مختصون يدعون لإيجاد تصاميم مناسبة للمساجد تتلاءم مع البيئة المحلية
تواصل ''الاقتصادية'' فتح ملفات متعلقة بالمساجد رغبة منها في المساهمة في الارتقاء بالمساجد، وسيكون الحديث على عدة حلقات عن تصميم المساجد وعوامل السلامة بها، وكيفية تصميم مساجد مثالية نموذجية تسهم في تحقيق الراحة للمصلين وفيها حلول للترشيد، وغير ذلك من الأمور المتعلقة بالمساجد وتصميمها، وستكون حلقة اليوم هي الأولى التي يتم تناول تصميم المساجد فيها بتوسع بمشاركة متخصصين في مجال العمارة والهندسة، وسيكون محور الحديث في هذه الحلقة عن التصميم ومراعاة ظروف البيئة وأهمية وجود الفتحات المساعدة على دخول الضوء للمساجد للاستفادة منه.
تصميم المنبر
بداية يقول المهندس محمد الأحمد: تختلف مساحة الخدمات حسب نوع المسجد، فالمسجد المحلي يحتاج المصلي فيه إلى مساحة خدمات بمقدار 1.2 متر مربع، أما المسجد الجامع فيحتاج فيه المصلي إلى مساحة خدمات بمقدار 1.3 إلى 1.4 متر مربع. ويراعى في تصميم المنبر صغر الحجم، حتى لا يشغل حيزا كبيرا، ولا يؤدي إلى قطع الصفوف الأولى للمصلين. كما يراعى الحفاظ على طهارة المسجد في تصميم الميضأة ودورات المياه وتحديد مواقعها، ويتم حساب عدد مرحاض واحد وصنبورين لكل 40 مصليا، مع توفير عدد المداخل وأبواب المناسبة لمساحة المسجد، وأن تختار أماكنها، حيث تيسر الدخول والخروج، ودون أن تؤدي إلى تخطي رقاب المصلين، وكذلك عزل مدخل النساء تماما عن مدخل الرجال.
ويضيف: كما يفضل استخدام أسلوب إنشائي يسمح بتغطية فراغ بيت الصلاة دون استخدام ركائز داخلية أو بأقل عدد منها.
ويراعى عموما البساطة وتحقيق معنى الصفاء والهدوء والتجرد في التشكيل الداخلي للفراغات، وكذا التشكيل الخارجي للمسجد، مع التأكيد على معاني العلو والرفعة في التشكيل العام للمسجد.
ويشير إلى أهمية دراسة الصوتيات في المسجد والتعمق في تحليل اتجاهاتها وقوتها، حتى يشعر المصلي في أي ركن في المسجد بالراحة التامة من الضوضاء، والسماع الكامل الواضح لعظات وصلوات الإمام.
ويجب أن يكون المسجد مضاء في جميع أركانه بضوء يسمح لقارئ القرآن الجالس على الأرض بالرؤية الواضحة لما يقرأ، حيث تجنب الإضاءات الخافتة.
وبالنسبة لاستخدام الزخارف داخل المسجد، فيجب عند استخدامها مراعاة المواد الأولى لها مثل الرخام والخزف المتميزة بقوة السطح والعمر الافتراضي الطويل مقارنة بالمواد الأخرى، كما أنها سهلة التنظيف.
ويشير الأحمد إلى أنه عند بداية تأسيس الدولة الإسلامية بعد هجرة الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ كان أول ما أمر به بناء المسجد، وكان المسجد هو نقطة انطلاق أساسية للمدينة المنورة التي كانت عاصمة الدولة الإسلامية في عهد الرسول.
وبعد انتقال مقر الحكم إلى دمشق وبغداد وغيرهما من العواصم الإسلامية، كان أول ما بدئ به هو بناء المسجد نظرا لكونه نواة التخطيط في جميع العصور الإسلامية.
ومع زيادة رقعة الدولة الإسلامية وامتداد مساحتها الجغرافية، أخذ طراز عمارة المساجد في التنوع حسب البيئة التي يتم البناء فيها.
وأفاد بأن عناصر ومكونات المسجد تبدأ بالمصلى وهو القسم الرئيس في المسجد، حيث تقام الصلاة وتلقى الخطب ويتم تبادل الأفكار فيه والتفكير في أمور المسلمين، والمصلى عادة ما يكون مستطيل الشكل، ضلعه الأطول في اتجاه القبلة، ويضم ضلع القبلة كلا من المحراب والمنبر.
فيما يعتبر المسقط المستطيل هو الغالب على أكثر المساجد المبنية، ويلاحظ عموما أن الضلع الأطول للمسجد يكون موازيا لحائط القبلة، لما يعطيه من تأكيد لاتجاه القبلة.
