الرياض عاصمة غير متوجة للتمويل الإسلامي
أكد نواف أبو حجلة الخبير في المصرفية الإسلامية أن حجم التمويل الإسلامي في السعودية والإمارات وإيران وماليزيا يشكل نحو 80 في المائة من حجم التمويل الإسلامي في العالم، وقال أبو حجلة لـ "الاقتصادية" إن حجم التمويل الإسلامي في المملكة يقدر بحدود 350 - 400 مليار دولار في سوق مصرفية تجاوزت 1.2 تريليون دولار، أي أن حصة المملكة تراوح بين 30 و40 في المائة، وهي نسبة مرتفعة، ولهذا فإنه يرى أن الرياض عاصمة غير متوجة للتمويل الإسلامي.
كل العوامل والشروط في أن تكون الرياض عاصمة للتمويل الإسلامي متوافرة .. ما سر هذا الغياب؟
أعتبر الرياض عاصمة التمويل الإسلامي غير المتوجة، فللعلم حجم التمويل الإسلامي في السعودية والإمارات وإيران وماليزيا يشكل نحو 80 في المائة من حجم التمويل الإسلامي في العالم، ويقدر حجم التمويل الإسلامي في المملكة بحدود 350 - 400 مليار دولار في سوق مصرفية تجاوزت 1.2 تريليون دولار، أي أن حصة المملكة تراوح بين 30 و40 في المائة، وهي نسبة مرتفعة، كما أن السعودية تتمتع بموقع مهم في منطقة متوسطة في العالم يسهل عملية التواصل بين مختلف أرجاء العالم، كما أنها مهد الرسالة السمحة وتحتضن الحرمين الشريفين، وذلك لا يحتاج إلى إعلان أو إشهار.
هناك حديث عن نقص في السيولة أو فائض في السيولة تعانيه المصارف الإسلامية .. وهل يشكل مشكلة كبيرة وما السبب؟
يواجه كثير من المصارف الإسلامية فائضا من السيولة، ويرجع ذلك إلى تضخم حجم الودائع الجارية لديها في ضوء الإقبال المتزايد على التعامل مع المصارف الإسلامية لاعتبارات عديدة، وعلى الرغم من أن وجود فائض سيولة في حد ذاته شيء جيد، إلا أنه يكون ذا تأثير عكسي في حال عدم وجود فرص تمويلية أو استثمارية تحقق عوائد مجزية للمصرف تمكنه من تغطية تكاليف ومصروفات الودائع من ناحية، وتحقيق عوائد إضافية للمصرف تمكنه من توزيع أرباح مجزية للمساهمين وتنفيذ مشاريع وبرامج المصرف في النمو والتوسع، مع تغطية مصروفاته الإدارية والعمومية.
أما بالنسبة للمصارف التي تعاني نقص سيولة وهي قليلة، قد يعود أسباب ذلك فيها إلى ضعف توظيف الأموال من ناحية وعدم توزيع مخاطر التوظيف على أنشطة وآجال تتواءم مع مصادر تلك الأموال، إلا أن الصكوك في انتشارها الواسع حاليا تعتبر أحد مصادر السيولة الشرعية لتمويل أنشطة مثل هذه المصارف.
#2#
عند الحديث عن تطوير المنتجات هناك اتهامات للهيئات تفرض قيودا تحول دون ولادة منتجات جديدة، بينما تتهم الهيئات إدارات البنوك بأنها تبحث عن الترخص والتيسير على حساب الجانب الشرعي، وهو ما يقرب بينها وبين التقليدية؟
مما لا شك فيه أن قصر خبرة المصرفية الإسلامية التي لم تتجاوز نصف قرن بعد، واعتمادها على كفاءات إدارية تشبعت الخبرة والعمل المصرفي التقليدي من ناحية، وقلة عدد العلماء والمشايخ ذوي الخبرة المصرفية، وعدم قيام المؤسسات التعليمية بأخذ دورها كاملا في هذا المجال لتخريج كفاءات مصرفية إسلامية مؤهلة علميا وعمليا، سيجعلنا نواجه مثل هذه الإشكاليات، وأعتقد أننا في المستقبل القريب وفي ضوء التوجه العالمي للمصرفية الإسلامية سنجد الكفاءات المصرفية المؤهلة شرعيا لقيادة الدفة في سفينة المصرفية الإسلامية.
هناك اتهامات للبنوك والمصارف الإسلامية بأن فشلها ناجم عن أن إداراتها جاءت من مصارف تقليدية، وأنها لا تختلف عن التقليدية في أسعار الفائدة، بل الإسلامية أعلى .. هل هذا صحيح؟
لا شك أن طبيعة وهيكلة تفكير بعض هذه القيادات ما زال تقليديا، ومن ذلك استعمال سعر الفائدة كأحد عناصر اتخاذ القرار، وقد يكون لهم عذر في ذلك في ضوء عدم وجود سعر مرجعي للمصارف الإسلامية متفق عليه بين المصارف الإسلامية، إلا أن ذلك لا يعني إطلاقا عدم الأخذ بمبادئ المصرفية الإسلامية القائمة على تحريم الربا والغرر والغش والخداع وقيامها على التعامل بالأصول أو البضائع الشرعية.
