المسؤولية الاجتماعية للشركات تعني تحويل الفرد من محتاج إلى منتج
أكد المهندس محمود تركستاني، نائب الرئيس، رئيس دائرة المسؤولية الاجتماعية في البنك الأهلي التجاري، أن المؤشرات كافة على الأرض تشير إلى وجود وعي كبير بمفهوم «المسؤولية الاجتماعية للشركات» في السعودية، مبينا أن هناك ازديادا ملحوظا في عدد الشركات التي تطبق هذا المفهوم عاما بعد عام.
وأوضح تركستاني، أن عدم تفريق بعض الشركات بين المسؤولية الاجتماعية والزكاة أو خدمة المجتمع يعود بالدرجة الأولى إلى الخلط في مصطلح (المسؤولية الاجتماعية للشركات)، حيث يظن البعض أن وجود لفظ "اجتماعية" دليل على خدمة المجتمع وهو أمر خاطئ، وأن المسؤولية الاجتماعية للشركات تعني تقديم برامج ومنتجات مستدامة تحول الفرد من محتاج إلى منتج.. فإلى تفاصيل الحوار:
بداية أعطنا فكرة عن المجالات التي يمكن تطبيق المسؤولية الاجتماعية من خلالها؟
المسؤولية الاجتماعية للشركات يجب أن تطبق في جميع الإدارات والأقسام، ويجب أن تكون مسؤولة اجتماعيا، وهذا يعني أن إدارة الإنتاج مثلا يجب أن تراعي موضوع السلامة للموظفين، الموارد البشرية تقدم برامج أعلى من قوانين العمل والعمال لموظفيها وهكذا، اليوم ظهر ما يسمى بالاستثمار المسؤول وهو أن أي مؤسسة مالية تقدم إعانات مالية يجب أن تكون الاستثمارات المراد دعمها (مسؤولة) من خلال التأكد من أن الشركة المزمع تقديم دعم لها سواء ماليا أو فنيا ينبغي النظر لنشاطات هذه الشركة وطبيعة عملها وعلاقته بالمجتمع والبيئة، فإذا كانت تضر بالبيئة مثلا يجب تجنب التعامل معها، كما يجب على الشركات والبنوك والمؤسسات المالية توعية العملاء في عملية الاستثمار الذي يطلبه مثل القروض الاستهلاكية وتوافقها مع دخل العميل وتنبهه لذلك.
لكن هل تقوم المؤسسات المالية السعودية بتطبيق مفهوم الاستثمار المسؤول؟
نتمنى ذلك، لكنني أتحدث عن البنك الأهلي، فالمسؤولية الاجتماعية جذورها امتدت داخل أعماق كل الإدارات لدينا وأصبح الهاجس الوحيد هو كيف أسهم اجتماعيا؟.. لدينا مشروع قريب لعرض المنتجات في فروع البنك الأهلي، هناك دمج كبير بين رؤية البنك وطريقة عمله وهناك تداخل في المعاني ووعي تام بأهمية الفكر، ليس فقط مصطلحا أو شعارا.
في رأيك، لماذا لا تزال الشركات والمؤسسات السعودية تتهم بعدم تفريقها بين المسؤولية الاجتماعية والزكاة أو خدمة المجتمع؟
للأسف المصطلح أحدث خلطا لدى الكثيرين من الناس فيعتقد الكثيرون أن المسؤولية الاجتماعية للشركات خدمة مجتمع فقط لوجود كلمة (اجتماعية)، وهذا المعنى خطأ، حتى الأوربيون حذفوا كلمة الاجتماعية بعد اكتشافهم هذا الخلط، واقتصارها على مسؤولية الشركات، التي تعني المسؤولية تجاه الموظفين أولا.. ثم جميع أصحاب العلاقة، أصبحت الآن تدرس في كتب الاستراتيجيات للشركات، انتقل المفهوم للاعتناء بأصحاب العلاقة (العملاء، الموظفين، الموردين، البيئة وغيرهم)؛ وذلك لضمان استمرارية الشركات واستدامتها على المدى الطويل.
#2#
كيف تقيّم مستوى نضج الشركات السعودية بشأن تطبيق مفهوم المسؤولية الاجتماعية؟
إذا ما تحدثنا علميا، قمنا بدراسة عن مدى تطبيق شركات القطاع الخاص للمسؤولية الاجتماعية، وعملت على نطاق المدن السعودية الرئيسة الثلاث (الرياض، جدة، الدمام) وكانت العينة عبارة عن 50 شركة وننتظر ظهور النتائج خلال الأيام القليلة المقبلة، لكن بشكل عام المؤشرات تطمئن بوجود ازدياد كبير في الوعي عما كان عليه الوضع في 2004م عندما بدأنا الحديث عن المسؤولية الاجتماعية في ذلك الوقت، ولنا في معرض الرياض الأخير خير مثال على تواجد عشرات الشركات السعودية تحت سقف واحد تعرض منتجاتها في المسؤولية الاجتماعية وهذا أمر يثلج الصدر، كذلك مؤشر آخر وهو جائزة التنافسية المسؤولية عندما بدأت كان هناك 40 شركة، ثم ازدادت إلى 90 شركة، ثم 115 في السنة الأخيرة، خصوصا إذا ما علمنا أن الانضمام لهذه الجائزة ليس فقط تعبئة نموذج طلب الذي يعد صعبا في الأساس، لكن بعد ذلك هناك لجنة للتقييم يجلسون مع مديري الإدارات يوجهون أسئلة لهم عن ماذا قدموا في مجالات المسؤولية الاجتماعية. وفي رأيي أن هذه الزيادة في الوعي ما كانت لتحصل لولا الدعم الإعلامي لنشر هذه الثقافة.
