أهمية الرياضة للبراعم لإحداث التطور في كرة القدم (1 من 2)
تحدثنا في مقالات سابقة عن الناشئين والناشئين تحت 14 عاما، ولكن اليوم نتحدث عن فئة عزيزة علينا.. حبيبة إلى قلوبنا، وهي أطفالنا وبراعمنا، ونحدد هنا الفئة العمرية، وهي تحت تسع سنوات، فهي فئة كان التعامل معها يتم بعفوية فيتركون يلعبون كما يشاءون وفي أي مكان وزمان يريدون، فإذا عدنا بذاكرتنا للوراء للزمن الجميل وتذكرنا أيام الطفولة الجميلة التي عشناها بالأمس في حاراتنا وأحيائنا وزنقاتنا وبكل التسميات التي تطلق في الدول العربية، نجد أننا كنا وفي الحارة نجد الساحات والمساحات الكبيرة القريبة من منازلنا المتلاصقة، لنلعب فيها كرة القدم أو غيرها من الألعاب الأخرى، لنعود إلى منازلنا في المساء وقد أفرغنا ما في أجسادنا من طاقة، وتشبعت مسامات أجسامنا الصغيرة بأشعة الشمس الدافئة، وذلك رغم بساطة الحياة وبساطة الناس أنفسهم آنذاك وقلة الإمكانات، إلا أننا عشنا طفولة سعيدة خالية من الكوليسترول والسمنة والتخمة وكل أنواع الكآبة والملل، بينما أطفالنا اليوم رغم الرفاهية والنعم التي أنعم الله بها علينا وما أتيح لهم من وسائل ترفيه مختلفة وألعاب إلكترونية وخاصة الكمبيوتر، وحيث إن ألعاب الكمبيوتر كشفت لأبنائنا عوالم جديدة من المعرفة، ولكنها يجب ألا تكون بديلاً عن ممارسة الرياضة واللعب الحركي مع الأقران؛ لأن ذلك هو الذي يبني شخصية الطفل في المستقبل بل وينمي فيه عناصر التكيف السليم مع المجتمع، ولكن إذا استعرضنا ما يتعرض له أطفالنا اليوم من هجمة مبرمجة لضياعهم والذي أوجد حاجزاً بينهم وبين الرياضة نتيجة الإغلاق عليهم داخل الجدران الأسمنتية وإدمانهم ألعاب الكمبيوتر والبلاي ستيشن والتي يجلسون أمامها ساعات طويلة دون حركة مع تناول كمية كبيرة من المكسرات والوجبات الخفيفة، أصبحوا يعانون العصبية والعناد، إلى جانب عدم التقبل للنصح مما يبعد الأطفال عن تحقيق التوازن، لذلك أصبح من الضروري أن نوجد الساحات الآمنة داخل الأحياء التي تمكنهم من الحركة وممارسة اللعب في الهواء الطلق وعدم الإحساس بالحرية والأمان وممارسة الرياضة بهذه الطريقة نجدهم يعانون الكثير من الأمراض الصحية والنفسية والاجتماعية؛ لأنهم لا يتمتعون بطفولتهم وحياتهم كما ينبغي وكما يجب، ويعد اللعب كنشاط حركي ضروري ومهم في حياة الطفل لأن اللعب والرياضة يعملان على تنمية العضلات وتقوية الجسم، ويؤكد عدد من العلماء والمختصين أن هبوط مستوى اللياقة البدنية لدى الطفل يكون نتيجة تقييد حركته داخل البيت، فمن خلال اللعب يحدث للطفل التكامل اللازم بين وظائف الجسم الحركية والانفعالية والعقلية التي تتضمن التفكير، لأن شخصية الإنسان تتشكل من قوالب يتم تركيبها في مرحلة الطفولة، وتكتمل الشخصية من خلال التفاعل مع الآخرين من أطفال وكبار، مضيفاً أنه يتم تنمية القدرات العقلية من خلال التعامل مع مكونات البيئة، ويتم تنمية الذكاء من خلال الاستكشاف والفك والتركيب والتحليل، كذلك يحتاج الطفل إلى مساحة من الحركة التي تنمي جسمه وقدراته، وكلما كانت البيئة غنية ومنفتحة ومأمونة متفاعلة غير منعزلة، ظهرت شخصية قوية ذكية سوية، مشيراً إلى أن عزل الطفل في بيئة مفتعلة محمية بالوصاية وخالية من الإثارة والتفاعل الاجتماعي، يخلق أشخاصاً غير أسوياء لا يستطيعون مواجهة الحياة المستقبلية ينهارون في أول تجارب الحياة لوجود تشوهات شخصية، إما انطوائية خجولة خائفة، أو أنانية استبدادية متسلطة.
