مشروع بناء ثقافة عمل

أعترف بتحيزي الكامل لفرضية ثبتت صحتها علمياً وعملياً، مفادها بأن ثقافة الإنسان ''قيمه ومعتقداته وأفكاره''، هي المحرك الأساسي لسلوكه وتصرفاته، وأزعم بأن تلك الفرضية لم تستحوذ على الاهتمام الكافي من متخذ القرار وهو يسعى لحل مشكلات البطالة وتعثر خطى السعودة، وركز متخذ القرار بشكل واضح على آلية التشريع وسن القوانين، بينما أهمل البعد الثقافي والقيمي، وأصبح ظاهراً للعيان أن البطالة في المجتمع السعودي لا ترتبط بنقص المعروض من الوظائف بقدر ما ترتبط بعزوف الشباب السعودي عن العمل في كثير من المهن، وأيضاً ترتبط بالصورة الذهنية السلبية التي ساهم الشباب السعودي ذاته في تشكيلها لدى أصحاب الأعمال التي تتمثل في عدم تحمل المسؤولية والاحتياجات المهنية غير الموضوعية. الحقيقة أننا في أمس الحاجة لكيان مؤسسي يتبنى قضية بناء وتطوير ثقافة العمل لدى الشباب السعودي، هذا الكيان يسعى لتحقيق هدفين أساسيين، الهدف الأول بناء ثقافة متطورة لدى الشباب السعودي تجعله يتحرك برغبة وحماس تجاه العمل والاستفادة من الفرص المتاحة للتوظيف، الهدف الثاني يتعلق بتقديم الدعم التدريبي الذي يمكن الشاب السعودي من النجاح والتميز في عمله وتنمية قدراته على اكتساب مهارات الإدارة والقيادة بما يجعله مؤهلاً لشغل المناصب القيادية في المستقبل. يتحقق الهدف الأول من خلال استخدام أدوات بناء الثقافة كافة (ندوات، كتب ومطبوعات، دعاية وإعلانات، برامج إعلامية، محاضرات) ويستلزم تحقيق هذا الهدف التنسيق والتفاعل مع أطراف متعددة ـــ بجانب الشباب ـــ تمارس أدواراً أساسية في بناء الثقافة المرغوبة مثل الأسر والعائلات، المدارس، الجامعات، المؤسسات الدينية، وسائل الإعلام، قادة الرأي والعلماء. بينما يتحقق الهدف الثاني بتصميم وتفعيل آلية متكاملة للتدريب وتنمية المعارف والمهارات، تشتمل تلك الآلية على عدة مكونات، تصميم البرامج التدريبية وورش العمل والمحاضرات التي تسهم في بناء مهارات أساسية للنجاح والتميز (مهارات التميز الوظيفي، مهارات الاتصال، مهارات العرض والإقناع، مهارات التخطيط وإدارة الوقت، مهارات التعامل مع الرؤساء والزملاء، مهارات إدارة الضغوط، مهارات الإبداع، مهارات القيادة... إلخ)، تصميم خطط التدريب بمكوناتها كافة، آلية التنفيذ، آلية المتابعة والتوجيه المستمر. وهذا يعني أن الكيان المؤسسي المقترح يزاول مهام مراكز التدريب المتخصصة في الجوانب الإدارية وتطوير الذات، ولكن الفارق هنا أنها مراكز تؤدي وظيفة اجتماعية ولا تهدف لتحقيق الربح (وإن كان ممكناً أن تسعى فقط لتغطية تكاليفها)، كما أن الجمهور المستهدف هنا سيكون كبيراً؛ لأن المركز سيقدم خدماته لكل الشباب السعودي الذي يعمل في القطاعات الصناعية والخدمية كافة، وهو ما يستلزم أن تكون هناك فروع للكيان المؤسسي المقترح في مناطق المملكة كافة. هذا التصور يمكن أن يتم تفعيله بشكل مركزي من خلال الكيان المؤسسي المقترح، ويمكن أيضاً تفعيله بشكل لا مركزي من خلال تكليف جهات محددة بتنفيذ المهام المطلوبة، وإن كان الخيار الأول يتميز بوجود جهة مسؤولة عن بناء وتطوير ثقافة العمل لدى الشباب السعودي. وكلي (عشم) أن ينال هذا المشروع اهتمام الغرفة التجارية، وأتطلع أن يكون لوزارة العمل ووزارة الخدمة المدنية المبادرة لتفعيل مثل هذا الكيان.. ويا ليت أن الجامعات يكون لها نصيب من مثل هذا المشروع.. في كل الأحوال هي رؤية مطروحة للنقاش، تحتمل القبول أو الرفض أو التعديل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي