الرياض مؤهلة لـ «الأولى» عالميا في صناعة المال الإسلامية
طرح خبراء في المصرفية الإسلامية أسئلة عديدة حول الأسباب والموانع التي تحول دون أن تأخذ الرياض مكانتها اللائقة في هذا القطاع المهم والحيوي، رغم توافر مختلف العوامل لجعلها مركزا وعاصمة للتمويل الإسلامي، داعين الجهات الإشرافية لإعادة النظر في سياساتها وتشريعاتها لجعل قطاع المصرفية الإسلامية من بين القطاعات الحيوية والمهمة في الاقتصاد السعودي وإعادة النظر في كيفية التعاطي مع الصيرفة الإسلامية بعيدا عن البيروقراطية.
أكد لاحم الناصر الخبير في المصرفية الإسلامية لـ ''الاقتصادية'' أن الرياض لم تقدم ما يلزم لأخذ دور ريادي في قطاع الصرفية الإسلامية ولا سيما أنها مرشحة لذلك، حيث هي المصدر الأول للاستثمارات الإسلامية في الخارج، سواء من حيث إنشاء المؤسسات المالية الإسلامية أو من حيث الأصول المالية الإسلامية المستثمرة، مضيفا أن المؤسسات المسؤولة عن الصناعة المالية في السعودية تسير بخطى خجولة في هذا المضمار، حيث لم يتم حتى الآن الاعتراف بالصيرفة الإسلامية في قاموس هذه المؤسسات فضلا عن التقنين لها أو إيجاد أسواق لها.
وطالب لاحم الناصر المؤسسات الرقابية على الأنشطة المالية في السعودية بإعادة النظر في كيفية التعاطي مع الصيرفة الإسلامية بعيدا عن البيروقراطية، والاستجابة السريعة للمتغيرات السريعة التي تمر بها هذه الصناعة، حتى لا يستمر نزيف الاستثمارات خارج الوطن والذي تسعى الكثير من الدول إلى استقطابه، سواء من دول الخليج المجاورة مثل البحرين ودبي حيث تم سن قوانين خاصة بالمؤسسات المالية الإسلامية تراعي طبيعة عملها وخصوصيته مع إيجاد سوق منظمة للأدوات المالية الإسلامية أو من الدول الغربية كبريطانيا.
وأشار الناصر إلى أن الرياض تشهد إنشاء مشروع مركز الملك عبد الله المالي، والذي سيكون بمثابة الحي المالي لمدينة الرياض، حيث تبلغ مساحته نحو 1.6 مليون متر مربع، وسيضم عند انتهائه هيئة السوق المالية وشركة تداول وأكبر المصارف والشركات المالية العاملة في السعودية وأكاديمية للعلوم المالية والمصرفية، كما يُتوقع أن يستقطب المركز الكثير من المؤسسات المالية العالمية، خاصة مع انضمام السعودية لمنظمة التجارة الدولية، ومن ثم تحريرها لصناعة الخدمات المالية.
وحيث إن الصناعة المالية الإسلامية هي المسيطرة اليوم على القطاع المالي في السعودية، فإن مركز الملك عبد الله المالي بحسب لاحم الناصر مؤهل ليكون المركز الأول في العالم لصناعة المال الإسلامي، وذلك في حال وضع المسؤولون عن الصناعة المالية في السعودية ذلك هدفا لهم، حيث إن هذا الأمر ليس بالأمر العزيز أو الصعب، في حال وجدت الإرادة والتصميم على ذلك، ووضعت الأهداف ورسمت الخطط لتنفيذها.
