أعوذ بك من العجز
اهتم الكثير من علماء النفس وخبراء السلوك البشري بدراسة وبحث الفروق بين الأشخاص المتشائمين وأولئك المتسمين بالتفاؤل، لكن أقوى تلك الدراسات هي التي أجراها الدكتور مارتين سليجمان من جامعة بنسلفانيا، التي توصلت بعد ملاحظة آلاف من الحالات على مدى 20 عاما إلى وجود حالة ذهنية مسيطرة ومشتركة بين أتباع المذهب التشاؤمي أطلق عليها الدكتور سليجمان مصطلح «العجز المكتسب»، وحددها بأبعاد ثلاثة: الديمومة، الانتشارية، بعد الشخصية.
حيث يعتقد الأشخاص الذين يتملكهم اليأس سريعا بأن السبب وراء حدوث أي مكروه سيكون دائم الحدوث وسيستمر لفترة طويلة وسيؤثر في حياتهم أي ذا بعد استمراري، بينما يتعامل المتفائلون مع الموقف العصيب بأنه أمر وقتي زائل، وقد يعبر المتشائمين عن ذلك بقولهم: «هذه المشكلة ستقوم بتدمير كل ما شيدته في حياتي»، أما النمط التفاؤلي فيقول: «سيزول هذا الكرب سريعا ـــ بإذن الله ـــ وما زالت الكثير من الفرص بانتظاري في الحياة».
فقد استمر الكثيرون ممن حققوا مكانة مرموقة على الرغم من مواجهتهم مشاكل وعقبات عديدة، والفرق بينهم وبين الذين استسلموا يكمن في قناعاتهم بما هو دائم وما هو غير دائم في مشاكلهم، فمن يتمكنون من إنجاز نجاحات نادرا ما يفكرون أن المشكلة التي يواجهونها دائمة، بينما ينظر أولئك الذين يخفقون إلى أي مشكلة مهما كانت صغيرة على أنها أمر دائم.
أما مع الأحداث السارة فهم يتفاعلون بطريقة عكسية، حيث يفسرها المتشائمون بأنها ليست سوى استثناء أو ظرف مؤقت لن يتكرر، وقد يقلعون عن الاستمرار في العمل بعد نجاحهم لأنهم يعتقدون أن هذا النجاح ما هو إلا ضرب من الحظ ولن يتكرر، بينما يميل المتفائلون إلى اعتبارها ذات طبيعة دائمة ومستمرة وبذلك فإنهم يحاولون أن يعملوا بجد أكثر وأكثر بعد نجاحهم للمحافظة على استمرارية الفوز.
وتعد سمة الانتشارية بعدا أساسيا في ذهنية المتشائم، فإذا واجه مثلا اثنان من الموظفين مشكلة صعبة في العمل مثل تخفيض الرواتب أو إعادة هيكلة الوظائف تجد الموظف ذا الذهنية المتشائمة يسحب تلك الغيوم السلبية في العمل وينشرها إلى باقي مدارات حياته، فيصب نكده على أسرته، وقد يقصر في بعض أنشطته الاجتماعية، وربما تنتشر سلبيته لتنعكس على صحته وغذائه، بينما يحصر الموظف الآخر ذو النمط المتفائل المشكلة الوظيفية في حيزها فقط ولا يسمح لها بالانتشار والتشويش على باقي المدارات.
وهذا ما يجعلنا نستغرب حين نسمع قصصا عن بعض الأشخاص الذين استسلموا وأقلعوا عن ممارسة كل شيء بسبب فشل أصاب يوما أحد أوجه أنشطة حياتهم، وما ذلك إلا لتعاملهم مع المشكلة ببعدي الديمومة في البقاء والانتشارية في مجالات الحياة.
والفارق الثالث بين المتفائلين والخاسرين هو في البعد الذي أطلق عليه سليجمان «الاتهام الشخصي»، حيث لا يتعامل المتشائمون مع تجربة الفشل على أنه تحد دافع إلى تغيير طريقة تعاملهم مع الأمور بل كمشكلة كامنة تعود إلى تكوينهم الشخصي، أما المتفائلون فهم يفصلون السلوك عن الشخصية مما يدفعهم إلى تغيير السلوك السلبي مع عدم جلد الذات.
إن تبني هذه الأبعاد الثلاثة مساو في تأثيره لتناول جرعات سمية صغيرة يوميا، ستتجمع يوما بعد يوم لتصبح جرعة قاتلة وإذا أردنا التخطيط لنجاح أعمق في حياتنا فما علينا سوى البدء في مراقبة أسلوبنا التفسيري للأحداث.