مؤسسة تمويل خليجية تعتمد هيئة شرعية ثانية لتمرير معاملات ربوية
دُهشت إحدى الهيئات الشرعية في إحدى المؤسسات المالية الكويتية برفض إحدى مؤسسات التمويل الإسلامي التي تشرف عليها شرعيا وبموافقة الهيئة العمومية فيها منحها الوثائق اللازمة للقيام بعمليات الرقابة الشرعية، هذا على الرغم من أن شركة التمويل الإسلامي هذه لم تدفع المستحقات المالية المترتبة عليها للهيئة الشرعية الحقيقية، وبعد جدال قانوني وشرعي اتضح للهيئة الشرعية بأن مؤسسة التمويل تلك قامت بأعمال مخالفة للشريعة، وذلك بالتمويل من بنوك ربوية ودون الرجوع لها في هذا التمويل، وبعد جدال اتضح للهيئة الشرعية وبالوثائق حقيقة التمويل الربوي، ولم يتوقف الأمر عند هذا الجانب فقط، بل اكتشفت الهيئة الأصلية وجود هيئة شرعية ثانية اعتمدتها مؤسسة التمويل هذه لتمرير تمويلات تقول عنها ربوية الطابع، وهذا فيه تجاوز على قرار الهيئة العمومية لهذه المؤسسة وخلافا لقرارات البنك المركزي الكويتي التي تنص على هيئة شرعية معتمدة من الهيئة العمومية.
#2#
واللافت للانتباه أيضا أن رئيس الهيئة الشرعية (الثانية) يعمل موظفا في هذه المؤسسة بحسب الوثائق التي حصلت عليها الهيئة الشرعية الأولى المعتمدة، ويعتبر هذا نوعا من تعارض المصالح، هذا على الرغم من أن قرارات الهيئة الشرعية فيما يختص بنطاق عملها داخل المؤسسة المالية تكتسب صفة الإلزامية ولا يمكن اللجوء لغيرها إلا بعلمها وفي عمليات محددة لا تمتلك فيها الأولى خبرة كافية، كما أن الالتزام بقرارات الهيئة الشرعية يعكس التزام المؤسسة المالية الإسلامية بقرارات عقد التأسيس للمؤسسة المالية التي اشترطت على نفسها العمل المصرفي المتوافق مع الشريعة الإسلامية، وكذلك يأتي الالتزام والإلزام من خلال الأنظمة الرقابية في الدولة التي تفرض على المؤسسة المالية الإسلامية الالتزام بقرارات الهيئة الشرعية الخاصة بها للتحقق من مصداقيتها أمام الجمهور والقانون.
الشايجي يوضح الملابسات
وكان الدكتور عبد الرزاق الشايجي، رئيس مجلس إدارة شركة المشورة والراية للاستشارات المالية الإسلامية – الكويت، رئيس الهيئة الشرعية لشركة استثمار وتمويل إسلامي تعمل في الكويت، قد فجر قنبلة من العيار الثقيل عندما أوضح للمساهمين الحاضرين في الجمعية العمومية لتلك الشركة أن الهيئة الشرعية برئاسته تتحفظ على أعمال الشركة التمويلية والاستثمارية بسبب عدم تمكين الهيئة الشرعية من التدقيق على أعمال الشركة لمدة عام كامل.
وكان الشايجي قد فوجئ بأن الشركة قد عيّنت هيئة شرعية بديلة عن هيئته بشكل مخالف لقرارات الجمعية العمومية التي عينته وهيئته في آخر اجتماع لها العام الماضي. ما دعاه إلى اعتلاء المنصة في الجمعية العمومية للشركة التي عقدت الأسبوع قبل الماضي سابقا رئيس الهيئة الشرعية الجديدة البديلة، ووضحا للمساهمين الأخطاء والتجاوزات التي ارتكبتها شركة الاستثمار والتمويل التي تعد مخالفة لنظامها الأساسي بكونها تعمل وفقا للشريعة الإسلامية.