وحول العوامل التي تجعل من مركز الملك عبد الله المالي مركزا للصناعة المالية الإسلامية، أشار لاحم الناصر إلى سن الحكومة تشريعات وأنظمة خاصة بهذه الصناعة، وإنشاء محاكم خاصة للفصل في النزاعات المالية الناشئة عن هذه الصناعة تحت مظلة وزارة العدل، بعيدا عن اللجان القضائية وشبه القضائية التي تشوه النظام القضائي في السعودية اليوم، كذلك دعم الدولة لهذه الصناعة عبر إنشاء البنى التحتية لها، كالعناية بالتأهيل المهني للعاملين فيها عبر إنشاء أكاديميات وأقسام داخل الجامعات لتدريس علوم هذه الصناعة، وإنشاء مراكز الأبحاث الخاصة بها، وتشجيع إنشاء الجمعيات المهنية الخاصة بها، مع سعي الحكومة الدؤوب للتعامل وفقا لآليات هذه الصناعة، كإصدار الصكوك السيادية بديلا عن السندات، وتشجيع الصناديق الحكومية وشبه الحكومية للتعامل بمنتجات الصيرفة الإسلامية، لا سيما أن هذا الأمر مطلب من أهم مطالب المستفيدين من خدمات هذه الصناديق، مع السعي لدى الجهات الدولية للاعتراف بالمعايير الخاصة بهذه الصناعة، مشيرا إلى أن السعودية قادرة على انتزاع هذا الاعتراف متى ما أرادت ذلك بما لها من ثقل اقتصادي ومالي وسياسي في العالم.
#2#
من جانبه قال الدكتور عبد الله العمراني أستاذ كرسي الشيخ راشد بن دايل لدراسات الأوقاف لـ ''الاقتصادية'' إن النظر المنطقي يقضي أن تكون الرياض هي المرشح الأول لتكون عاصمة للمصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي، حيث تمتلك الرياض المقومات الكبيرة لذلك ومنها أن الاقتصاد السعودي هو أكبر اقتصاد في المنطقة، ويتمتع بمتانة وقوة وموارد وسيولة عالية، وكذلك احتضان السعودية لمجموعة من البنوك التي تملك أصولاً كبيرة متوافقة مع الشريعة وتشكل أكثر من 30 في المائة من أصول المصرفية الإسلامية في العالم، إضافة إلى اعتبار السعودية مرجعية إسلامية عالمية، وكذلك فإن الأنظمة المالية في السعودية تؤكد على أن تكون جميع تعاملاتها متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، وتزايد الطلب المحلي للمصرفية الإسلامية والذي بدوره جعل جميع البنوك في السعودية تقدم خدمات متوافقة مع الشريعة سواء في جميع تعاملاتها أو من خلال النوافذ الإسلامية، واحتضان السعودية عدد من الجامعات الشرعية العريقة والتي تأتي المصرفية الإسلامية من مجال اهتمامها وتخصصاتها، وبها عدد من مراكز الأبحاث وكراسي البحث، ومنها كرسي بحث متخصص في المصرفية الإسلامية في جامعة الإمام وآخر في الأسواق المالية، وفي جامعة الملك عبد العزيز مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي، وفي جامعة الملك سعود مركز بحث في المصرفية الإسلامية ومثله في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وغيرها من الكراسي والمراكز المتخصصة.
ويقول العمراني إن السعودية تحتضن المجمع الفقهي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في جدة، والمجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، والمجمع الفقهي السعودي الذي صدر الأمر الملكي الكريم بإنشائه، وهناك عدد كبير من العلماء في السعودية المتخصصين في المعاملات المالية المعاصرة، وعدد كبير من الباحثين المؤهلين في مجال الاقتصاد الإسلامي.
كما يعتبر العمراني تجربة المصارف الإسلامية في السعودية من التجارب الرائدة والتي كان لها مخرجات ظاهرة سواء كان في المنتجات المالية والاستثمارية، أو في تأهيل الموارد البشرية المتميزة في مجالات المصرفية الإسلامية كافة، إضافة إلى وجود المجموعات الشرعية في البنوك الإسلامية والتي تضم كذلك أمانة عامة للمجموعة الشرعية تحوي عدداً من الباحثين والمستشارين الشرعيين، كما يتبع المجموعة الشرعية إدارة للرقابة الشرعية تضم مجموعة من المراقبين الشرعيين الذين يقومون بفحص التعاملات اليومية للمصرف والتأكد من توافقها مع قرارات ومعايير الهيئة الشرعية.
وشدد العمراني في هذا الصدد على عدد من القضايا المهمة في مستقبل المصرفية الإسلامية واستشراف مستقبل عاصمتها المنتظرة الرياض، حيث على الجهات الإشرافية دور كبير في تطوير أداء المصارف في السعودية، وذلك من خلال توفير السياسات الملائمة للمنتجات والأدوات المالية الإسلامية، وتوفير البيئة المحفزة لتطوير المنتجات الاستثمارية والمجتمعية، وتطوير آليات الرقابة الشرعية، وقال إنه بالنظر في التجارب العالمية نجد أن ماليزيا مثلا لديها مجلس شرعي في البنك المركزي يعنى بالمعايير والرقابة الشرعية على البنوك التي تقدم الخدمات المالية الإسلامية، وتحتضن مركز الخدمات المالية الإسلامية، مع أن المصرفية الإسلامية تقدر بـ 15 في المائة فقط من حجم المصرفية في ماليزيا.
كما أشار العمراني إلى المعهد المصرفي في السعودية، والذي يقوم بدور جيد في إقامة الدورات والدبلومات التأهيلية في مجال المصرفية والمصرفية الإسلامية، مقترحا تطوير المعهد ليصبح أكاديمية متخصصة في البرامج التدريبية والتعليمية للتأهيل في مجال المصرفية الإسلامية وتلبية حاجة المصارف الإسلامية داخل المملكة وخارجها.
كذلك فقد أكد على العناية بمراكز الأبحاث المتخصصة، ومراكز تطوير المنتجات المالية والاستثمارية التي يمكن تطبيقها بفاعلية عالية تجمع بين الكفاءة الاقتصادية والسلامة الشرعية، وتصديرها للعالم.
إضافة إلى تحديد الأهداف الاستراتيجية للمرحلة القادمة للمصرفية الإسلامية، وصياغة السياسات والآليات الملائمة لمستقبل الصناعة المالية.
وكذلك تفعيل دور المصارف الإسلامية في المجتمع، والمشاريع الاستراتيجية التي يتحقق منها تنويع مجالات الاستثمار الإيجابي الذي تتحقق منه مصالح للمصارف والمجتمع وفق الأسس المهنية في إدارة المخاطر والاستثمار الآمن وتوظيف وسائل حماية رأس المال بالصيغ المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.
وعبَّر العمراني عن تطلعاته المأمولة لما سيحققه مركز الملك عبد الله المالي من تطوير للسوق المالية والاستثمارية وفق أحدث التقنيات، والمؤمل أن يكون فيه الكثير من الحلول العملية لاستثمارات وتمويلات المصارف الإسلامية فيما يتعلق بسوق السلع الحقيقية التي ستكون رافداً قوياً للتمويلات المرتبطة بالنشاط الحقيقي.
#3#
من جانبه أكد رجا المرزوقي الخبير في المصرفية الإسلامية، كبير الاقتصاديين في مجموعة الخبير المالية وأستاذ المصرفية الإسلامية المتعاون بجامعة الملك سعود لـ ''الاقتصادية'' أن المصرفية الإسلامية نمت لتلبية الطلب المتنامي من المسلمين في العالم الإسلامي وبالذات في السعودية، حيث شكل الطلب على منتجات المصرفية الإسلامية من السعودية أهم المحفزات الاقتصادية التي جعلت منتجات المصرفية الإسلامية ذات عائد اقتصادي يتسابق على تلبيته المستثمرون في أنحاء العالم.
ولتحقيق المصداقية لهذه المنتجات فإنها تحتاج إلى سند شرعي ومرجعية والتي تتوافر لدى السعودي، ولما تحظى به من قبول على المستوى العالمي والإقليمي كمرجعية إسلامية، والرياض تحتاج إلى قرار سياسي لتدعم مقومات السوق المتاحة في المملكة، لتصبح عاصمة للمصرفية الإسلامية.