ما أبرز العوائق والتحديات التي ما زالت تقف أمام تطبيق مفهوم المسؤولية الاجتماعية في المملكة؟
في الحقيقة، من المهم جدا أن يعي أصحاب الشركات أن المسؤولية الاجتماعية ليس فقط القيام بمسؤوليتهم تجاه المجتمع وإنما تجاه جميع أصحاب العلاقة، ثانيا يجب أن يفرقوا بين أعمال التبرعات والأعمال المستدامة، المسؤولية الاجتماعية هو تقديم أعمال مستدامة بمعنى أن تحول الفرد من محتاج إلى منتج، مسؤولية الشركات لا تقتصر على إعطاء برامج مستدامة فقط، الشركات الكبيرة لا بد أن تشارك بالقوة المعرفية والمهارات التي يمتلكها موظفوها، مثل أن يأتي الرئيس التنفيذي في أي شركة أو مؤسسة بخبراته الطويلة ويفيد المجتمع ومعالجة القضايا الموجودة.
فيما يخص البحوث والدراسات في مجال المسؤولية الاجتماعية.. هل هي كافية؟
لا شك أن البحوث في ازدياد، لكنها لا تزال غير كافية، لدينا مفكرون في المملكة، لكن لا أدري قلة البحوث، وللعلم نحن لسنا متأخرين في مجال المسؤولية الاجتماعية فالأوروبيون لم يعرفوه إلا في وقت قريب، شخصيا حضرت دورة في جامعة هارفارد شارك فيها 22 دولة من أنحاء العالم، فقط ثلاثة أو أربعة من لديهم فهم لهذا المفهوم فيما البقية ليس لديهم أي معلومات عن المسؤولية الاجتماعية، لاحظنا في الآونة الأخيرة زيادة البحوث عن المسؤولية الاجتماعية للشركات، ونتلقى اتصالات من طلاب سعوديين وأجانب لأبحاث عن هذا الأمر، وحتى الأزمة العالمية الأخيرة كان لها أثر إيجابي على المسؤولية الاجتماعية، حيث بدأت الشركات تتنبه إلى المسؤولية الأخلاقية التي يتحلى بها الموظفون وجميع الإدارات لتجنب المشاكل التي واجهتها الشركات في أعقاب الأزمة، وأصبح معظم الأستاذة في الجامعات المرموقة يتساءلون ما الأمر الذي فعلوه لتخريج هؤلاء المديرين التنفيذيين وكانوا سببا في الأزمة العالمية، بعدها أصبحوا يطعّمون مناهجهم بمواضيع عن المسؤولية الاجتماعية، وبالتالي هذا أدى إلى اهتمام الدكاترة والبحوث في هذا المجال، أما على المستوى الرسمي فالبنك الأهلي عمل أول بحث لقياس مستوى نظرة المجتمع السعودي للمسؤولية الاجتماعية، ووجدنا نتائج إيجابية، ووجدنا وعيا لدى العملاء وأنهم يفضلون الشراء من الشركات التي لديها مسؤولية اجتماعية، الموظفون قالوا إننا نشعر بأننا قدمنا شيئا للمجتمع إذا كانت شركتنا تقوم بمسؤولية اجتماعية.
كما قمنا بدراسة عن نظرة القطاع العام للمسؤولية الاجتماعية، ولا يزال تحت الطبع، كما قامت الغرفة التجارية في الرياض ببحث عن المسؤولية الاجتماعية في المملكة.
كيف ترى انتشار مجالس المسؤولية الاجتماعية في المناطق؟ وهل ترون حاجة إلى إنشاء هيئة مستقلة تكون مظلة لهذه المجالس؟
بداية، علينا التفريق بين المسؤولية الاجتماعية بشكل عام والذي يمثل موضوعا كبيرا يتشارك فيه جميع أفراد المجتمع، وبين المسؤولية الاجتماعية للشركات، ومن أجل ذلك هناك مصطلح جديد يسمى (العصامية الاجتماعية) بمعنى أن يقوم الأفراد بتغيير الخطاء إلى أمر صحيح، وإذا ما تحدثنا عن المسؤولية الاجتماعية للشركات، فإن دور الغرف التجارية مهم في هذا الإطار لأنهم المكان المناسب للحديث مع الشركات لمعرفته بلغتهم وأساليبهم، لكن الغرف لا تقوم بهذا الأمر بالمستوى المطلوب، وقد اقتراح الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، رئيس مجلس المسؤولية الاجتماعية في غرفة الرياض في الملتقى الأخير بتحفيز الشركات على أداء المسؤولية الاجتماعية عبر إعفائهم من الزكاة أو إدراج ما تنفقه الشركات ضمن الزكاة.
وفي رأيي، أن كل غرفة تجارية تنشئ لجنة أو مجلسا للمسؤولية الاجتماعية أمر إيجابي ويعطي نتائج جيده لانتشار المفهوم في المناطق، ولا أدعو للمركزية في المسؤولية الاجتماعية، أما مسألة هيئة مستقلة فنسأل ما هو دورها؟! وللعلم لا يوجد دولة في العالم تفرض على الشركات خدمة المجتمع، وإنما تتركه التزاما على الشركات وليس إلزاما، يجب أن يكون العمل تطوعيا بحتا.