وفي تصريحات خاصة لـ ''الاقتصادية'' قال الشايجي: إنه اضطر إلى فعل ذلك من أجل إيضاح الحق ووضع حد لمثل هذه الممارسة السيئة التي من شأنها أن تبتر أعمال الهيئات الشرعية من جذورها؛ ما يؤدي إلى الاستخفاف بها والتقليل من شأنها بما يسمح لمؤسسات أخرى أن ترتكب مثل ما ارتكبته تلك الشركة فيصبح تعيين الهيئات الشرعية على أساس ''من يماشي أهواءنا عيّناه، ومن خالفنا عزلناه''، على حد وصفه.
وعن الهيئة الشرعية الجديدة التي تم تعيينها بدلا من هيئته الشرعية المعينة من قبل الجمعية العمومية، قال الشايجي: إنه يشعر بالأسى والأسف أن تصدر مثل تلك الممارسات من هيئة شرعية، ولو كان الأمر متعلقا فقط بممارسة خاطئة من قبل إدارة الشركة لكان أخف بلاءً، لكن الأدهى والأمر أن تقبل الهيئة الشرعية الجديدة تعيينها دون علم الجمعية العمومية مع علمها أن هيئتنا الشرعية لم تنهِ مدتها القانونية بعد، ومع علمها أيضا أنها لم تتمكن في غضون بضعة أسابيع من القيام بعمليات التدقيق لأعمال الشركة لمدة عام مضى. وأضاف الشايجي: إن الهيئة الشرعية الجديدة ربما يمكننا أن نكيف وضعها من الناحية القانونية على أنه فيه شيء من الانتحال، ولولا أننا لم نحضر للجمعية العمومية ونوضح الأمر للمساهمين، لمر تعيين الهيئة الجديدة على المساهمين دون إيضاح يذكر. وأشار الشايجي إلى أنه من المتعارف عليه أخلاقيا بين المشايخ أن يقوموا بالاتصال ببعضهم البعض عندما يعلمون أن شركة ما تريد استبدال أحدهم بالآخر في عضويتها، وذلك من باب تطييب الخواطر أولا ومن باب التأكد من السلامة القانونية للاستبدال ثانيا، لكننا لم نتلق أي اتصال من أي عضو في الهيئة الجديدة لا من قبيل الباب الأول ولا من قبيل الباب الثاني.
وأوضح الشايجي، أن هيئته الشرعية قامت بدراسة الرأي الشرعي المبدئي من قبل الهيئة الشرعية الجديدة في أعمال شركة التمويل والاستثمار ووجدت فيه إقرارا واضحا بحصول الشركة على قروض ربوية مع تبرير شرعي لها. فقد ورد في نص رأي الهيئة الشرعية الجديدة في تقريرها الموجه لمساهمي الشركة: ''وما ظهر لنا من ملاحظات ليس له أثر شرعي على إيرادات الشركة''. مع العلم أن التقرير لم يوضح ما هي الملاحظات. كما أنه من المعلوم أن هناك ملاحظات شرعية قد لا يكون لها أثر شرعي على الإيرادات، لكن من الواجب إنهاؤها أو التعامل معها بشكل ينهي مساسها المخالف للشريعة. إن نص العبارة السابقة يجعل القارئ يهيأ له أنه حصل على رأي من الهيئة الشرعية، إلا أن الرأي في حقيقة الأمر غير واضح وربما يكون مضللا.
وقال الشايجي: إننا قمنا مرارا وتكرارا خلال العام المنتهي بتاريخ 31 كانون الأول (ديسمبر) 2010 بالطلب من شركة التمويل والاستثمار أن تمكنا من إجراء عمليات التدقيق الشرعي الدورية عليها، إلا أننا لم نتلق أي رد إيجابي منها، كما أننا لم نتلق أي خطاب منها يفيدنا بأن الجمعية العمومية قررت الاستغناء عن خدماتنا وهو ما يبقينا قانونيا معينين حتى نهاية هذا العام ومسؤولين أمام الله أولا.. ثم المساهمين ثانيا والرأي العام المسلم ثالثا أن نعطي رأينا الشرعي في أعمال تلك الشركة التي من المؤكد أنها أجرت الكثير من العقود لم تعرض على أي هيئة شرعية، حيث إن هيئتنا الشرعية أعلنت عدم تعاون الشركة وتابعاتها وأنها كمراقب شرعي لم تتمكن من الاطلاع على عقودهم لمدة عام. كما أن الهيئة الجديدة للشركة وتابعاتها لم يعرض عليها أية عقود قبل تنفيذها مما يدل على أن علميات الشركة المذكورة وشركاتها التابعة تمت بالكامل لمدة عام دون رقيب أو حسيب شرعي! وهذا بحد ذاته يضعف موقف الهيئة الشرعية الجديدة التي قبلت بالنزول على عقد سار مع هيئة شرعية قديمة في الوقت الضائع.