بالحديث عن الحوكمة والمعيرة يؤكد أعضاء الهيئات الشرعية ترحيبهم بها مع بقاء الهيئات، وفريق منهم يرى أن عدم الالتزام بالمعيرة سببه إدارات المصرفية الإسلامية التي تحاول الاستفادة القصوى من هوامش الاختلاف .. ما تعليقكم؟
قامت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية والإسلامية منذ فترة طويلة بإصدار المعايير الشرعية، وشارك فيها العديد من أعضاء الهيئات الشرعية في معظم الدول الإسلامية ومن مختلف المذاهب والدول، إلا أن هذه المعايير ليست لها صفة الإلزام في التطبيق حتى على المصارف التى شارك بعض أعضاء هيئاتها الشرعية في إصدارها.
من ناحية أخرى، فإن توجه إدارات هذه المصارف يتجه نحو إصدار معايير خاصة لكل مصرف بسبب اختلاف خبرات ومشارب وتوجهات هذه الإدارات من ناحية، كما أن وجود بعض الإدارات التي تشارك فيها إدارات أجنبية قد تكون غير مسلمة يؤثر في مثل هذه التوجهات.
ومما لا شك فيه أن اختلاف هذه المعايير يعتبر من ناحية العملاء، خاصة إذا كان في بلد واحد يطرح سؤالا كبيرا، يفقد إلى حد ما من المصداقية، إلا أنني أعتبر ذلك من ناحية أخرى رحمة للناس لسبب اختلاف حاجاتهم وظروفهم، ما يطرح أمامهم بدائل وخيارات متنوعة. .
أكدتَ في وقت سابق أن المصرفية الإسلامية تواجه تحديات قانونية وبخاصة في عقود التمويل ''المرابحة، الإجارة''، والبنوك الإسلامية لا تدعم نشوء إدارات وهياكل قانونية متخصصة.
استحوذت صيغة التورق على أكثر من 70 في المائة من صيغ التمويل المستخدمة في المصرفية الإسلامية لبنوك المملكة، تبعتها صيغة المرابحة بنسبة قاربت 20 في المائة وباقي صيغ التمويل استحوذت على نسبه الـ 10 في المائة الباقية، ولهذا الموضوع نتائج ومضامين عديدة نذكر منها:
تركز صيغ التمويل في المصرفية الإسلامية بأكثر من 90 في المائة في صيغ البيوع وهي صيغ مديونية تتحول فيها المخاطرة من المصرف إلى العميل، ابتعاد المصارف عن الصيغ الأخرى الأساسية للعمل المصرفي الإسلامي، التي تقوم على المشاركات بين المصرف والعملاء مما فيه من توزيع للمخاطر من ناحية ويعطي للمصارف الإسلامية الفرصة للمشاركة في تمويل المشاريع ذات البعد التنموي الاقتصادي والاجتماعي ويسهم في تنمية المجتعات المحلية والإسلامية.
ويمكن أن يكون من الأسباب الرئيسة لابتعاد المصارف الإسلامية عن الصيغ الأخرى والتركيز على صيغ معينة عدم توافر الكادر المؤهل للتعامل مع الصيغ الأخرى مثل الإجارة والمشاركة والمضاربة وغيرها، عدم وجود سياسات أو تعليمات لدى المصارف الإسلامية للتعامل مع هذه الصيغ وقد يكون عدم وجود سند قانوني يدعم مثل هذه الصيغ، وبالتالي تقوم المصارف الإسلامية بناء عليها، ويمكن أيضا أن يكون عدم توافر سياسات من الجهات الرقابية على المصارف الإسلامية تدعم مثل هذه التوجهات.
هناك شكوك في المقاصد الشرعية لبعض المؤسسات والمصارف الإسلامية، وبخاصة التي لا تقيم علاقة استراتيجية مع مؤسسات البحث وتطوير المنتجات وتبحث عن التصنيف؟
تعتبر المصارف الإسلامية مؤسسات مالية تقوم على الوساطة بين المدخرين والمستثمرين مع الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية والمشاركة في الربح والخسارة مع المساهمة في التنمية الاقتصدية والاجتماعية.
هذه هي الخصائص التي تتميز بها المصارف الإسلامية عن التقليدية، وذلك لا يعني التشبت بالواقع وعدم مسايرة التطورات المصرفية والتقنية تحقيقا لرغبات وحاجات العملاء، لكن كما ذكرت سابقا أن هذه قد تكون توجهات إدارية محدودة لا تعمم، وأثبتت المصارف الإسلامية قدرتها على التأقلم مع مختلف التحديات، ومن ذلك ما شهدنا به جميعا خلال الأزمة المالية وخروجها بأقل الخسائر مقارنة بغيرها من المصارف.
أما التصنيف فهو شيء مرتبط بسمعة البنك واسمه من ناحية ومقياس على متانة الأوضاع المالية للمصرف من ناحية أخرى، بحيث يستطيع المصرف التعامل مع غيره من المصارف المحلية والعالمية بكل أريحية، ولا أرى مانعا في سعي المصارف الإسلامية لذلك ما دامت تقوم بأداء أعمالها حسب أحكام الشريعة.
