يستعجلون «المهدي» هربًا من الواقع.. ويؤسسون منهجًا يدمج الأسطورة بالسياسة لحكم العالم
قوم يدينون ديناً ما سمعت به
عن الرسول ولا جاءت به الكتبُ
مَمَنْ يكن سائلي عن أصل دينهم
فإن دينهم أن تُقتلَ العربُ
نصر بن سيار ـــ والي خرسان
كي تفهم المستقبل وتفهم طبيعة علاقاته وتحالفاته وخلافاته عليك أن تقرأ التاريخ، فالتاريخ كشّاف ومنارة للمستقبل، ومن ينسون تاريخهم أو يتجاوزون عنه تحت أي ظرف أو ذريعة يغفلون منهلا استراتيجيا في معرفة الأصدقاء من الأعداء، ويفشلون في مد خط الرؤية بين مشاهد التاريخ وظلال الجغرافيا، وإن كان التاريخ وفقا لجمال حمدان في شخصية مصر هو ظل وفعل الإنسان على الأرض، فإن الجغرافيا هي ظل الأرض على التاريخ، فالتاريخ عبارة عن جغرافيا متحركة.
والخبراء الاستراتيجيون مثل ـــ فرانسوا تويال، يعدون أن الشيعة (الصفويين) يعيشون على فكرة المخلص، وفلسفتهم السياسية تربط المجال الحيوي السياسي الراهن بالمجال الأسطوري عبر انتظار المهدي المنتظر، مرورا بدماء الحسين في تكامل تعبوي ونوعي، وهذا بالنسبة لهم يتطلب تهيئة المشهد العالمي لخروجه، واللافت للانتباه أن الرئيس أحمدي نجاد، وبدلا من التركيز على مشكلات إيران الداخلية، يحاول نقلها إلى الغيبيات وانتظار الفرج، وتبني هذه الروايات بوعي يدفعهم الدخول في نزاعات كبرى داخلية وخارجية، وتوكيدا لهذه الرؤية، وفي بداية العام الجاري انتشر فيلم سينمائي شيعي (إنتاج إيراني) يتحدث عن علامات ظهور المهدي المنتظر، معتبرا أن ظهوره مرتبط بعلامتين كبيرتين، الأولى تحققت وهي سقوط العراق وتدميره، والثانية اقتربت ـــ حسب الفيلم ـــ وتتمثل في حدوث فوضى عارمة في مكة المكرمة في موسم الحج، ووقوع اضطرابات خطيرة، وإراقة الدماء حتى تتلطخ أستار الكعبة بها، معتبرا أن هذه العلامة هي المؤشر الأخير على ظهور المهدي ومعه مجموعة من 313 شيعيًا يقودون الشيعة لسيادة العالم وحكمه، وهذا يعني أن الهدف السياسي والاستراتيجي يتطلب إحكام السيطرة على العراق وسورية ولبنان، ومن ثم التفرغ للملحمة الكبرى.
وفي 7/6/2008، قال أحمدي نجاد في خطاب أمام طلاب الفقه نقله تلفزيون إيران الرسمي: إن الإمام المهدي يدير العالم، ونحن نرى يده المدبرة في شؤون البلاد كافة، وألمح نجاد حينها إلى أن عودة الإمام الغائب قريبة، وأن على الحكومة تسوية مشكلاتها الداخلية في أسرع وقت، إذ إن الوقت يدهمنا لكي ننهض بواجباتنا العالمية (أي أن الفلسفة السياسية التدخلية تستند إلى واجبات دينية بعضها نصف إلهي)، مؤكدا أن إيران ستكون محور قيادة العالم.
في هذا المقام يدخل نجاد دائرة الخطر عندما يزعم نجاد ورحيم مشائي رؤيتهم أيادي الإمام الغائب، وعندما يكلمه ويتواصل معه مشائي، فهذا يعني كسر حلقة مهمة ورئيسة في بنية النظام السياسي الإيراني وعقيدته، وزعزعة مكانة المرشد الأعلى ظِل الإمام المهدي ونائبه، فقيام نجاد ومشائي بمهام يعجز عنها المرشد الأعلى يعني أن المرشد فَقَدَ مبررات وجوده الدينية وفقدَ صلاته وهالته القدسية، كما أن ولاية الفقيه لم تعد مهمة؛ لأن فقيه الزمان وصاحبه قد حضر أخيرا.
