ولدت حتى تكون
حينما ولدنا لم يولد الخوف معنا، فليس هناك من يخرج من رحم أمه وهو يخاف الفشل أو رفض الآخرين أو المرتفعات والأماكن المغلقة .. إذن ... كيف صنعنا تلك المخاوف بداخلنا؟؟
معظم المخاوف تنشأ في الصغر، وتتشكل من التجارب التي تحدث لنا أو القناعات التي اكتسبناها ممن حولنا، ففي فترة الرضاعة وحتى عمر الثالثة لم نكن نعاني من تلك المخاوف ولكن مع تقدم العمر وازدياد الوعي نبدأ في محاكاة من حولنا واكتساب معظم اعتقاداتهم، وتتحدد ردود أفعالنا من خلال الأسرة والمدرسة والمحيطين، وقد نصبح أحياناً خائفين من ممارسة ذواتنا، حيث يشجعك من حولك على الاعتماد أكثر على المعلومات التي تأتيك من الغير، فلا رأي لك في معظم ما تفعله، ولذلك فغالبا ما نصل إلى مرحلة الرشد ونحن نعتقد في قرارة نفوسنا أن لدينا نقصا بشكل أو بآخر، وعندما تنظر إلى نفسك بأنك لست جيدا بما يكفي فحينها يبدأ خوفك في النمو. لقد مارسنا الخوف كثيرا حتى تحول إلى عادة، ومجرد البدء في النظر إلى الخوف بهذه الطريقة سيزيل كثيرا من مشاعر الخوف المتأصلة منذ زمن، فنحن غالبا ما نعتقد أن الأسلوب الذي نتبعه هو الأسلوب الوحيد المفروض علينا اتباعه، لكن الحقيقة هي أن شخصياتنا الحالية تشكلت استجابة للطريقة التي اخترناها في التعامل مع تجارب الحياة، وبإمكاننا تشكيلها من جديد بتطوير استجابات جديدة، ولكن .. ما الحاجز الذي يعيق تجاوز مخاوفنا؟
إنه نوع من المخاوف الخطيرة يسمى "الخوف من التغيير"، فمعظم الناس ـــ لحد كبير ـــ مخلوقات تميل للإقامة داخل منطقة الراحة، ويبذل المخ جهودا كبيرة من أجل محاولة حمايتنا من التفكير بطريقة مختلفة، حتى ولو كانت الأفضل لنا، حيث يستلزم ذلك بالنسبة له بذل جهد أقوى لتنشيط خلايا عصبية جديدة وشق مسارات تفكير مختلفة.
لقد كان أفضل اكتشاف اكتشفه الإنسان هو أنه يمكنه تغيير حياته تماما من خلال تغيير حالته الذهنية، ومن السهل على العقل أن يمارس التفكير في الخوف الذي اعتاده لفترة طويلة، لكننا لا بد أن نشغله بأمر آخر غير الخوف إذا وجدناه يفعل ذلك، كأن نقوم بزراعة حديقتنا الذهنية بخيالات إيجابية وأهداف إبداعية.
إن أبشع السموم التي قد نحتسيها بإرادتنا هو شكوكنا في قوة قدراتنا، فمن الحقائق المعروفة عن الدماغ أنه مبرمج يصدق ما نخبره به، فإذا أخبرناه بأننا نستطيع فسيصدق ذلك وإذا أخبرناه بأننا لن نستطيع فسيصدق ذلك أيضا، فأي برمجة نود تدريبه عليها؟
لا شك أنه لم يكن لدينا الحرية في اختيار البيئة التي نشأنا فيها، ولا بد أننا نملك الآن مزيدا من الخيارات لنكون الشخص الذي نريده، وأول خطوة نحو ذلك هي الاقتناع العميق بأن القلق والضغوط والخوف ليست نتيجة قوى خارجية لا يمكن التحكم فيها، فردود أفعالنا لا يصدرها غيرنا بل تصدر منا، وكل ما يتعرض له الشخص من مخاوف مصدرها ذاته، فما يدور حولنا أمور بسيطة جدا مقارنة بما يقبع بداخلنا.
وعندما يتساءل كثير منا بداخل نفسه خائفا: من أنا لأكون ذكيا أو جميلا أو موهوبا؟ فلا بد أن يجيب عن ذلك التساؤل بشجاعة قائلا: ومن أنت حتى تكون أقل من ذلك؟ فأنت خليفة الله في الأرض وما ولدت إلا لتظهر من خلالك عظمة الخالق، وانتقاصك من قيمة نفسك لن يخدم العالم بشيء.