الحاجة إلى نظام ضريبي فعال

تقوم النظم الاقتصادية على وحدة متكاملة من المكونات والإجراءات والسياسات المالية والنقدية التي تخلق في مجملها الهيكل الاقتصادي الذي يسير الحياة، وتضمن تفاعل القطاعات الاقتصادية وتكاملها وتحقق الفائدة لجميع الأطراف منتجين ومستهلكين. ومن هذه السياسات والآليات نظام الضرائب taxes، الذي يعتبر من أهم الوسائل التي تستخدم لتحقيق العديد من الأهداف حسب حاجة كل مجتمع. فهناك مجتمعات تستخدم الضرائب كوسيلة لتوفير الأموال التي تصب في الميزانية العامة وما يتبع ذلك من أوجه صرف متعددة حسب النظام السياسي والاقتصادي للدولة. بينما أن بعض المجتمعات تستخدم الضرائب كوسيلة لتحقيق التوازن في مكونات اقتصادها على الرغم من عدم حاجتها إلى الأموال التي يمكن تحصيلها.
ويواجه مصطلح النظام الضريبي عدم قبول نتيجة نجاح الأغنياء في ''تشويه سمعته'' وخلق انطباع سيئ عن نتائجه ومبررات وجوده. فكلما تم طرح مفهوم الضرائب صاح العامة اعتقادا منهم أن ذلك يعني الأخذ من دخولهم والحد من قدراتهم الشرائية، بينما الضرائب كمفهوم عام له من الإيجابيات والحسنات الشيء الكثير الذي لو استوعب وفهمت غاياتها وأهدافها لما تم الوقوف في وجهها.
إن المشكلة في النظام الضريبي هي في الكيفية والأهداف التي يسعى إليها المجتمع من فرضه، فالأمر ليس شيئا واحدا وفي كل المجتمعات، إنما لكل مجتمع مبرراته وأهدافه. وفي المجمل العام تعتبر الضرائب من أهم الوسائل التي تستخدم لضبط إيقاع الاقتصاد وتصحيح مواقع الخلل متى ما حصلت. وليسمح لي القارئ العزيز بأن أطرح أمثلة محدودة من بعض قضايا التنمية التي نواجهها في المملكة وإمكانية الاستفادة من النظام الضريبي في حلها.
القضية الأولى التي تشغل الكبير والصغير قضية البطالة لدى السعوديين، فلو كان هناك نظام ضريبي في المملكة لكان من أهم الوسائل التي يمكن استخدامها لتشجيع توظيف السعوديين، حيث تحصل المؤسسات والشركات على ميزات ضريبية في حال توظيفها السعوديين، وبالتالي نتعامل مع المشكلة بمهنية، فمن أراد ذلك فله مميزات ومن أراد أن يدفع سعرا عاليا لاستخدام غير السعوديين فإن المجال متاح له. مع ثقتي بأن منطق الربح والخسارة لدى مكونات القطاع الخاص ستلعب دورها في ضرورة الاستفادة من الخصم الضريبي.
القضية الأخرى التي تؤرقنا هي وجود تباين في معدلات التنمية بين مناطق المملكة، حيث تشهد بعض المناطق هجرة سكانها لعدم توافر الفرص الوظيفية والاستثمارية، وكذلك عدم قدرة المؤسسات المحلية على استغلال الموارد إما لعدم كفاءتها وإما لارتفاع التكاليف لديها، وبالتالي تدني مستوى المعيشة في تلك المناطق مقارنة بالمناطق ذات الثقل الاقتصادي. هذا الواقع التنموي يمكن تغييره عن طريق خلق بيئة مناسبة للاستثمار بإعطاء حوافز ضريبية للأفراد والشركات للتوجه إلى هذه المناطق والاستثمار فيها وإيجاد الفرص الوظيفية وتطوير مكونات الاقتصاد المحلي.
قضية أخرى يشتكي منها الجميع في المملكة ألا وهي قضية المضاربة على الأراضي البيضاء وعدم تنمية الكثير منها على الرغم من وقوعها في أواسط المدن أو في أجزائها النامية على الرغم من مرور المرافق العامة بها، ما يعني إهدار المال العام، خاصة نحن نعرف أن لهذه المرافق عمرا افتراضيا. وفي قضية المضاربة على الأراضي البيضاء نجد أن المشكلة مركبة، فمن ناحية هنالك أموال لدى فئات مختلفة لا تحولها إلى قنوات استثمارية حقيقية (أموال شبه مجمدة)، ومن ناحية أخرى نجد أن ملاك الأراضي مطمئنون لهذا الواقع فيتركون أراضيهم دون تطوير حقيقي، وهذا أحد أسباب عدم توافر السكن لدى كثير من المواطنين، الذي لا يتناسب مع قوة الاقتصاد السعودي ومكانته. فلو كان النظام الضريبي إحدى وسائل توجيه الاقتصاد لدينا لوجدنا الكثير من الحلول سواء بفرض ضرائب على الأراضي البيضاء التي تترك لسنوات طويلة دون تحويلها إلى مشروعات منتجة أو باستخدام الخصم الضريبي وبمعدلات مختلفة لتشجيع توفير الإسكان بدرجات ومستويات وتكاليف متعددة ومتنوعة حسب توجه النظام الضريبي.
لو أردنا أن نستمر في استعراض أمثلة لمدى فاعلية النظام الضريبي في معالجة قضايانا التنموية لاحتجنا إلى مقالات عدة، لكننا نكتفي بما سبق لضيق المساحة المتوافرة، ونخلص إلى القول إن وجود نظام ضريبي وسيلة في أيدي متخذي القرار يمكن توجيهه واستخدام مكوناته مثل فرض الضرائب أو عمل الخصومات الضريبية، وبالتالي يتمكن مسيرو الاقتصاد والتنمية السعودية من معالجة العديد من الانحرافات التي تعتري مسيرة الاقتصاد بإجراءات يفهم أصحاب المال والمصالح أثرها وتأثيرها ويحقق عدالة مبدأ ''خذوا من أغنيائهم وأعطوا فقراءهم'' سواء كان هؤلاء الأغنياء أفرادا أو شركات أو مناطق.
وهنا يبرز السؤال المهم: لماذا نتأخر في إيجاد نظام ضريبي والاستفادة من آلياته؟ من وجهة نظر شخصية إننا في السعودية نميل بصفة عامة إلى آلية اتخاذ القرار التي تتصف بعدم الحاجة إلى المتابعة المستمرة والتداخلات المتشابكة، أو ما يعرف بديناميكية التفاعلات. ولذا قد يكون ذلك هو السبب في عدم الرغبة في نظام ضريبي يتعامل مع سياسات متلاحقة وإجراءات متغيرة وتفضيل آلية الميزانية العامة وتوزيعها كعامل أساسي في إدارة الاقتصاد، وبالتالي إدارة التنمية و''كفى الله المؤمنين القتال''.

ماذا لو؟
ماذا لو طبقت مصلحة الزكاة والدخل الإقرار الضريبي السنوي لكل فرد في المملكة وبناء قاعدة معلومات لذلك كما هو حاصل للشركات؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي