وسط تحفظ فقهي.. مصارف إسلامية تبحث سرا إصدار مشتقات مالية

وسط تحفظ فقهي.. مصارف إسلامية تبحث سرا إصدار مشتقات مالية
وسط تحفظ فقهي.. مصارف إسلامية تبحث سرا إصدار مشتقات مالية

تؤكد مؤسسات بحثية عالمية، أن صناعة التمويل الإسلامي ستتوقف ما لم تعتمد الابتكار حلا لها وما لم تصبح المشتقات المالية جزءا من أعمالها، غير أنها أكدت أن المشتقات ما زالت موضع تحفظ من قبل العلماء ورجال الدين، كونها تنطوي على الغرر، رغم أن بعض خبراء التمويل الإسلامي يرون أن المشتقات مسموح بها ما دامت تستخدم لمواجهة تقلبات أسعار الصرف والفائدة وليس للمضاربة.

ويرى المؤيدون للمشتقات، أن المالية الإسلامية ستقف في منتصف الطريق بين الأخذ بالمشتقات أو الانكشاف على المخاطر وضعف إمكانية المنافسة في سوق عالمية مفتوحة، وجاءت هذه التقارير مع وجود معلومات تؤكد أن العديد من المؤسسات المالية الإسلامية بدأت فعلا التعامل بالمشتقات المالية على نحو محدد، حيث أكد وارن إدواردز، الخبير في المصرفية الإسلامية عضو المجموعة الاستشارية الإسلامية IIBI المصرفية، والمدير التنفيذي لإدارة المخاطر ''دلفي'' المحدودة، ومقرها لندن، أن كثيرا من المؤسسات المالية الإسلامية تتفاوض سرا لتطوير منتجات تحوط ''مشتقات إسلامية'' قائمة ومستندة إلى ما يسميه النية niyya.

#2#

من جهته، أكد أشرف وجدي دسوقي، رئيس شؤون البحث في الأكاديمية العالمية للبحوث الشرعية عن المشتقات الإسلامية لـ ''رويترز''، أن قواعد الأكاديمية تقتضي موافقة البنك المركزي الماليزي عليها لتدخل حيز التنفيذ، وستضمن استخدام البنوك الإسلامية المشتقات للتحوط فقط، في حين حذر الدكتور عبد الباري مشعل، مدير عام شركة ''رقابة'' للاستشارات المالية الإسلامية، من مغبة وقوع المؤسسات المالية الإسلامية في ''فخ'' تداول الديون كمنتَج وبناء المشتقات وتراكمها دون حراك سلعي في الاقتصاد، فالمشتقات المالية ليست خيراً كلها وليست شراً كلها.

كشفت الأكاديمية العالمية للبحوث الشرعية عن ازدياد انتشار ظاهرة المشتقات المالية الإسلامية، وقالت في دراسة لها بعنوان ''المشتقات المالية والتمويل الإسلامي'': إن معدل نمو هذه المشتقات يزيد على أي قطاع آخر من الأوراق المالية، وعزت التوسع في هذا الانتشار إلى مرونتها وسهولة استخدامها من حيث البيع والشراء من السلع والأصول، واعتبرتها من البدائل المفيدة للاحتفاظ بالسلع الرئيسة.

وأشارت إلى أن الهدف الأساس لهذه المشتقات تحسين القدرة على إدارة المخاطر، غير أنها لفتت الانتباه إلى أنها تعد من بين أهم أدوات المضاربات المالية، وهذا يناقض الهدف الرئيس لها، وأشارت إلى أن المشتقات المالية اكتسبت سمعة سيئة في الأزمة المالية الأخيرة ووجه لها اللوم على أنها كانت من الأسباب الرئيسة لهذه الأزمة، ونتيجة لذلك، وجدت معارضة كبيرة من قبل بعض العلماء والمشايخ أعضاء الهيئات الشرعية والمتخصصين في التمويل الإسلامي، وقالت إن بعض التطبيقات البنكية لهذه المنتجات تنطوي على شبهات واحتمالية الغرر.

وأوضحت الدراسة أن التعامل مع المشتقات المالية يجب أن يكون مقيدا بشروط وضوابط، وأن يتم بشرح العقود الرئيسة لهذه المشتقات بخصوص بيع المقدم والعقود المستقبلية والخيارات والمقايضات، وتفحص عقود التمويل ذات الخصائص المشابهة للمشتقات المالية ''دراسة العقود التقليدية المستخدمة للتحوط مثل العقود الآجلة Forwards والمستقبليات Futures والخيارات Options وعقود المقايضات Swaps''، إلا أن خبراء في التمويل الإسلامي يرون أن عدم وجود مشتقات وأدوات مالية إسلامية للتحوط وإدارة المخاطر التي تتعرض لها المؤسسات المالية الإسلامية، أو المؤسسات الملتزمة بالمعاملات الإسلامية سيؤدي إلى عمليات انسحاب من المواجهة والمنافسة العالية بسبب ارتفاع نسبة المخاطر، ويضعف دورها الاقتصادي إلى مستوى هامشي، ويضعف مقدرتها على إدارة أصولها بما يرفع تكلفتها، وسيعرّضها للاختفاء مستقبلا في ظل المنافسة الحادة.

وطالب خبراء التمويل الإسلامي بضرورة تطوير الأدوات المالية وتقييم وقياس وتسعير المخاطر في صيغ وأدوات التمويل ذات المخاطر العالية كصيغة المضاربة وسندات الإقراض وشهادات المضاربة، وصيغة المشاركة والأدوات المبنية عليها مثل شهادات المشاركة والمشاركة المنتهية بالتمليك والمشاركة المتناقصة وصيغ الإجارة والأدوات المبنية عليها مثل شهادات الإجارة التشغيلية والإجارة المنتهية بالتمليك وصيغة السلم والأدوات المبنية عليها وصيغة الاستصناع وما يبنى عليها.

أما العالم الشرعي محمد داود بكر، المتخصص في التمويل الإسلامي، يرى أنه لا يجوز إطلاق صفة الإسلامية على هذه المشتقات؛ لأن المشتقات تتألف من عنصرين لا بد من وجودهما فيها: الأول أنها منتجات مشتقة من المنتََج الأصلي ''أي الموجودات التي تقوم عليها''. والآخر أنه يجب أن تكون المشتقات قابلة للتداول في السوق، وأنه لا ينبغي لنا أن نسمح بذلك من وجهة النظر الشرعية. داعيا إلى عدم الإطلاق عليها اسم المشتقات الإسلامية، بل التحوط الإسلامي.

وكانت وكالة موديز قد أكدت في تقرير لها أن التمويل الإسلامي ينمو بشكل كبير جدا، وأن إمكانياته السوقية تتجاوز خمسة تريليونات دولار، وأن تطوير هذا القطاع إلى منتجات جديدة واستنباطه مشتقات مالية جديدة غير مقلدة ومستنسخة، ستؤدي إلى زيادة عالية في حجم هذه السوق مستقبلا، وقال تقرير ''موديز'': إن تطوير أدوات مالية وإيجاد حلول للمشتقات المالية في قطاع التمويل الإسلامي أصبحت ضرورة ومهمة جدا لتطور صناعة المصرفية الإسلامية، وهذا يتطلب أيضا تجاوز الخلافات الفقهية التي تؤكد أن عقود التمويل بالمشتقات تنطوي على غرر، وذلك من خلال معايير واضحة ومحددة تسمح باستخدام المشتقات وبشكل يضمن توافقها ومقاصد الشريعة.

وأوضحت ''موديز''، أن مشكلة التمويل الإسلامي تكمن في الابتكار، وأن الاستخدام المشترك لعمليات التورق والمشتقات المالية سيحول دون انكشاف المؤسسات المالية الإسلامية للمخاطر ويؤدي بالمحصلة إلى تعزيز قدرتها الائتمانية.

