الموقف التركي من سورية .. حدود السياسة وقيود المصالح وضوابط الديمقراطية

كان بالإمكان أن تتجاوز سورية ما يجري فيها من سيل للدماء، وكان بالإمكان أن تستفيد مما جرى في العراق ولبنان وتونس ومصر وتحصن نفسها ليس بالأمن والأجهزة الأمنية، إنما تحصن نفسها بالانفتاح والإصلاح على مجتمعها، والمجتمع السوري حيوي وصاحب تجربة ثرية في البناءات السياسية. وعندما جاء الرئيس بشار الأسد إلى سدة الحكم بعد تعديل عاجل للدستور، كانت نسبة التفاؤل لدى السوريين بالإصلاح تصل إلى 85 في المائة، وكان خطابه في المؤتمر القُطري بيانا انتخابيا، لكن وهج هذا التفاؤل انطفأ مع الوقت وبدأ الحديث عن لوبي وعن قوى شد عكسي ورموز للحرس القديم، وسادت في سورية إرهاصات وتداعيات مرحلة ما بعد صدام حسين ومرحلة ما بعد اغتيال الحريري، وكان كاتم الصوت حاضرا والهروب متوقعا، فهرب عبد الحليم خدام وصمت آخرون، في ظل ذاكرة حية ما زالت ترى ما جرى في حلب وحماه.
غير أن السؤال هو: أي قديم هذا الذي لا يعي حركة المتغيرات السياسية وحقيقة التحولات الاجتماعية، وشروط الدخول للمستقبل؟.. فلبنان تدميه الطائفية، وتغنيه وتحييه الحرية، وتركيا تتغير معالمها لمصلحة حزب إسلامي مؤمن بالتعددية والديمقراطية والإصلاح، وفي العراق ديمقراطية مشوهة وديمقراطية المحاصصة والتدخل الإيراني، وفي الأردن ديمقراطية وأحزاب وحضور كابح للضوابط العشائرية والقبلية، وفي إسرائيل ديمقراطية العسكرتاريا والأيديولوجيا الدينية، وإيران ديمقراطية دكتاتوريا رجال الدين والتمدد الصفوي
مع نهاية الانتخابات البرلمانية التركية التي جرت في 12/6/2011 تكون الحكومة التركية ورئيس الوزراء التركي طيب أردوغان قد تجاوزا إرهاصات مرحلة مهمة ومفصلية في حياة حزب العدالة والتنمية ودوره السياسي في تركيا، وكنا مطمئنين جدا لفوز العدالة والتنمية (327) عضوا في البرلمان التركي الجديد، لكن السؤال هو: كيف تؤثر الانتخابات في السلوك السياسي التركي؟ فهذا السؤال له أهميته في الدول الديمقراطية؛ لأن الحزب أو رئيس الحكومة مرتبط بعلاقات وتحالفات داخلية وخارجية تشكيلة من القوى الوطنية، ولا يستطيع أن يفعل خطابه وحراكه السياسي إلا وفق قيم واضحة ومنظورة، وبالتالي فإن أردوغان لا يستطيع تجاوز معادلة وضوابط ومتطلبات القيم الديمقراطية، ولو دققنا النظر لوجدنا أن السياسة الخارجية التركية كانت أكثر انسجاما مع الحاجات القومية لتركيا وأكثر تأكيدا على الحقيقة السياسية التقليدية بأن قوة السياسة الخارجية متأتية أو انعكاس للسياسة الداخلية، وهذا ما يفسره السلوك السياسي لأردوغان حيال المكونات السياسية والثقافية والقومية في تركيا، وحيال الرئيس السوري بشار الأسد وعلى حالين، حال العلاقة التكاملية ونقيضها السياسي، وهذا يعني أن علاقات الصداقة والتعاون والتفاهم يجب ألا تكون على حساب القيم الحقيقية لتركيا، خاصة في موضوعي حقوق الإنسان وحرية التعبير، فهذان الموضوعان ينظر إليهما الغرب بحساسية كبيرة في علاقته مع أنقرة، وقد وقفا حجر عثرة في طريق تركيا لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي.