وعليه؛ فإن تداخل النطاقات والاختصاصات السياسية بالدينية في إيران يشعل ثورة عارمة اليوم، ولم يَطُلْ الرد كثيرا فقد رد عليه حُجة الإسلام غلام رضا مصباحي مقدم المتحدث باسم جمعية رجال الدين المقاتلين المحافظة المتشددة متهكما على أطروحات نجاد، إذا كان أحمدي نجاد يريد أن يقول إن الإمام الغائب يدعم قرارات الحكومة ويبارك تغييراته وتعديلاته، فهذا ليس صحيحا، مضيفا أنه ومن المؤكد أن المهدي المنتظر لا يقر التضخم الاقتصادي الذي بلغ 20 في المائة وغلاء المعيشة والكثير غيرهما من الأخطاء التي ترتكبها الحكومة، فيما عَدَّ رجل الدين المحافظ حجة الإسلام علي أصغري عضو كتلة حزب الله في البرلمان، أنه من الأفضل لأحمدي نجاد الاهتمام بمشاكل المجتمع مثل التضخم وخلافه والتركيز على الشؤون الدنيوية بدلا من الأمور الأخروية التي هي من اختصاص المراجع، ونصح نجاد بعدم التدخل في الشؤون الدينية والإيحاء بأن إدارة البلاد يتولاها الإمام الغائب.
غير أن نجاد في اجتماع جماهيري في مدينة بيرجند في إقليم خراسان شمال شرق إيران في آذار (مارس) الماضي قال: إن الولايات المتحدة تشكل أكبر حاجز أمام ظهور المهدي المنتظر، معللا أسباب غيبة المهدي إلى إمكانية تكرار حادثة كربلاء، وتعرض المهدي المنتظر لما واجهه الأنبياء، ومن ثم تصبح حياته عرضة للخطر، ويؤكد نجاد أيضا أن العالم يستعد بسرعة لاستقبال الإمام المهدي، معتبراً الثورة الإيرانية جزءاً من الثورة العالمية التي من شأنها التمهيد لمقدمات ظهوره.
تصريحات نجاد وإيغاله في الغيبيات والأسطورة وتوظيفها سياسيا، أدت إلى اتهامه من قبل رجال الدين بأنه واقع تحت تأثير السحر، وأن مستشار نجاد ووالد زوج ابنته رحيم مشائي يلعب دورا رئيسا في هذا الخلاف، كونه يعمل على استدعاء الأسطورة الدينية لتعزيز عوامل الهيمنة السياسية الإيرانية الداخلية والخارجية، فهو يستحضر ويستعجل ظهور الإمام المهدي، ويؤكد اتصاله به مباشرة، وأنه لا حاجة بعد ظهوره القريب للولي الفقيه ونائب الإمام علي خامنئي (ما يعني تغيير الدستور الإيراني)، ويؤكد مشائي أن ظهور الإمام الغائب تنطبق فيه حقائق التاريخ بالجغرافيا والسياسة، فستستعيد إيران هيمنتها وإمبراطوريتها الفارسية، ويكون لها دورها الديني العالمي في تخليص العالم من العبودية ونصرة المظلومين والمستضعفين، وهذه التعبيرات المتزاوجة بين السياسة والأسطورة تخدم عمليات التجنيد السياسي، وتفعل حركات التشيع الخارجي، وتقطف إيران ثمارها الاقتصادية دون عمل.
ويلحظ المراقبون ورود مصطلحات ومفاهيم ورؤى وتحليلات للرئيس الإيراني أحمدي نجاد لها صلة وثيقة بهذه الرؤية، كالدولة المهدوية، وصاحب الزمان التي ترد في خطاباته بوصفها ترجمة حقيقية لهذه الرؤية، فهي رسالة للرأي العام الإيراني أو للجهات العربية والإسلامية والدولية لترقُّب موعد ظهور المهدي وموعد التمدد السياسي الإيراني، ومَنْ يقبل بالحقائق الدينية فعليه بالمحصلة أن يخضع للحقائق السياسية كنتيجة ناجمة عنها. وقد نشرت المستشارية الثقافية الإيرانية في بيروت دراسة متكاملة تحت عنوان "الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف والمهدوية في خطاب الرئيس أحمدي نجاد".