فقد ذكر أنور حسون، نائب الرئيس وموظف ائتمان في ''موديز''، أن المشتقات المالية إذا ما وظفت بشكل جيد وبدقة وحذر فإن ذلك سيسهم في تعزيز كفاءة المؤسسات المالية الإسلامية وسيمنحها مزيدا من القوة لتكون مؤسسات منافسة، ولفت حسون إلى أن هناك جهودا كبيرة لتطوير مشتقات مالية في المستقبل بالتركيز على عقدي ''السلم والاستصناع'' وعبر قواعد شرعية ملزمة كالوعد والعربون والخيار.

ويرى الدكتور سحنون محمود، الباحث الجزائري المتخصص في الاقتصاد الإسلامي، في ورقة بحثية له بعنوان ''رأي الفقه الإسلامي في الأدوات المتعامل بها في أسواق المشتقات''، أن سوق الأوراق المالية سوق كسائر الأسواق تلتقي فيها قوى العرض والطلب وتحدد على أساسها الأسعار، إلا أنها تختلف عن غيرها من الأسواق، حيث يجري التعامل فيها في حقوق على الثروة لا على الثروة في شكل صكوك أو أسهم التي في حوزة المساهمين أو في السندات التي تمثل حقوقا أو التزامات في ذمة أصحاب المشروع وبظهور المشتقات المالية لم يعد المضاربون في حاجة إلى التعامل في الأصول التقليدية التي يجري التعامل بها في الأسواق المالية وهي الأسهم والسندات، حيث توفر عقود المشتقات وسيلة بديلة للمضاربة بما يغني عن تملك الأصول التي تمثلها هذه العقود، حيث تنتقل ملكية هذه العقود من شخص إلى آخر قبل تواريخ استحقاقها.

ويشير سحنون إلى أن ما يتم التعامل به في سوق المشتقات لا يخرج عن كونه بيوعا آجلة ومستقبلية، عقود خيار ''بيع بالخيار''،عقود المبادلات، عقود حد أدنى وحد أعلى لسعر الفائدة ''عقود تثبيت أسعار الفائدة''، وأن هذه البيوع كلها لا تعد أن تكون بيع الإنسان ما لا ليس عنده، وبيع الإنسان ما لم يقبضه، وبيع الكالئ بالكالئ، وبيع بدل تأجيل، وبيع خيار، وبيع المبادلة، وكلها في سوق المشتقات تعتمد على عقود تثبيت أسعار الفائدة حتى في الأسهم العادية التي يتم تقدير عائدها على سعر الفائدة المثل.

ويؤكد أنه وبحسب الأدلة الشرعية وأدلته على أن القصور في العقود معتبرة وأنها تؤثر في صحة العقد وفساده، وأنها تؤثر في الفعل التي ليس بعقد حلا وتحريما، ومن خلال استقراء واقع هذه المعاملات كما تجرى في أسواق المشتقات المالية نجدها قد جمعت بين العديد من الموبقات كالربا والرهان والقمار والغرر والغش والتدليس وأكل أموال الناس بالباطل، فضلا عن معاندة القدر وما تنطوي عليه هذه العقود من ظلم بيّن.

والقاعدة تقول: ما شرعت العقود إلا للوفاء بها ولا تكون وسيلة إلى محرم أو محظور، بل يجب ألا تخالف مقاصد الشريعة وأحكامها، ونرى أيضا أنها تنطوي جميعها على عقود الغرر، والغرر فيها من الغرر الكثير المفسد للعقود والبيوع فكانت من جنس الرهان والقمار، وأيضا تنطوي على شروط تنافي مقتضى العقد ومقصوده فكانت باطلة، وبعضها ينطوي على مصلحة زائدة ليست في مصلحة العقد ولا يقتضيها مما يدخل العقد في معنى الربا، وبعضها ينطوي على ربا صريح يتمثل في الزيادة المشروطة على أصل القرض المحددة مسبقا زمنا ومقدارا، وهذا من أخبث المكاسب.

ويرى الخبير الشرعي فيصل بن ظهير، أن المشتقات ما زالت المالية محلا للجدل، ليس فقط من الناحية الشرعية، بل من الناحية القانونية والاقتصادية، وطرحها مجددا بعد صدور قرارات مجمعية من ذلك: قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي حول الأسواق المالية، وأكدت ذلك المعايير الشرعية من خلال معيار بيوع السلع الدولية ومعيار المؤشرات الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، وهذا الطرح ينطلق باعتبار أن هذه المشتقات من الهندسة المالية التي لا يستغني عنها العمل المالي، ومن أدوات التحوط التي يحرص عليها المستثمرون، إضافة إلى جهود من الهيئات الشرعية لتأصيل البدائل المشروعة لحماية رأس المال بعيداً عن الممارسات التي تقوم على الغرر الكثير وأكل المال بمجرد الاشتراط الذي يتدرج في المقامرة والحصول على عوائد لا تنشأ عن قيمة مضافة وتجافي ضوابط وقواعد الشرعية العامة للعقود.

ويوضح ظهير، أنه وبعد إلى بعض الدراسات عن تطوير المشتقات المالية وإيجاد بدائل مشروعة لها نجد أن ذلك يرجع إلى النظر في أنواع هذه المشتقات وأهمها: المستقبليات والاختيارات والمبادلات المؤقتة.

المستقبليات هي عقود تتم في بورصة خاصة بها لبيع سلع أو أدوات مالية في المستقبل مع تأجيل الثمن أيضا، ففيها تأجيل البدلين، وهو ممنوع شرعا؛ لأنه لا يفيد التملك لأحد البدلين، لذا يمكن أن يكون البديل المشروع لذلك هو البيع بالآجل، والسلم، والاستصناع.

والاختيارات التي هي عقود لمنح حقوق الشراء أو البيع لأشياء معينة بثمن معين على أن محل تلك العقود هو الالتزام على بائعها وليس محل البيع الأشياء المستهدف بيعها أو شراؤها، وبالتالي فإنها لا تندرج في العقود المالية المباشرة لتمليك وتملك السلع ومع ذلك تجعل من الإرادة محلاً للتعاقد فهي تقوم على الاعتياض عن إعطاء حق الشراء أو حق البيع، وهي حقوق غير مالية، ولا تجيز الشريعة أن تكون محلاً للمبادلة الرضائية الحقيقية ولو اتجهت إليها إرادة بائع حق الاختيار ومشتريه، فهذا الرضا لا قيمة له؛ لأنه يفقد معنى المتاجرة، والبدائل الشرعية تتمثل في خيار الشرط، والبيع مع العربون.

أما المبادلات المؤقتة فهي اتفاقيات على تبادل مؤقت لقدر معين من الأصول المالية أو العينية أو معدلات الفوائد دون تبادل فعلي، وقد تباع الأشياء بالأجل لمن اشتريت منه، والدين هو المحضن الأساسي للربا إذا لم تطبق ضوابطها الشرعية التي أهمها المماثلة على أساس الحوالة أو المقاصة، أما بيع الدائن دينه بأقل منه أو بأكثر منه إلى غير المطالب بالدين، أي لطرف ثالث يحصل على الدين كاملاً ويعوض الدائن عنه بأقل منه، فهذا الخصم هو الربا المحرم.

ويضيف ظهير: إن البديل لتداول الديون أمران: الأول أن يتم على أساس التبعية للأصول غير النقدية من الأعيان أو المنافع أو الحقوق المالية، أي أن تكون هي المقصودة من التعامل، ويأتي الدين على أساس التبعية ولم يقصد بذاته.

الآخر: الخصم السلعي للديون عن طريق استخدام البيع بالأجل في حالة أن يكون لطرف ما دين ويريد الحصول عليه حالاً فيشتري به أصولا ويكون الدين ثمنها المؤجل.

الأكثر قراءة