يتم توجيه بيت الصلاة نحو القبلة، أو المسجد الحرام في مكة، أما باقي عناصره فيتم توجيهها حسب الغرض منها، حيث لا تؤثر في كفاءة التصميم للمسجد، كما يجب الأخذ في الاعتبار التأكيد على اتجاه القبلة باستخدام شتى الوسائل المعمارية، مع إخلاء حائط القبلة من أية فتحات في مستوى نظر المصلين.
ويحتاج المصلي إلى مساحة صافية متر مربع واحد، على أساس أن المساحة اللازمة في حدود 0.8×1.2 متر تقريبا، وتختلف المساحة الكلية للمسجد حسب نوع الخدمة التي يقدمها، وبذلك تقدر بعدد المصلين، إضافة إلى مسطح الخدمات المطلوبة، مع العلم بأن المساحة المحددة لا تشمل الساحات الخارجية أو مواقف السيارات أو الملحقات غير التقليدية كبيوت الضيافة أو العيادات الطبية.
متحررة في استهلاكها للكهرباء
ومن جانبه يقول الدكتور أحمد حنفي مختار أستاذ الهندسة المعمارية المشارك في الجامعة الأمريكية في الشارقة في بحث له، كما هو معلوم أن المساجد في دول مجلس التعاون الخليجي تنزع إلى أن تكون متحررة في استهلاكها للكهرباء، باعتبار أن أجهزة تكييف الهواء ضرورة أساسية، ولأن الكهرباء عادة توفر مجانا للمساجد في هذه الدول، وللأسف أنه ليس هناك دافع للمستهلكين إلى تقليل استهلاك الكهرباء فيها، ويكاد يكون ذلك معدوما، سواء عند تصميمها أو تشغيلها.
وأضاف: ليس غريبا أن تجد مسجدا مضاء بكامل إنارته الداخلية في منتصف النهار، والمكيّفات فيه تعمل بشكل شبه متواصل للوصول إلى درجة حرارة أبرد من اللازم، رغم وجود شخصين أو ثلاثة داخل المسجد في غير أوقات الصلاة، ويقع جزء من المسؤولية عن هذا الإسراف على المشرفين على المساجد، ومعظمهم قليلو الوعي بعواقب هذا النمط من الاستهلاك. لكن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق مصمم المسجد، إذ من الممكن أن يراعي التصميم الهندسي ضعف الوعي لدى المستخدم، بل إن كثيرا من تصاميم المساجد لا تساعد حتى من لديه وعي ورغبة في تقليل الاستهلاك، خاصة خلال فترة المناخ الحار والرطب، فكان لا بد من استعمال أجهزة التكييف، ولكن مع مراعاة أمرين: الأول هو تقليل الأحمال الحرارية قدر الإمكان من خلال الاختيار الصحيح للتصاميم المعمارية، وبالتالي تقليل حجم أجهزة التكييف ومقدار استهلاكها. أما الأمر الثاني فهو استعمال الطاقة الطبيعية الموجودة في الموقع والمستمدة من أشعة الشمس قدر الإمكان لتشغيل هذه الأجهزة. ويرى أنه لا بد من تدريب الدارسين على إنجاز تصاميم معمارية جيدة وذلك بانتهاجهم طريقة مختلفة للوصول إلى تصاميم تعتمد أساسا على المتطلبات البيئية وتعمل على تقليل استهلاك الطاقة المطلوبة لخدمة المسجد. وبالتالي أصبح الاهتمام بمتطلبات الطاقة في أولويات تفكيرهم، وهو ما أرجو أن يحافظوا عليه طوال حياتهم العملية كمعماريين.
مراعاة بعض الجوانب
ويشير الداعية الشيخ مساعد الشهري إلى أن مراعاة بعض الجوانب عند تصميم المساجد أمر مطلوب، حتى لا يكون هناك مشكلات تظهر مستقبلا في المساجد، ولعل من هذه الجوانب التي ينبغي التنبه لها عدم الإكثار من الأعمدة داخل المساجد مع فائدتها في الصلاة خلفها كسترة، لكن عدم وجودها يعطي الداخل إلى المسجد راحة لعينيه، من حيث انتشار الرؤية، وعدم وجود ما يعرضها.
كما أن الارتفاع الباهر والشاهق لسقف المسجد غير مستحسن لأنه قد يُحتاج مع ذلك إلى سلالم خاصة أو ما يسمى ''سقالة''، ويُحتاج لها إلى مكان خاص، وقد يضيق المسجد بسببها.
وهذا الارتفاع يسبب المشقة عند تغيير الإضاءة وصعوبة الدهان عند الحاجة.