وإيران اليوم التي تربط الواقع بالغيبيات، وتربط الأحلام بالواقع وتعمل على تحقيقها عبر أدواتها التوسعية المختلفة، لكون تحقيق أهدافها بأي وسيلة هو تحقق للرؤية الدينية المتجسدة في ظهور الإمام المنتظر، وعليه فهي تسعى إلى الاستفادة القصوى من جميع العوامل المتاحة لخدمة الهدف الإيراني عبر التمذهب واستثماره في إطار تحقيق الغايات السياسية، وبهذا فإنها تجمع لذلك ثروات كبيرة، تؤكد أنها تدير العالم من إمكاناته وثرواته لا من الأموال والثروات الإيرانية عبر إعادة جدولة واستثمار الخمس المستقطع من اقتصادات الشيعة في العالم، في مناطق مختلفة في ظل دورة رأسمالية متكاملة لا تتوقف عند الاستثمار الحقيقي، بل تتجاوزه إلى بيع وترويج المخدرات للحصول على العائد المادي وأداة إتلاف لمن يعارض المنهج الدعائي الإيراني، وهذان المنطقان متجسدان في جنوب العراق ولبنان وفي صعدة وبعض أحياء الكويت وفي سورية.
وإيران تعمل على جهات وجبهات عديدة متناقضة أحيانا لكنها تخدم بالمحصلة المصالح الإيرانية، وعليه لا نستغرب كيف يصبح فؤاد عجمي أمريكي ـــ لبناني من أصول فارسية كيف يكون مؤثرا في القرار السياسي الأمريكي، وكيف أقنع الإدارات الأمريكية بخيار الحرب واحتلال العراق والرهان الشيعي، وهنا نرى أن ثمة تكاملية بين تلك الأطروحات، وبين السلوك السياسي الإيراني وكأن كليهما يخدم بعض، وكذلك ما نادى به الكاتب الأمريكي من أصل إيراني ولي نصر (في كتابه انبعاث الشيعة The shia Revival) من دعوة الإدارة الأمريكية إلى ضرورة الحوار مع الشيعة بدل المواجهة والصدام، مؤكدا فيه ألا أمن ولا استقرار في الشرق الأوسط دون أن يكون للشيعة دور رئيس فيه، في وقت تعزز السياسة الإيرانية وتخدم هذه الأسطورة في علاقاتها الخارجية سواء مع الحركات والتنظيمات أو المجتمعات الشيعية في الخارج، وتكريس هذه الرؤية، وربط العالم بهذا التصور الذي يؤكد أن إيران ستكون محور الكون السياسي، ولهذا تطالب إيران بشرق أوسط إسلامي مركزه طهران، ولهذا يحلم الإيرانيون بأن تصبح إيران فاتيكان شيعية وبابوية جديدة، ونتيجة لذلك سيطروا على مرجعية النجف، وعملوا ما في وسعهم للتخلص من الزعامات الشيعية العربية، وبالمحصلة لا تقبل إيران السياسية زعامة شيعية عربية لا ترضخ لولاية الفقيه، والدليل التخلص من هذه الزعامات بالقتل ونسبته للقاعدة، فأبو القاسم الخوئي كان معارضا لولاية الفقيه، ويعدها بدعة، ولهذا عارضوه وتخلصوا من ابنه عبد المجيد، وهي الولاية التي تدمج القومي الصفوي بالإسلامي، وهي المنهجية ذاتها التي أسسها إسماعيل الصفوي، القائمة على الدمج بين المذاهب الروحية الصوفية والتعليمات الشيعية الأسطورية والباطنية، ولهذا تحاول طهران اليوم خلق (قزلباش) محاربين وآلهة أرضيين، ومحصلة لهذا الفقه المترسخ في الذهنية السياسية كان تمزيق صورة الخميني وخامنئي في تظاهرات طهران جريمة كبرى، وكانت مرحلة فاصلة وتاريخية بنهاية قدسية الأشخاص، ولهذا نتوقع أن تعلن إيران ظهور المهدي لأسباب سياسية طالما أن قدسية الخميني وخامنئي قد تهاوت وتصدعت، وزعامته للعالم الإسلامي والثورة الإسلامية لم ترَ النور، فقد أعلنت طهران أخيرا أن أنوار المهدي ظهرت في أمريكا وأوروبا وفي بعض دول الشرق الأوسط.