وأضاف الشايجي: إنه قد ورد في تقرير الهيئة الشرعية الجديدة أن شركات تابعة للشركة الأم قد حصلت على تمويل ربوي ''لسد احتياجات أساسية'' مع انعدام فرص التمويل في كل من إسبانيا وإفريقيا. وهذا أمر يجعلنا نطرح سؤالا مهما: هل يجوز التعامل بالربا لسد الاحتياجات؟ مع العلم أن هذا الاحتياج خاص وليس عاما، أي أنه ليس احتياجا يتعلق بالمجتمع الإسلامي أو الأمة المسلمة، بل يتعلق بأمور تجارية وليست فردية أيضا. أما الأمر الآخر فيتجلى في انعدام فرص التمويل الإسلامي في إسبانيا وإفريقيا. وهذا أمر فيه تبرير غير صحيح، فإفريقيا قارة وفيها العديد من البنوك الإسلامية، والشركات العاملة في إسبانيا يمكنها الحصول على تمويل إسلامي من أي بنك إسلامي في أوروبا.. ومع هذا، لنفرض أن التمويل الإسلامي معدوم في إسبانيا وإفريقيا، فكيف يمكن لشركة تؤسس نفسها في بيئة غير إسلامية ألا تأخذ في عين الاعتبار توفير الموارد المالية الشرعية وتخطط لتلك الموارد قبل التأسيس؟
وعن مدى صحة الأنباء التي تم تناقلها عن إشكالات مالية بين هيئته الشرعية وشركة التمويل والاستثمار، قال الشايجي: إن هذا الموضوع محمول على غير حقيقته. الشركة المذكورة وشركاتها التابعة لم تدفع لنا أتعابنا لمدة ثلاث سنوات. تخيل أنك لا تحصل على أتعابك لمدة ثلاث سنوات وأنك أيضا لا تلجأ للقضاء من أجل الحصول على تلك الأتعاب!! لقد تعاملنا بكل نبل تفرضه علينا أخلاقنا الإسلامية في التعامل مع المدين المعسر ''فنظرة إلى ميسرة''. ولا أعتقد أنه يمكن لعقل منصف أن يصدق أن شخصا صبر على منعه من أجره ثلاث سنوات ولم يلجأ للقضاء ولا التحكيم أن يكون غير منصف في تعامله، خصوصا إن كان تعامله متعلقا بتحكيم الشريعة.
أين استقلالية الهيئات الشرعية؟
والسؤال الذي يطرح نفسه في حال ثبوت صحة قيام الهيئة الشرعية الثانية بالموافقة على تمويلات ربوية: كيف يمكن الطعن في أهليتها، خاصة أنها تعلم بأنها غير معينة ومعتمدة من الهيئة العمومية حيث أوردت الصحافة الكويتية خبرا لم يتم التأكد منه بإبلاغ هذه الهيئة البنك المركزي الكويتي نيتها تغيير هيئتها الشرعية الأولى، وفي حال إبلاغها البنك المركزي كيف يتسنى لهيئة شرعية جديدة النظر في أعمال الشركة عن عام كامل خلال أسبوع؟.. وفي حال ثبوت واقعة ربوية كيف سينظر لشخوص هذه الهيئة التي وافقت على إجازة التمويل بقروض ربوية من قبل مؤسسة مالية أجنبية، وفي حال ثبتت شبهة التمول الربوي هل سيتم استعمال الهيئة في مؤسسات مالية إسلامية أخرى، ومن الجهات المسؤولة عن الجوانب الاعتبارية لحماية صناعة المصرفية الإسلامية؟
هذه القضية فتحت النقاش عاليا حول طبيعة عمل العديد من الهيئات الشرعية في البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية في دول الخليج وعدم استقلاليتها من ناحية وضعف أهليتها الشرعية والأكاديمية من ناحية وترخص بعضها لغايات مالية محضة.