ما سر عزوف المؤسسات المالية الإسلامية عن تطبيق صيغ المرابحة والاستصناع والمشاركة وبخاصة في قطاع التمويل العقاري والإسكاني؟
القطاع العقاري من القطاعات المهمة في أي اقتصاد نظرا لحجم هذا الاقتصاد من الناحية الاقتصادية وارتباطه بعدد كبير آخر من القطاعات الاقتصادية في المجتمع، ولا شك أن حركة هذا القطاع تظهر بصورة سريعة نظرا لاعتمادها على أصول ملموسة (مبان، أراض) إضافة إلى أن طبيعة هذه الأصول لا تتوقف فقط عند موضوع الشراء والبيع أو البناء، بل شملت التطوير والتوسعة والبنية التحتية والصيانة واستكمال الخدمات الأخرى مثل شبكات الاتصال والطرق والمياه وغيرها.
ولا شك أن للمصارف الإسلامية دورا كبيرا يمكن أن تقوم به في هذا المجال، وسبق أن أشرت إلى ذلك في إحدى مقالاتي في ''الاقتصادية'' بخصوص هذا الموضوع، حيث يمكن أن تلعب المصارف الإسلامية أدوارا عدة في هذا المجال لتناسب هذا القطاع مع طبيعة وآلية عمل المصارف الإسلامية مع الأخذ في الاعتبار مخاطر العميل والنشاط، فتستطيع الدخول في عمليات تمويل الشراء بالمرابحات في حال كانت مخاطر العميل مقبولة أو بالمشاركات في حال كانت مخاطر العميل أعلى، كما يمكن أن تقوم بعمليات تمويل بالاستصناع للبناء على أراض مملوكة للعملاء، وأيضا المشاركة مع المقاولين أو جهات حكومية لتجهيز مشاريع إسكانية ضخمة لذوي الدخل المحدود بدءا من تطوير وتجهيز الأراضي إلى البناء الجاهز.
ومما لا شك فيه أن قوانين التمويل العقاري ستكون أكبر داعم لهذا التوجه، الأمر الذي سينظم عمليات التمويل من ناحية، وآليات التعامل بين المصارف الممولة والعملاء كيفية التعامل مع العملاء المتعثرين في هذا المجال.
هناك شكاوى على المصارف الإسلامية من أن جميع منتجاتها تقليدية ويجري أسلمتها، وهذا يطرح سؤال غياب الإدارات الاستثمارية؟
لا أتفق مع هذا إطلاقا، فمن خبرتي المصرفية التى زادت على 20 عاما، أكثر من نصفها في المصرفية الإسلامية، هناك فوارق واضحة وبينة بين النظامين المصرفيين التقليدي والإسلامي، خاصة في مجالي التعامل بالودائع ومجالات التمويل والاستثمار، وقد يكون هناك تشابه في الخدمات المصرفية التي تتبع الأعراف المصرفية العالمية مع عدم الأخذ بالربا وما يخالف الشرع في هذه الخدمات، وقد تكون نظرة البعض في ذلك مقتصرة على آلية التطبيق، حيث إن تطبيق بعض الصيغ بعيدا عن ضوابطها وأغراضها الشرعية يبعدها عن شرعيتها وأهدافها، وإن حصل على ذلك فهو على نطاق محدود لا يمكن التعميم بناء عليه.
هل تعتقد أن تجربة الاستنساخ ستكون المعول الذي يهدم صرح المصرفية الإسلامية وأن مهمتها إنطاق المنتجات التقليدية بالشهادتين كما يقال؟
التطوير والتجديد لزوم الاستمرارية، ولو لم تكن المصارف الإسلامية اتخذت هذا منهجا لها لما بقيت حتى الآن، والذي يحدد ذلك هو حاجات المتعاملين مع المصرفية الإسلامية من الأفراد والشركات وغيرها، التي هي بطبيعتها متغيرة مع تغير الزمن، ولا عيب أن يتم تعديل بعض المنتجات التقليدية لتتوافق مع الشريعة من ناحية، وتلبي حاجات العملاء من ناحية أخرى، حيث إن هذا أحد مناهج التطوير وليس هنا المقصود أسلمة المنتج ، بل إن المخرج هو منتج جديد، ولعل صناديق الاستثمار هي أحد مخرجات هذا الأسلوب ولاقت استحسانا وقبولا من الجميع رغم أن أصولها تقليدية، لكن تم التعامل معها بأسلوب شرعي منظم بما لبى حاجة العملاء ومتوافق مع الشريعة.
كما أن الصكوك منتج آخر تم طرحه وبصور عدة كانت كافية لتغطية رغبات وحاجات مختلفة للعملاء من ناحية، ووسيلة لإدارة السيولة للمصارف الإسلامية من ناحية أخرى، كما قامت بعض المصارف المحلية بطرح منتجات كبديل شرعي للحساب الجاري مدين التقليدي عن طريق استخدام صيغ التمويل الإسلامية ولاقى المنتج قبولا جيدا.