وفي برنامج زيارة خاصة على قناة "الجزيرة" بتاريخ 17/1/2000 يجيب رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية أبو الحسن بني صدر عن سؤال: هل الإمام الخميني كان يحدثك عن العلاقة مع دول الجوار العربي، ومع دول الخليج؟ هل كانت لديه أطماع في التقدم عسكريا باتجاه الدول من أجل تصدير الثورة مثلاً؟ فكان جوابه: لم يحدثني بهذا الشأن، فقد كان لدى الخميني مشروع آخر، كان يريد إقامة حزام شيعي للسيطرة على ضفتي العالم الإسلامي. كان هذا الحزام يتألف من إيران والعراق وسورية ولبنان. وعندما يصبح سيداً لهذا الحزام يستخدم النفط وموقع الخليج العربي للسيطرة على بقية العالم الإسلامي، كان الخميني مقتنعا بأن الأمريكيين سيسمحون له بتنفيذ ذلك. قلت له: إن الأمريكيين يخدعونك، ورغم نصائحي ونصائح ياسر عرفات الذي جاء ليحذره من نوايا الأمريكيين فإنه لم يكن يريد الاقتناع.
وفي عام 1980، وتحديدا في 4/9/1980 بدأت إيران التحرش بالعراق وشن حرب نظامية عليه، ما اضطره إلى الدفاع عن البوابة الشرقية للأمة العربية ضد الهجمة الفارسية، لكن إيران أصرت بالقول: إن الحرب بدأت يوم 22/9/1980، وبعد التعرف على أسباب تمسك إيران بهذا التاريخ يتضح لنا أن هذا اليوم يتزامن مع يوم انهزام الإمبراطورية الفارسية بقيادة رستم أمام جيوش الفتح العربي الإسلامي، وبهذا يتضح لدينا عمق الأيديولوجيا الفارسية الحاكمة للقرار السياسي الإيراني الذي يزعم زعامته للعالم الإسلامي.
وعليه؛ فإن ثمة أمورا أخرى في طور الانكشاف الإيراني تزعزع الثقة والخلافات الأخيرة بين الرئيس الإيراني أحمدي نجاد والمرشد الأعلى علي خامنئي ورضوخه أخيرا لسلطة ولاية الفقيه بعد ثمانية أيام من الحرد والعتب السياسي، وإقدامه أيضا على إقالة وزير النفط والرعاية الاجتماعية والصناعة والتعدين، والإبقاء على رحيم مشائي، وتطور خلافات مشائي ورجال الدين، ومن بعدها الحرس الثوري (الباسدران) واتهامه بأنه على علاقة بحركة مجاهدي خلق، والخلاف بين نجاد ورئيس مصلحة تشخيص النظام (سابقا) هاشمي رافسنجاني، والاتهامات التي طالت أبناء رافسنجاني وأحفاده، واتهامه بالفساد وبالسيطرة على شركة البترول الوطنية، ومحاولة نجاد الحلول مكان وزير النفط رغم التعارض الدستوري يكشف حالة الفساد الكبيرة في السلطة السياسية، وكما ترشح المعلومات من طهران فإن ما يجري هو خلافات وصراع مصالح وتقاسم للثروة والنفوذ والسلطة، وفي هذا الإطار يكشف دبلوماسي غربي في طهران أن هناك انتقادات خطيرة وجهها رحيم مشائي لرجال الدين، أكد فيها أنهم يرغبون في الاستيلاء على كامل مقدرات وثروات إيران، غير مكتفين بالخمس الذي يأتيهم من كل أصقاع الأرض.
فالفساد في وسط رجال الدين فتح أسئلة كثيرة حول الرؤية الاستراتيجية لولاية الفقيه وعمليات التوسع في عمليات التشيع الخارجي، وحول إيرادات الخمس الذي تحصل عليه إيران من غالبية الشيعة في مختلف دول العالم، حيث يعد الخمس أمرا مهما وركنا أساسيا بين ولاية الفقيه والمراجع الشيعية والوكلاء في العالم، حيث يشير الخبراء والباحثون إلى أن الخمس يشكل الركن الرئيس في إدامة منظومة المرجعيات وفي ولائها الدائم لإيران؛ لأنه لولا الخمس ومقتضيات السلطة والهالة الدينية لما كان هناك نفوذ لإيران، (ففي ظل الخمس تحولت المرجعيات الدينية إلى ما يشبه شركات الجباية المنظمة، حيث يفتتح المرجع له في عدد كبير من الدول مكاتب، ويتخذ وكلاء يقومون بتقديم الفتاوى للمقلدين بصفة ثانوية، وبجمع أموال الخمس منهم بصفة رئيسة، ويحدث بين هذه المكاتب والوكلاء تنافس محموم على جذب الأتباع الذين يقدمون خمس أموالهم إلى المرجع الديني وهم يتمنون الرضا، وقد أصبحت منزلة المجتهد محل منافسة شديدة، وتتكالب عليها أعداد كبيرة من علماء الشيعة)، ويشار إلى أن أحد التجار كان يقدم خُمسين كل عام، وليس خمسا واحدا، ودرجت عليه كلمة أبو خمسين،
ولهذا عملت المرجعية الشيعية في قم كل جهدها لإلغاء الدور الرئيس للمرجعية الشيعية في النجف وجعلها تابعة لها، وذلك لتحقيق هدفين مهمين الأول داخلي، يتمثل في جلب خمس الشيعة في العالم إلى إيران، وتقدره المصادر الباحثة في الاقتصاد الإيراني بأنه يتجاوز سنويا 12 مليار دولار، فضلا عن أن إيران تعمل على استثمار أراضي هذه الدول والمجتمعات حال السيطرة عليها، وتستخدم أسواقها وتحتكرها، فمثلا تحصل إيران على 20 في المائة من عائدات النفط العراقي (الخمس) تحت ذرائع مختلفة، وتقوم باستثمار نفط الجنوب وتصديره لحساباتها لضمان ولاءات الشيعة والحكومة العراقية، وتحتكر قطاعات اقتصادية في العراق، وكذلك التنقيب عن النفط في دول إفريقية، ومثلما تسيطر وبالتعاون مع حزب الله على تجارة الألماس في إفريقيا وتجارة الحشيش مع أفغانستان، وقد كشفت تقارير دولية نشرتها cnn عن ارتفاع حجم الفساد في إيران خاصة في وسط الملالي، حيث كشفت أرصدة 66 شخصية من كبار المسؤولين ورجال الدين، وقالت: إن هؤلاء المسؤولين يمتلكون في المصارف العربية والعالمية أرصدة يبلغ مجموع إيداعاتها نحو 16 مليار دولار.
والهدف الخارجي هو سيطرتها على رجال الشيعة في العالم ودعمها لبعض التيارات الدينية والسياسية في هذه الدول لإنشاء شركات خاصة واستثمارية وبنوك ومؤسسات إعلامية يستثمر فيها الخمس لصالح إيران، فيما يفتتح الحرس الثوري الإيراني مكاتب استخباراتية له في هذه الشركات واتخاذها واجهة لأعماله، وهذا يطرح أسئلة كبيرة حول الخمس وسبل استخداماته، ولماذا يغادر الخمس وطنه ذاهبا إلى إيران، وهنا يتساءل الكاتب ميثم الجشي: من غير المنطقي أن أقوم بدفع خمس أموالي ولسنيين طوال، ولا أرى أي أثر لهذه الأموال، وينقل رائد قاسم في كتابه "أموال الخمس حق الشعب حق الوطن" أن أحد المدونين البحرينيين يقول على شبكة الإنترنت: "أصبحت ولاية الفقيه أنشودة وأغنية يتغنى بها كل شخص يريد أن يملي جيوبه من القروش والدراهم والدنانير، وأصبح من لا يؤمن بها ينادى بها، والنتيجة أنه يبني له قصرا في المحرق أو عمارة، وأموال الخمس يصرفها المرجع على أبنائه وعياله، والباقي يذهب بها إلى إيران، ويسأل آخر قائلا: قبل أن نحاسب الحكومات علينا أن نحاسب رجال الدين، أين يصرف الخمس؟ وآلية توزيعه ودخول المحسوبية والواسطة إليه؟ ولماذا 99 في المائة من المعممين يعيشون حياتهم على حساب المستضعفين، ولماذا يتزوجون من 2 إلى 4 نساء، ولهم منزلان وسيارات وخدم وحشم ورقيق تصرف لهم رواتب وسفرات على مدار العام وطباعة كتب وشراء صور كبيرة لهم لزوم الدعاية.
ويبدو للمحلل السياسي أن ثمة صراعين على المرجعيات (خارج إيران)، صراع داخلي أيهما يحظى برضا إيران، وصراع خارجي ترى فيه إيران أنها مركز الولاية، فالصراع على المرجعيات كان هدفا إيرانيا يلتقي مع المخطط الفكري الاستراتيجي لولاية الفقيه التي تعني الولاية السياسية والاقتصادية والدينية على مراجع الشيعة في العالم.
والخمس يذهب إلى الحرس الثوري الإيراني الذي يعيد إنتاجه على شكل شركات بأسماء شخصيات ومنظمات تابعة له في دول العالم، شركات مالية ومصرفية وإعلامية وتجارية، ويشترط أن يعمل فيها عدد من أعضاء الحرس الثوري (الاستخبارات الخارجية)، ويشرف هؤلاء على الاستثمار الجديد لواجهات شيعية مرتبطة بالاستخبارات الإيرانية كما هو معمول به في العراق والكويت وبعض الدول الإفريقية ولبنان وسورية، وتحتكر هذه الشركات قطاعات معينة في التجارة مع إيران، وتقوم بعمليات التهريب ونقل التقنية إلى إيران، والتهرب من القرارات الدولية الخاصة بالعقوبات، وتسيطر هذه الشركات على العديد من المطارات الإفريقية وتتحكم فيها، وتتدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول خاصة جوانبها الأمنية والثقافية والدينية، وتعمل على استقطاب النخب فيها للعمل لصالح إيران، لا بل في تغيير ولاءاتها الدينية.
ويذكر الكاتب والمؤرخ أحمد فهمي أن محمد صادق الصدر والد مقتدى الصدر الزعيم الشيعي البارز حاليا، عُدَّ مرجعا دينيا في العراق في عهد صدام حسين، وكان معارضا وناقما على السيطرة الإيرانية على منصب المرجع في العراق، واتهم مراجع النجف بالفساد في إدارة أموال الخمس، وكشف أن العراقيين لا يستفيدون من هذه الأموال الطائلة التي تُجبى منهم كل عام، بل إن أهالي النجف أنفسهم، حيث يعيش المرجعيات يعانون الفقر وشظف العيش في ظل مرجعيات تتحكم في عشرات الملايين من الدولارات، وقد كانت هذه المعارضة من صادق الصدر والتهديد بسلب مراجع النجف الإيرانيين مصدر قوتهم وعزتهم سببا رئيسا في اغتياله عام 1999.
ويبدو أن تحجيم قم للنجف والصراع الدائر حاليا على خلافة علي السيستاني ودعم قم بعض المحسوبين عليها يؤكد أن الاستراتيجية الإيرانية لا تقبل بالخصوصة بل بالتبعية المطلقة، ولهذا يتوزع شيعة الخليج بين مختلف المراجع الدينية، فهناك من يتبع السيستاني ــــ إيراني ـــ في العراق، وآخرون يتبعون المرشد علي خامنئي أو الشيرازي والتبريزي، وهم إيرانيون مقيمون في إيران، وقلة تتبع محمد حسين فضل الله في لبنان وبحسب أحمد فهمي فهذا يعني أن الخمس الخليجي ـــ المتضخم ـــ يُصَب جزء كبير منه في جيب الإيرانيين، ويرى رائد قاسم وهو أحد الموقعين على البيان المطالب بضرورة صرف الخمس لدافعيه، إن "أموال الخمس استخدمت منذ القديم في الصراعات الداخلية بين الفرق الشيعية، وفي دعم المؤسسات الدينية الشيعية والصراع الطائفي مع خصومهم الدينيين والمذهبيين، ونشر الإسلام وفقا للمذهب الشيعي.