ليست هناك دولة مجاورة لسورية منحت دمشق غطاء سياسيا ذهبيا مثل تركيا بالدرجة الأولى وبالدرجة الثانية إسرائيل وبطريقة غير مباشرة؛ لما لذلك صلة بأمنها القومي، فالرئيس أردوغان نقل للرئيس الأسد الهدف من الضغوط على سورية والموقف الأمريكي من الاحتجاجات واحتمالات تطورها، وأكد للرئيس بشار الأسد ضرورة الاستعجال في الإصلاحات السياسية؛ كي لا تمنح سورية الفرصة للغرب تكون فيه سورية ضعيفة، في وقت تتطور فيه الحركة الاحتجاجية، وتتكامل فيه الأهداف السياسية للقوى المتظاهرة، وأكد أردوغان أن موقف أنقرة من دمشق سيكون مرتبطا بالسياسة السورية من حيث التوجهات الإصلاحية الحقيقية، وهذا ما ستدعمه أنقرة وتلتزم بأن تدافع عنه لدى الاتحاد الأوروبي وواشنطن، غير أن أنقرة أكدت مرارا أن هذا الالتزام ليس أبديا، بل مشروط، إنه في حال عدم القيام بإصلاحات حقيقية واستمرارية العنف وارتكاب المجازر الدموية فإن تركيا ستكون نصيرة للحرية والديمقراطية ومدافعة ونصيرة للشعوب، كما حرصت تركيا على أن توضح لدمشق قدرتها على توظيف القوة الناعمة التركية لخدمة قيام سورية بإصلاحات حقيقية، فالتقى في إسطنبول وفد أمني سوري بقياديين من حركة الإخوان المسلمين السوريين وبرعاية أمنية تركية، وكان الاتفاق بأن تضمن تركيا عدم ارتفاع وتيرة المطالبات برحيل النظام السياسي، مقابل إلغاء دمشق رسميا حظر جماعة الإخوان المسلمين، والعفو عن المعتقلين وإعادة ما صودر لهم إبان مجزرة حماه الشهيرة، غير أن الإخوان أكدوا أن المسألة اليوم لم تعد قضيتهم فقط، بل قضية وطنية شاملة، ولن نرضى بأن نكون حركة انتهازية، وقرنوا مطالبهم تلك بأن يتم في إطار رؤية شاملة ووطنية للإصلاح السياسي يشارك فيها جميع القوى السياسية السورية، ويفتح حرية العمل السياسي والحزبي وانتخابات برلمانية ورئاسية، ولعل الربيع العربي كله جاء ليؤكد أن النظم الجمهورية أسست على أن تكون جمهوريات انتخابية وليست جمهوريات وراثية، ولعل ما حدث شكل البناء المتأزم لجميع هذه الأنظمة، وذلك لغياب المؤسسات المدنية وتقييد المشاركة وعدم العمل بتداول السلطة.
الانتخابات تعني تحقق الانفراج السياسي والاحتكام لقوانين اللعبة الديمقراطية، وطبعا هذه القوانين ستشارك في صياغتها القوى السياسية التي لم تعد مهمشة ولا يمكن الزج بها في السجون لمجرد أنها تحدثت برأي سياسي إشكالي، ولا يمكن اتهامها بتعريض الوحدة الوطنية والأمن القومي للخطر، فكل هذه المفردات ستغيب، حتى الحزب الواحد لن يصمد ليس بسبب ضعفه واهترائه، إنما لكون ظاهرة الحزب الواحد تلاشت. وبحسب دراسة ميدانية لجهة سورية رسمية فإنها تتوقع أنه في حال الانفتاح السياسي، فإن 45 في المائة من تنظيم البعث سيجد نفسه خارج سياق الالتزام الحزبي، وربما في أحزاب بديلة وربما مناوئة لأفكاره، فالانتماء تحت ظلال سيف القوة له أسبابه واعتباراته، ولعل النموذج الشيوعي والبعث العراقي والوطني المصري والدستوري التونسي ماثل للعيان.
