ملامح القائد التطوعي (2)
القائد التطوعي ينظر من خلال ثلاث أعين، كما أشرنا في المقال السابق، عين على المهمة التطوعية وعين على فريق العمل وعين ثالثة على كل متطوع معه. هذا المقال يسلط الضوء على سمات للقائد التطوعي تمكنه من رؤية المنظر كاملاً بأبعاده الثلاثة.
العيش في ظل ما يسمى الدولة الراعية يدعو كثيراً من أفراد المجتمعات العربية إلى الاسترخاء في انتظار الخدمات التي تقدمها الدولة لهم، لكن تعقيد الحياة وترهل الأنظمة حال دون توفير حياة كريمة لكل شرائح المجتمع، وهنا تظهر أولى سمات القائد التطوعي وهي المبادرة إلى اكتشاف مناطق الحاجة والعمل على حشد الموارد لها. كثير من المتطوعين لا يمانعون من التطوع إذا ما طرقت أبوابهم وقدمت لهم الدعوة، لكن القائد التطوعي يمتاز عن بقية المتطوعين بأنه هو من يطرق الأبواب ويوزع بطاقات الدعوة للتطوع لأجل ما يراه قضية تستحق الاهتمام. والمبادرة ما هي إلا قمة جبل من شعور بالمسؤولية يحمله القائد التطوعي تجاه المجتمع أو مبادئ يؤمن بها. وكلما تعمق الشعور بالمسؤولية تسارعت الأفكار والخواطر في التحول إلى مشاريع وبرامج تطوعية.
هذا يقودنا إلى السمة الثانية من سمات القائد التطوعي وهي سمة الإيمان العميق. فالقائد التطوعي يمتلك إيماناً عميقاً بقضيتين مهمتين الأولى هي إيمانه بالمهمة التطوعية التي يتطوع ويحشد الجموع من أجلها وإيمان ثان بالتطوع كوسيلة لتحقيق هذه المهمة. التطوع ليس طريقاً ممهداً في كثير من الأحيان، وما لم يكن لدى القائد قدر كاف من الإيمان بالتطوع والمهمة فإن نفَسَه سوف ينقطع من العثرات الأولى التي يواجهها في طريقه. هذا الإيمان العميق ينمو ويترعرع بالخبرة والمعرفة والتعايش مع التطوع والمهمة.
لكن، مهما بلغ إيمان القائد بالتطوع كوسيلة لتحقيق المهمة فإنه كالأخرس إذا لم تتوافر لديه مهارة التواصل الجيد. تواصل يعبر القائد من خلاله عن رؤيته ورسالته بشكل واضح وجذاب ليس فقط لحشد المتطوعين من حوله بل يتعدى ذلك إلى إقناعهم بتبني أهداف المشروع التطوعي والتزامهم به. تواصل يمنح القائد القدرة على الاستماع الجيد للأصوات التي حوله والتعامل معها بإيجابية. إنه التواصل الذي يراعي المشاعر ولا يؤثر في مسيرة تحقيق الأهداف .. هذا بالفعل يحتاج إلى ذكاء تواصلي استثنائي.
أما أبرز سمات القائد التطوعي فهي قدرته على تحفيز وتشجيع المتطوعين معه بأسلوب يجعل جذوة الحماس مشتعلة فيهم حتى آخر رمق في المشروع التطوعي وربما بعده. إن على القائد التطوعي أن يرهف حواسه لكي يتعرف بصورة سريعة على شخصيات المتطوعين معه واختيار الوسيلة التحفيزية المناسبة لهم، وما قد يحفز متطوعا قد لا يحفز متطوعا آخر. إن أبرز مقومات استمرار المتطوعين هو شعورهم بأنهم ينمون مع المشروع التطوعي ويحققون أهدافهم الخاصة المشروعة من خلاله. إن هذه السمة من مفاصل الشخصية القيادية في العمل التطوعي ومن أصعبها كذلك.
هكذا إذاً القائد التطوعي مبادر، مؤمن، متواصل ومحفز، وثمة سمات تجاوزناها كالتخطيط والتفويض وغيرهما، لمحدودية المساحة المتاحة.
تغريدة: عندما ينتهي القائد الكفء من مهمته، يقول الناس لقد تمت المهمة بشكل طبيعي. ''مقولة صينية''.
في المقال القادم - بإذن الله - نرافق جون أدير (أحد أبرز المنظرين للقيادة الحديثة) في تأمله للجوانب القيادية لأشهر قائد عرفته البشرية.