استعادة التعليم الثانوي الفني
بنهاية العام الدراسي الحالي سوف يتم إقفال جميع معاهد التعليم الثانوي الفني الأهلية من تجارية وصناعية ومراقبين فنيين تنفيذا لقرار سابق اتخذته المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بعد أن طبقته على المعاهد التابعة لها، ومطالبتها ملاك هذه المعاهد إما بترقيتها لمستوى الكليات أو إنزالها لمستوى مراكز تدريب.
هذا القرار الذي جاء تحت اسم "التطوير" أثار الكثير من التساؤلات عن وجه التطوير فيه، فالتطوير يعني الإضافة وليس النقصان، بينما الحقيقة في هذا القرار أنه إلغاء لإحدى أهم قنوات تأهيل كوادر فنية ماهرة لسوق العمل، وهو التعليم الثانوي الفني الموجود في كل برامج ومناهج التدريب في العالم إلى جانب التدريب المهني، وبذلك تكون المؤسسة قد غيرت نهجها تماما باعتماد منهج التدريب دون تعليم ثانوي فني.
المعاهد الثانوية الفنية كانت تقوم على تعليم نظري لمواد تخصصية وعلمية تُربط ببرنامج تدريب عملي إلى جانب مواد عامة يحصل فيها الطالب المتدرب على شهادة دبلوم ثانوي فني، ويلتحق بهذه المعاهد الحاصلون على شهادة المتوسطة، وكانت بهذا المستوى التعليمي والفني تستقطب نسبة كانت في تصاعد من حملة المتوسطة حتى تجاوز عدد طلاب كثير منها ألفي طالب، وبعد تحويلها لمراكز ومعاهد تدريب تمنح فقط شهادة دورة تدريبية، تناقصت أعداد الدارسين فيها بشكل ملحوظ، فلم يعد يتجاوز فيها العدد 800 طالب حاليا، لأن الغالبية اتجهت للتعليم العام، إضافة إلى أن هذه المعاهد الثانوية الفنية كانت تتيح لمن فاته قطار التعليم أن يلتحق بها في فترة مسائية تمكنه من الحصول على مؤهل ثانوي فني يؤهله لسوق العمل، كما أنها خدمت موظفي القطاعين العام والخاص ممن وجد في مؤهلها داعما له في مجال عمله ورفع من مستواه العلمي خصوصا في المعاهد التجارية والمراقبين الفنيين التي كانت تجد إقبالا واسعا، وساهمت في تغذية سوق العمل بالأيدي السعودية المدربة، وبإقفالها وإلغاء التعليم الثانوي الفني خاصة المعاهد الفنية الأهلية، حرمت شريحة كبيرة من توافر مجال تعليم وتدريب بمؤهل هو المطلوب في سوق العمل بقدر واسع.
هناك حديث الآن على أن المؤسسة تعيد التفكير في العودة للتعليم الفني من خلال المعاهد الصناعية، ولا نعلم بأي صفة ستعود، ولكن المفهوم أنه كان على المؤسسة حين قررت قصر مهامها على التدريب المهني ألا تحرم سوق العمل من مؤهل الثانوية الفنية الأكثر طلبا في سوق العمل وإسهاما في سعودة قطاعات مهمة بمختلف التخصصات، ففي الوقت الذي كان عليها تطبيق تحويل المؤسسة إلى جهة تدريب فقط على المعاهد التابعة لها، أن تترك التعليم الثانوي الفني الأهلي يستمر تحت إشرافها أو نقل هذا الإشراف لجهات أخرى كإعادته لوزارة التربية والتعليم، حيث كان التعليم الفني يتبع وزارة المعارف، والتدريب المهني يتبع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية قبل عام 1400هـ حين تم ضمهما معا تحت مظلة مؤسسة عامة للتعليم الفني والتدريب المهني، أو للغرف التجارية والصناعية كما هو في دول أخرى كألمانيا مثلا؛ لأن قرار إلغاء التعليم الثانوي الفني وعدم تركه لجهات أخرى تقوم به عنها وتشرف عليه، حرم البلد من رافد مهم وأساسي من روافد تأهيل كوادر فنية لسوق العمل.
هنالك اليوم إمكانية لتدارك خطأ إلغاء التعليم الثانوي الفني بترك القطاع الأهلي يستمر به تحت إشراف المؤسسة أو غيرها على الأقل، وهذا العام هو الفرصة الأخيرة قبل إقفال المعاهد الأهلية الفنية وتسريح موظفيها ومدربيها ومعلميها للاستفادة من تجهيزاتها وخبراتها التي سوف تصعب استعادتها.