الرئيس التركي أردوغان من أكثر رؤساء الدول الذين منحوا القيادة السورية غطاءات سياسية مقابل الاستعجال بالإصلاحات السياسية ومنح الأسد مانويل التغيير وإرشاداته وخطوطه ومفاتيحه، وكانت القيادة السورية تعده بأنها تعمل على تحقيق ما يمكن من الإصلاحات، ويقال أن الرئيس بشار الأسد ليست لديه موانع من القيام بالإصلاحات السياسية المطلوبة، غير أن قوى الشد العكسي وقوى الفساد والمصالح لها رأي مخالف أيضا، فالإصلاح يعني محاربة الفساد، والفساد حسب الأسد يعني محاربة الطائفية، والمؤسسات المدنية كفيلة بسيادة دولة القانون، وإضعاف مراكز القوى المسيطرة وتقوية المؤسسات على حساب هيمنة الأفراد، فالأفراد ذاهبون والمؤسسات باقية، ولهذا فإن مخرجات القرار الرئاسي في الموضوع الإصلاحي لم تكن كافية ولم تستقرئ ما يجري بحكمة عالية ومستقبلية، ولم تلب الشروط، أو ما تم التفاهم عليه مع أنقرة، ولا الوعود التي قطعت، ولهذا كان غضب أردوغان واضحا؛ لأنه تمكن من تهدئة الموقف الأوروبي والأمريكي، وقال: إن الأسد لديه رؤية إصلاحية يعمل على تنفيذها ومن المبكر جدا الحديث عن الرحيل، غير أن الوقت يمضي!!
ما الذي تغير في الموقف التركي؟ الذي تغير أن الإصلاحات لم تأت وأن دورة العنف تدور وتشتعل والمطالب في ازدياد ولا مجال لغير القوة والعنف، ولا يمكن الصمت إزاء ما يجري، نزوح وعنف ومقابر جماعية، وهذا محرج لتركيا وموقفها من الأسد، وأردوغان محكوم بعوامل وظروف تحد من إمكانية استمراريته في دعم الأسد، ولعل الموقف من الديمقراطية والإصلاح السياسي، وحرية الرأي والتعبير وحماية المدنيين، تعد ديباجة أسياسية للدول الغربية، وتقيم على أساسها الدول والأحزاب والشخصيات، وحزب العدالة والتنمية قدم نفسه مدافعا عن الحرية والتعددية والنهج الديمقراطي، والانتخابات التركية والقوى الفاعلة فيها تقيّم موقفها وتحالفاتها مع أردوغان وفقا لهذه الرؤية، وبالتالي فالدفاع التركي عن الأسد محدد ومشروط، لا بل إن أردوغان وعبر مدير مخابراته حقي فيدان أبلغ دمشق بحدود وشروط الموقف التركي، وعليه لا يمكن لأردوغان أن يصمت عندما يرى أن الوعود الإصلاحية لم تتحقق وأن دورة العنف بدأ صداها في (الإسكندرون).
الإصلاحات التي جاءت لم تكن بقوة الطوفان القادم، ولم تكن على دراية بأن حقائق القوة في الأمس لم تعد هي حقائق القوة اليوم، فالرؤساء ينزلون عن بروجهم لأجل شعوبهم، يقتربون ويبادرون ويضمدون الجراح، ويبنون قواعد الدبلوماسية العامة مع القوى الاجتماعية والسياسية، ولا مجال لغير الحوار سبيلا، فبادر شقيقه باستخدام القوة، وبات الحل الأمني يعطي نتائج عكسية، في ظرف دولي متغير وإقليمي حائر وقلق، يؤكد أن الشعوب أصبحت تمتلك القوة على إحراج قياداتها، وهناك تجارب ماثلة للعيان وسورية لا تختلف عن الآخرين.
لم يتصرف أردوغان كموظف عند واشنطن ولا عميل لـ ''سي آي إيه'' كما يصوره كتبة التدخل السريع ومقاولو الفضائيات، تصرف بموجب إملاءات داخلية بعضها تحكمه قيم تركيا السياسية وبعضه قيم وأخلاقيات العدالة والتنمية، لكنها أخلاقيات تؤمن بأن السلطة المطلقة والأحزاب المطلقة ظاهرة انتهت في القاموس السياسي، وأن تزوير إرادة الشعوب ليس دليلا على الشعبية، وأن العمل الحقيقي رأسمال كاف للنجاح.
أرسل مدير مخابراته مرة ثانية وثالثة للقيادة السورية لبحث الإصلاحات ووضعها في صورة ما يجري، فكانت الشكوى من الإخوان المسلمين، رتبت أنقرة لقاء بين المخابرات السورية والإخوان برعاية تركية في إسطنبول، وضغطت أنقرة على الإخوان لقبول اللقاء، فطالب الإخوان بحرية العمل السياسي والإصلاح السياسي، وحرية الرأي والتعبير، وتغيير الدستور وإلغاء بعض القوانين والتفاهم مع القوى الوطنية على ملامح الإصلاح السياسي المنشود، فقد أكد الإخوان أن ما يجري في سورية اليوم لا يهم الإخوان وحدهم وهم ليسوا بديلا أو ناطقا باسم أحد، وكان الاتفاق إرجاء المطالبة برحيل الأسد ريثما تتم ترجمة هذه الوعود السورية، غير أن الأسد يرى أن الإصلاح لا يتم في أسبوعين، ومع ذلك أكد الإخوان أنهم لن يكفوا عن دعم الاحتجاج الشعبي، وأن خطابهم السياسي سيتطور بحسب استجابة أو عدم استجابة الأسد للمطالب الوطنية بالإصلاح، فجاءت النتائج الإصلاحية شكلية ومخيبة للآمال، خاصة بعد أن خرج فاروق الشرع ليقول انتظروا خطاب الرئيس، خطاب المفاجأة، وزادت موجة العنف الدموي والمجاز والمقابر الجماعية ومهما كان فاعلها، والحقيقة السياسية تقول عندما يضعف المركز تتقوى الأطراف، فكل عمل سلبي سيكون في وجه القيادة السورية مهما كان مرتكبه، ولن يثق السوريون وغيرهم بالدعاية السياسية بأن ما يجري «عصابات مسلحة»؛ لأن الذاكرة حية، ففي مصر قالوا بلطجية، وفي ليبيا قالوا قاعدة وسلفية وحبوب هلوسة، وفي سورية ظهر الشبيحة.
لم تفعل دمشق كثيرا وكانت تعتقد أن أوراقها ما زالت رابحة، وأن بمقدورها الحفاظ على التوازن الداخلي والخارجي وضبط الأمن والاستقرار، وكانت ترمي بذلك على مدى تفاعل المؤشرات الخارجية، وبخاصة الموقف الأمريكي والفرنسي والبريطاني حتى تطور لغاية وضع القيادة السورية على اللائحة السوداء والحديث عن فقدان الشرعية، في وقت منحت فيه الأسد فرصا كافية لتجاوز التعقيدات الداخلية، منحوه الفرصة بوضع شقيقه ودائرته على القائمة السوداء، غير أن المحللين يرون أن هذه الخطوة كشفت أن الحاكم الفعلي ماهر الأسد، ويكشف أردوغان أنه ''تحدث مع الأسد قبل أربعة أو خمسة أيام وتناول معه بشكل واضح الأوضاع، ويقول أردوغان مع ذلك هم لا يزالون ينظرون بخفة إلى الأمر. ومع الأسف يقولون لنا أشياء مختلفة. ومع الأسف أقول بشكل واضح جدا أن شقيقه (ماهر) لا يتصرف بطريقة إنسانية، وأعتقد أنهم يقومون باستعراضات في جثث النساء اللواتي قتلوهن للتو. ذلك يعطي انطباعا كريها. هذه الصور تتعذر تركيا عن استساغتها.
اشتداد الأزمة ودورة العنف والكشف عن مقابر جماعية، ومقتل الطفل الخطيب كان عاملا استثنائيا في مضاعفة الضغوط الخارجية وازدياد وتيرتها الداخلية، أغلقت دمشق الطريق أمام النازحين باتجاه الرمثا الأردنية وباتجاه لبنان كان محدودا بعد السيطرة العسكرية على تلكلخ التي هزت المجتمع السوري وانتقلت تصاعديا ناحية جسر الشغور وبلغ عدد النازحين 8500 شخص، وأنقرة رحبت باللاجئين النازحين وتعتبرهم ضيوفا على تركيا، وضيوف تركيا متوقع تضاعف أعدادهم وأنقرة تفكر أن هذا الأمر يستدعي التدخل وعمل ملاذ إنساني داخل الأراضي السورية، ودمشق لا يمكنها إغلاق الحدود مع أنقرة، لكنها تحاول منع النازحين بالقوة.