فالمقومات الأساسية لأن تكون الرياض عاصمة للمصرفية الإسلامية متوافرة في جانب العرض والطلب على خدمات المصرفية الإسلامية، لكن الجانب التنظيمي وعدم الدعم السياسي حرما الرياض ريادة المصرفية الإسلامية وتحقيق الفوائد المرجوة على الاقتصاد المحلي والرفاه الاقتصادي للمواطنين، وأدى ذلك إلى تنافس دول مثل بريطانيا وإندونيسيا وماليزيا والبحرين والإمارات لتصبح مركز المصرفية الإسلامية.
وقال رجا المرزوقي بما أن المصرفية الإسلامية هي تجاوب للطلب الاجتماعي المستند إلى الدين الإسلامي، فإن نمو وازدهار هذه الصناعة يعتمد في المقام الأول على القبول الشرعي ووجود المرجعية الشرعية، وهي التي تتوافر في السعودية من خلال العلماء الشرعيين الذين يحظون بثقة الأفراد، وذلك لأن غالبية الفئة التي تستهدفهم المصرفية الإسلامية هم في الخليج.
كما أن الطلب العالي على خدمات المصرفية الإسلامية من قبل الأفراد والمستثمرين في السعودية، الذي كان له أكبر الأثر في نشوء المصرفية الإسلامية ونمو خدماتها يشجع على إنشاء المصرفية الإسلامية وقرب المستهلكين منها لهذه الخدمات، والسيولة المتحققة لدى الأفراد في سنوات الطفرة وثرواتهم الباحثة عن مخارج استثمارية إسلامية أدت بالبنوك العالمية إلى إنشاء فروع ودوائر بنكية إسلامية.
ويقول المرزوقي إن غالبية المستثمرين في المصرفية الإسلامية وروادها الأوائل من السعودية كانت استثماراتهم خارجية بسبب عدم الترخيص لهم للاستثمار في المصرفية الإسلامية في المملكة، التي نأمل أن تدرك الجهات المعنية في الوقت الحالي أهمية المصرفية الإسلامية للاقتصاد السعودي والفوائد الاقتصادية التي سيجنيها الاقتصاد في حالة ريادته العالمية للمصرفية الإسلامية، وانعكاس ذلك على تعظيم الرفاه الاقتصادي للفرد في السعودية.
وحول الحاجة إلى وجود بنى تشريعية وتحتية متكاملة قال رجا المرزوقي إن نمو المصرفية الإسلامية هو تلبية طبيعية للطلب من المسلمين، وقد رأينا نموها السنوي الذي بلغ 15 في المائة سنويا، وذلك على الرغم من غياب الأنظمة والتشريعات التي تساعد على النمو السليم؛ لذا فإن وجود البنى التشريعية يشكل البيئة الخصبة التي تساعد على نمو المصرفية الإسلامية بشكل أسرع وأكثر فائدة للاقتصاد المحلي والعالمي، فالأنظمة العالمية مثل ''بازل 2'' التي تحكم عمل البنوك تدفع بالبنوك الإسلامية للتركيز على القروض الإسلامية بدلا من المشاركة، وهو أهم ما يميز البنوك الإسلامية عن البنوك التقليدية.
والسعودية مدعوة في هذا الخصوص للعمل من خلال تمثيلها في مجموعة العشرين، والتي تعمل على إعادة هيكلة الاقتصاد العالمي، لاقتراح تعديل الأنظمة والقوانين العالمية بما يخدم المصرفية الإسلامية التي ستنعكس إيجابا على الاقتصاد السعودي ورفاهية المواطن.
وقال المرزوقي إن أهم البنى التحتية التي تحتاج إليها المصرفية الإسلامية الكوادر البشرية المدربة، والتي تتميز المملكة بوجود إمكانية لتلبية الطلب على هذه الكوادر من خلال التدريب والتعليم وإعادة التأهيل للقدرات البشرية ذات التخصصات الشرعية، والذي من الممكن أن يتم تأهيلهم للعمل في البنوك الإسلامية.
كما أن توافر العلماء الشرعيين في المملكة الذين يمثلون المرجعية الشرعية للمجتمع يعد من أهم عوامل نجاح المصرفية الإسلامية.