي تأتي بداية من خسائر الائتمان والخسائر الناتجة عن التداول، الأمر الذي يتسبب في حالة من الذعر.
وفي الإطار نفسه، يؤكد الحاجة إلى مزيد من الاستقلال للمنظمين. بسبب الضغوط السياسية، ويلاحظ، فشل اختبارات التحمل للبنوك الأوروبية التي أجريت في يوليو الماضي بالاعتراف بالمدى الكامل للمخاطر في الإقراض المصرفي على العقارات في بعض البلدان. وقال ''عندما تقرأ اختبارات التحمل، يمكنك القول هذه لم تكن اختبارات التحمل على الإطلاق. في حالة إسبانيا، كانا ينظران إلى انخفاض في أسعار العقارات بنسبة 15 في المائة. وفي الوقت نفسه، أظهرت قراءة دراسة مجلة الإيكونوميست، المبالغة في تقدير قيمة هذه السوق بنسبة 50 في المائة، والفرق هنا كبير، وهذا يبين بوضوح ما يحدث عند المنظمين أو المشرفين على المصارف وهم ليسوا مستقلين عن السلطات العامة''.
وفي موازاة ذلك، يؤكد ديرمين ضرورة أن تكون مجالس الإدارات أكثر نشاطا وجدية في الإشراف على أنشطة المؤسسات المالية التي تديرها، وعوضاً عن مزيد من الناس من ذوي الخبرة المالية، يقول ديرمين ''نحن في حاجة إلى الأفراد الذين لديهم مواقع قوية لمعارضة الرئيس التنفيذي للشركة الذي قد تكون له رؤية جيدة جدا على المدى القصير، فمهمة المجلس أن ينظر إلى المصالح طويلة الأجل للشركة.
هذا لا يعني أن على البنوك أن تجنب المخاطر تماما. في عالم متغير، تحتاج الشركات إلى الابتكار، فالابتكارات خلق مصادر جديدة للمخاطر، ودور المجلس هو تحديد النتائج المحتملة، سواء كانت إيجابية أو سلبية، واتخاذ القرارات المناسبة.
ونظراً لكون المعلومات الكاملة أمرا أساسيا. يضيف ديرمين: ''من الضروري أن تكون مجالس الإدارات على علم بنتائج اختبارات التحمل وتحت أي ظروف قد تم إجراؤها، وما نوع المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها البنك، وعندها يستطيعون تحديد وضع البنك، وعندما يأخذ مجلس الإدارة مصلحة المؤسسة على المدى الطويل فمن الضروري أن يحرض على ضمان استمرار نمو أعمالها في وقت الأزمات الاقتصادية''.
هي سيصل القطاع المصرفي في أوروبا إلى مرحلة يستطيع معها أن يضع ضوابط للمخاطر وأطر رقابة كافية؟ الوضع معقد من حقيقة أن مختلف البلدان لديها قوانين إفلاس مختلفة، ومثل هذا القرار في حاجة إلى قرار سياسي حازم من قبل الحكومات، ويقول ديرمين: ''بوجهة نظري، فقط عندما يكون الدائنون معرضين للخطر ستكون هناك ضغوط كافية للحد من المخاطر في النظام البنكي''. ومن ناحية أخرى، يرى أيضا أسبابا للتفاؤل ويقول ''أولاً، زادت البنوك رؤوس أموالها بكميات كبيرة في العامين الماضيين، لذلك نسب رأس المال هي أعلى بكثير مما كانت عليه قبل الأزمة. وثانيا، في كثير من البلدان، تكون الخدمات المصرفية للأفراد مربحة جدا، ولذلك فإن الربحية المحتملة للبنوك ستكون معتبرة أيضاً''.
أستاذ الدراسات المصرفية والمالية في كلية إنسياد،