حماية المدنيين وإيواء النازحين قد تفرض على أنقرة التدخل في الأراضي السورية، وهذا يحتاج إلى آلية قانونية وشرعية وموافقة ومباركة من حلف الناتو وربما قرار من مجلس الأمن الدولي، في وقت قد يتطور الموقف الدولي بفرض حظر الطيران، وهناك شبه موافقة أمريكية وفرنسية وبريطانية على نقل ملف سورية إلى مجلس الأمن الدولي، وتصعيد الموقف ليطول شرعية الرئيس، والبحث عن جهة يتم اعتمادها للحوار وللمستقبل.
دمشق ترى أن أوراقها بدأت في السقوط، والسقوط سببه ضعف في إدارة الأزمة، ضعف في تقدير الموقف وضعف في الإجراءات التي تطفئ الحرائق بدلا من أن تزيد سعيرها، فإيران تعترف بأن سقوط دمشق له صداه على طهران، وإسرائيل تؤكد أن طهران قرأت المؤشرات السورية وأرسلت قطعا بحرية لتدارك تداعيات ما قد يحدث في دمشق، وحزب الله يعد أرقامه بشكل متعاكس، نصر الله تنبأ بقسمة سورية، وفي التحليل النفسي يعني ذلك نوعا من الإرهاب والتخويف من واقعه يراها تتحقق وتتضعضع أركانها، فهي مؤشر على قراءة واطلاع داخلي، ورؤية نصر الله أسهمت في حل عقدة الحكومة اللبنانية، والرئيس الأسد لا يرد على مكالمات الأمين العام للأمم المتحدة، ودبلوماسيا فإن إبقاء قنوات الاتصال الدبلوماسي حية ومفتوحة تعكس قوة وشرعية النظام وتعكس مؤشرا على الاستقرار وفتح النوافذ للقوة الناعمة، وبيان القدرة على التفاعل والتعاون والمؤسسات الدولية وعلى الأقل عدم خسارتها وانقلابها بالضد، ما لم تكن الرئاسة السورية قد حسمت الأمر مع الأمم المتحدة ضمن رؤيتها لما يجري، في وقت يتطور فيه الملف النووي السوري ويتصاعد نحو تعزيز الاتهامات لدمشق، ومحكمة الحريري ما زالت قائمة وتتفاعل وربما تتطور أيضا، فكلها قضايا وحقول ألغام تثار في وجه الرئاسة السورية، والموقف الروسي بدأ نغمة التغير في لقائه وفد المعارضة السورية، وربما تنتظر موسكو عروضا أفضل من قبل واشنطن وحلف الناتو، كما كان الأمر في ليبيا، فموسكو حسمت خياراتها منذ زمن بعيد لناحية الصفقات الرابحة وضربت عرض الحائط بالقيم الأيديولوجية، والمثالان العراقي والليبي واضحان.
من المتوقع تطور الأحداث ومضاعفة الأزمة نظرا للجوء الحكومة السورية للحل الأمني عالي الشدة، في ظل ضعف آليات الحوار السياسي الحقيقية وهشاشتها وعدم جديتها والثقة المعدومة بين الطرفين، والمخاوف التي ما زالت تعيشها المعارضة، فالبيئة قلقة ويسودها الشك المتقابل، وعدم الاعتراف بالقوى الوطنية والتشكيك في وطنية المعارضة وتبعيتها للخارج، والاتهامات لقوى محرضة خارجية وعدم الاعتراف بوجود مشكلة وأزمة في بنية النظام السياسي نفسه، ومشكلة حريات مزمنة وهي التي جعلت خطوط وخيوط الاتصال متصلبة، فسورية لم تقرأ التداعيات التي فرضها الربيع العربي، وما زالت تؤمن بالممانعة والمقاومة وخلاصة القول تفيد، قوة السلطة داخليا، بعد الاحتجاجات العربية انقلبت إلى حالة ضعف، فهي لم تمتلك آلية شرعية ومدنية للحوار وفضلت الحل الأمني؛ لأنه الحل المترسخ في طبيعة تعامل السلطة مع مجتمعها ولغياب عقد اجتماعي سياسي حقيقي يكسب النظام بعض الحيوية في التعامل مع الأزمات الداخلية، ناهيك عن عدم الاعتناء بشيء اسمه التحولات الاجتماعية السياسية والاقتصادية والاعتقاد بصلاحية الحزب الواحد والقائد في مجتمعات يزداد فيها الفقر والبطالة والفساد وضبابية المستقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي