مختصون يؤكدون مسؤولية الجهات التنظيمية عن ضبط التوسع في التمويل الإستهلاكي

مختصون يؤكدون مسؤولية الجهات التنظيمية  عن ضبط التوسع في التمويل الإستهلاكي
مختصون يؤكدون مسؤولية الجهات التنظيمية  عن ضبط التوسع في التمويل الإستهلاكي
مختصون يؤكدون مسؤولية الجهات التنظيمية  عن ضبط التوسع في التمويل الإستهلاكي

ضاعف حجم القروض المتعثرة من عمليات التمويل البديلة التي يقدر حجمها بـ 120 مليار ريال، ما أنعش تجارة التجزئة، غير أنه ـــ بحسب نبيل المبارك المدير العام للشركة السعودية للمعلومات الائتمانية ''سمة'' ـــ فإن نسب الفائدة في القروض البديلة مرتفعة وتصل إلى 60 في المائة، وهو أمر مجحف جدا بحق الأفراد، خاصة أن كثيرا منهم لديه قروض أخرى من المصارف، إضافة إلى أن مؤسسة النقد السعودي تمنع ممارسة أي نشاط تمويلي خارج القطاع المصرفي والمؤسسات المصرح لها، إلا أنه لا توجد لوائح عقوبات ضد من يمارس هذا النشاط دون تصريح.
في هذا الصدد أكد متخصصون في المصرفية الإسلامية أن الجهات الرقابية تقوم بدور إيجابي في مجال ضبط الديون ومراقبتها، إلا أنه لم يتم تخفيض حجم التمويل للأفراد إلا لمصلحة قدرتها مؤسسة النقد للأفراد والمجتمع في وقت واحد، مؤكدين أهمية عدم التساهل بالمخاطر الناجمة عن وجود أسواق بديلة لتقديم الخدمات البنكية والتمويلية بعيدا عن عيون الجهات التنظيمية، وعلى مسؤولية الأخيرة في المساهمة بكبح جماح التوسع في التمويل الاستهلاكي للمواطنين، وذلك للحفاظ على الائتمان العام للدولة والإسهام في توفير العيش الكريم.
وأضاف الخبراء أن المصرفية الإسلامية حاضرة بقوة في مجال التمويل، واستفادت من قيام هذه السوق وتسعى إلى توجيه الناس إلى التمويل غير الاستهلاكي الذي يلامس حاجات المواطنين الأساسية، حيث قدمت أنواعا من الحلول التمويلية المتوافقة مع الشريعة في هذا الصدد، ومن خلال التنوع في طرق التمويل الذي يتميز به التمويل الإسلامي يمكن طرح حلول متنوعة للأفراد تحقق لهم عائدا وتتضمن قيمة مضافة من جهة تنميته والاستفادة منه، مؤكدين أن التمويل الإسلامي يمتاز بارتباطه بالاقتصاد الحقيقي وليس المالي فقط.

#2#

#3#

فحول غياب الجهات الرقابية والتنظيمية لهذه السوق، يؤكد الدكتور صلاح الشلهوب مدير مركز التميز للدراسات والتمويل الإسلامي في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن لـ ''الاقتصادية'' أنه قد يكون من أسباب ذلك أن الجهاز الرقابي فيما يتعلق بالتمويل هنا هو البنك المركزي أو مؤسسة النقد، في حين لا تباشر جهات أخرى متابعة ومراقبة السوق غير النظامية للتمويل، حيث هناك كثير من الإعلانات في الإعلام وأجهزة الصرف الآلي والإنترنت دون أن تكون هناك ملاحقة ومتابعة للجهات التي تقرض الأفراد دون ترخيص بذلك، مضيفا أن بعض محال الذهب أصبحت تباشر مثل هذا النوع من النشاط وتقرض الأفراد، وقد تكون هذه المؤسسات غير مرخص لها لممارسة مثل هذا النوع من النشاط، إلا إذا افترضنا أن هذا النشاط في الأساس مسموح به لكل شخص، وفي هذه الحالة فإن الجهات الرقابية ليس لها صلاحية الإيقاف والمنع لمثل هذه الأنشطة، أما إن كانت ممنوعة فينبغي وجود جهة مسؤولة لمتابعة مثل هذه الأنشطة غير المصرح لها، ويأتي ذلك في ظل أن بعض الأفراد ـــ بسبب الحاجة ـــ قد يتعرض إلى نوع من القبول بشروط قاسية قد تضر به.
وبالنسبة للمؤسسات المالية الإسلامية يقول الشلهوب إنها كغيرها من المؤسسات لديها ضوابط في عملية التمويل، حيث لا تختلف عن المؤسسات الأخرى، إلا أنها من الممكن ومن خلال التنوع في طرق التمويل التي يتميز بها التمويل الإسلامي أن تطرح حلولا متنوعة للأفراد، وأن توجه الأفراد إلى التمويل الذي يحقق لهم عائدا ويتضمن قيمة مضافة من جهة تنميته والاستفادة منه، وهذا في غالب الأحيان يكون في احتياجات الأفراد الضرورية وفي المشاريع الفردية الاستثمارية.
ويؤكد الشلهوب أن التنوع في طرق التمويل يؤدي إلى انتعاش سوق التمويل، وتحقيق احتياجات الأفراد، وعدم اللجوء إلى الخيارات غير النظامية التي قد تفرض شروطا تضر بالأفراد، وذلك نتيجة لعدم وجود جهات تشرف على هذا النشاط، ولكن في الوقت نفسه لا بد أن ننظر إلى مسألة أهمية أن يوجه مثل هذا النشاط إلى برامج تمويلية تقدم إضافة وعائدا تنمويا أو تلبي احتياج الأفراد. من جانبه أكد ياسر المرشدي الأمين العام للهيئة الشرعية في مصرف الإنماء لـ ''الاقتصادية'' أن مسؤوليات الجهات التنظيمية أساسية للمساهمة في كبح جماح التوسع في التمويل الاستهلاكي للموطنين بما يحفظ الائتمان العام للدولة، ويسهم في توفير العيش الكريم للناس، وعدم الوقوع تحت رحمة الدائنين أيا كانت صفتهم، سواء أكان الدائن بنكا أو شركة تمويل مرخصة أو كان من السوق البديلة الناشئة في الظل، ونتيجة نوع من القصور التنظيمي الذي لا يتواكب في سرعة تفاعله مع سرعة انتشار هذه المعاملات والحاجة إلى ضبطها.
ويؤكد المرشدي أنه لا ينبغي الاستهانة بالمخاطر التي تنشأ من خلال وجود أسواق بديلة لتقديم الخدمات البنكية والتمويلية بعيدا عن عيون الجهات التنظيمية، مشيرا إلى أن التعثر وعدم سداد المديونيات قد يكون أخفها وأكثرها وضوحا، ويضيف أن الذي لا ينبغي إغفاله ويجب التنبه له هو مخاطر الاستخدام غير المشروع للمال وغسله والتكسب بطرق غير مشروعة والتأثير في الائتمان العام وفي سوق النقد والتحويلات، كما أن المخاطر الاجتماعية التي تنشأ من تراكم المديونيات ناقوس خطر يُعرِّض الفرد للعيش في المجتمع رهنا لأقساط تمويلية استهلاكية تذهب حلاوة ما أُخذ التمويل لأجله.
وأشار ياسر المرشدي إلى أن مؤسسة النقد العربي السعودي أصدرت تعليمات وتنظيمات وتوجيهات في هذا الصدد للقطاع البنكي في السعودية، وهي مطالبة بمزيد من ذلك وأن تتوسع دائرة اهتمامها بصورة أكبر لتشمل كل مقدمي الخدمات التمويلية من قطاع الأفراد أو الشركات، بحيث لا يكون هناك ممولون غير مرخصين ولا يقعون تحت طائلة أنظمتها وتعليماتها.
ويضيف المرشدي أن مؤسسات المصرفية الإسلامية استفادت من قيام سوق التمويل واتجاه الناس إليها، وهي غالبا تحرص وتسعى إلى توجيه الناس إلى التمويل غير الاستهلاكي كتمويل المساكن أو تمويل التعليم وترغب في التوسع فيه، لأنه يلامس الحاجات الأساسية للمواطنين والمواطنات، ولذا قدمت أنواعا من الحلول التمويلية المتوافقة مع الشريعة تشمل المرابحة والإجارة مع التمليك اللاحق، وكذا إجارة الموصوف في الذمة والاستصناع والمشاركة وغيرها. إلا أن هذه المؤسسات ـــ بحسب المرشدي ـــ تقدم تمويلات استهلاكية حسب الضوابط المقررة من مؤسسة النقد ولا يمكن أن تمتنع من ذلك، إذ يرجع استخدام تلك التمويلات أو تركها إلى قرار العملاء أنفسهم؛ لكن الذي يجب عدم العمل به هو قلب المديونيات على العملاء وتعظيم الديون في ذممهم بالحيل المذمومة، كما يحدث في بعض بطاقات الائتمان التي تبلغ نسبة الربح في بعضها 28 في المائة أو تزيد.
وأكد المرشدي أهمية وضع مزيد من الضوابط من قبل مؤسسة النقد، لترشيد تلك التمويلات ومنع مؤسسات التمويل من استغلال إقبال المواطنين والمواطنات وجهل بعضهم بآليات حساب الأرباح في التمويلات.
ويرى المرشدي أن انتعاش أسواق الجملة للسلع يكون عند التطبيق الصحيح للتجزئة المصرفية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، حيث تمتاز التمويلات المتوافقة مع الشريعة بارتباطها بالاقتصاد الحقيقي وليس المالي فحسب، لكن ذلك لا يلزم دائما لعدة اعتبارات؛ لعل من أهمها محدودية السلع التي تستخدم في عمليات التمويل ومحدودية كمياتها في السوق، وكذا قلة السلع ذات التذبذب المعقول في الأسعار التي يمكن استخدامها في التمويلات، وهنا يجب التحذير والتذكير بأن من أهم الاعتبارات أيضا التطبيقات المغلوطة للتمويلات المتوافقة مع الشريعة التي تعاد فيها السلعة عينها لبائعها الأول ليبدأ جولة ثانية من التمويل دون أن تذهب بعيدا عنه.
من جانبه أكد ياسر آل عبد السلام المتخصص في المصرفية الإسلامية لـ ''الاقتصادية''، أن الجهات الرقابية تقوم بدور مشكور في مجال ضبط الديون ومراقبتها وعدم السماح بارتفاعها عن حد معين، حيث كان العميل سابقاً يأخذ من البنوك تمويلا شخصيا يعادل تقريباً 30 راتباً، والآن يأخذ تقريباً 15 راتباً، وبالرغم من أن مثل هذا الإجراء أثر في مستويات الربحية للبنوك إلا أنه لم يتم تخفيض حجم التمويل للأفراد إلا لمصلحة قدرتها مؤسسة النقد للأفراد والمجتمع في وقت واحد، حيث إن التوسع المحموم في الديون يرهق الفرد بكثرة المديونيات ويؤثر في مستواه ومستوى أسرته المعيشي، ويؤثر في المجتمع كذلك بزيادة السيولة التي تؤدي إلى التضخم وارتفاع الأسعار، وهي ارتفاعات غير حقيقية وغير مبررة، حيث لا يوجد إنتاج حقيقي أدى إلى زيادة الدخل في البلد وإنما ديون تثقل الكاهل بارتفاع الأرباح، وفي الوقت نفسه ارتفاعات في الأسعار تأكل هذا الدين مما يجعل الفرد لا يستفيد منه، ولهذا تم تقنين الديون رفعاً للضرر.
إلا أن المشكلة ـــ بحسب آل عبد السلام ـــ تكمن في خروج سوق تمويلية سوداء بدأ بعض الأفراد يتجهون إليها، حيث يبيعون منتجات بالأجل ''صابون تايد، بطاقة سوا ..'' ثم يشترونها في الحال نقداً بأقل من سعر المبيع، فمثلاً يبيعون الصابون بـ 15 ألف ريال مؤجلا ويشترونها في الحال بعشرة آلاف ريال أي بفائدة قدرها 50 في المائة في السنة، وإضافة إلى الحرمة الشرعية لهذا العمل المسمى بـ ''بيع العينة المحرم''، نجد أن الأرباح مبالغ فيها وتحتاج إلى ضبط ومراقبة في وقت تنخفض الآن فيه أسعار الفائدة بين 2 و3 في المائة في البنوك، وهذا الارتفاع في الأسعار يؤدي إلى تعثر العميل في السداد وحصول مشكلة الديون، كما أن هناك أضرارا على الفرد والمجتمع من خلال هذا التعامل توجب على الجهات المسؤولة المراقبة والضبط، فقد يستغل هذه السوق التمويلية أصحاب غسل الأموال وغيرهم، مما يضر بالمجتمع وأمنه.
ويرى آل عبد السلام أن المؤسسات المالية الإسلامية حاضرة بقوة في مجال التمويل الإسلامي محلياً وعالمياً، فأصبحت تمويل الأسهم، وتمويل السلع، وبطاقات الائتمان الإسلامية، والجاري مدين الإسلامي، وتمويل العقارات، وغيرها من منتجات تمويلية تقدم حلولاً تمويلية للأفراد، بل حتى للشركات، وأصبحت سوق التمويل تخرج لنا في ظل المنافسة منتجات تمويلية جديدة أســـــــهمت في تحريك الاقتصاد وتمويل المشروعات المنتجة، والمشروعات الصغيرة التي تسهم في القضاء على البطالة وتقليل معدلات الفقر وزيادة الرفاهية الاجتماعية بطريقة عادلة لا تضر الفرد ولا المؤسسات المالية الإسلامية.

الأكثر قراءة