وبما أن الرياضة تحتل مكانة وأهمية كبرى لدى الأطفال، فممارسة الرياضة تعتبر من أهم العادات التي يحرص الطفل على ممارستها، وهناك خطأ يقع فيه بعض الآباء والأمهات وهم يمنعون الأطفال من ممارسة اللعب والرياضة ظناً منهم أن اللعب وكثرة الرياضة يؤثران سلباً في صحة الطفل، وهذا الاعتقاد اعتقاد خاطئ، ومنهم من يعتقد أن الرياضة مضيعة للوقت وتؤثر في التحصيل العلمي، ناسين أن العقل السليم في الجسم السليم، فإن منع الطفل من اللعب والرياضة يتسبب في إرهاق الطفل نفسياً ويسبب له الأمراض الجسدية، في حين أن ممارسة الرياضة بشكل منتظم تساعد على بناء عظام الأطفال وتقلل من فرص إصابتهم بسرطان القولون، وتساعد على التحكم في الوزن وإنقاصه والحد من إصابة الأطفال بالسمنة، وتحمي من الإصابة مستقبلاً بعديد من الأمراض المزمنة مثل الضغط وأمراض القلب وتساعد على خفض الضغوط العصبية، وتزيد الرياضة من إفراز الموصلات العصبية المتحكمة في المزاج مثل السروتونين والنورانيفرين، مما يعطي شعوراً بالتحسن، كما تعطي الصغير شعوراً بالثقة التي تمكنه من التعامل مع الضغوط العصبية وتقلل من العنف والعدوانية لأن عدم ممارسة الرياضة خاصة في هذا العصر الذي أصبحت تتحكم في غذائه الوجبات السريعة وهي مشبعة بكل ما يمكن أن يحدث هذه الأمراض، يجعله يحس بالنقص، حيث يظل حبيساً بين جدران البيت للدروس والاستذكار في المساء وفي الصباح بالدراسة في المدرسة وعدم التعرض لأشعة الشمس التي فيها أسرار إلهية كبيرة في معالجة الأمراض مثل زيادة الكوليسترول وغيرها، لقد نتج عن حبس أطفالنا في المنازل فقدانهم لكثيرا من طفولتهم الطبيعية، وحرمانهم من كثير من مقومات نموهم الطبيعي جسدياً ونفسياً واجتماعياً، لهذا زادت ''شقاوتهم'' وترهلت أجسادهم، بل أصبحوا يعانون من ''هشاشة العظام'' و''السمنة'' و''الغباء المفتعل''؛ بسبب بقائهم ساعات طويلة أمام أجهزة الكمبيوتر ومحطات اللعب الإلكتروني دون حركة أو نشاط، لأن الرياضة بصفة عامة مفيدة، حيث تساعد هذه النشاطات البدنية على النمو المتكامل للطفل لأنها تزيد من إمكاناته الحركية وتحسن توازنه العاطفي وثقته بنفسه، كما أنها تعلمه الحياة الجماعية وتطور علاقاته بالأطفال الآخرين، وتخرجه أحياناً من عزلته ووحدته، بل تنمي فيه صفات أخرى كثيرة يحتاج إليها في حياته وفي مستقبل أيامه، وأكدت الدراسات العلمية الحديثة ضرورة اللعب في الهواء الطلق وخارج أسوار المنازل، لتساعد في نمو الطفل جسدياً ونفسياً وعقلياً واجتماعياً، لأنه من خلال اللعب مع أقرانه وأبناء جيرانه يكتشف محيطه، بل ينمي قدراته الجسدية وقدراته العقلية، كسرعة الانتباه وقوة الاستعداد وحل المشكلات، وعلى الصعيد الاجتماعي يساعده على التخلي عن أنانيته، بل ينمي فيه روح التعاون مع الآخرين والعمل بروح الفريق الواحد، والمشاركة مع رفاقه إلى جانب تعلمه ضبط النفس والجرأة وحسن المعشر، إضافة إلى إعداد الطفل لخوض معركة الحياة بشكل طبيعي وسليم، نتيجة نموه الاجتماعي والنفسي السليم، الذي يساعده على اتزان الانفعالات والقدرة على المشاركة والعطاء والقيادة واحترام القوانين.
قلة النشاط البدني بين الأطفال أصبحت ظاهرة شائعة، لأنهم يقضون معظم يومهم في مشاهدة التلفزيون ولعب ألعاب الكمبيوتر والتحدث بالهاتف، والمؤسف أن التطور التكنولوجي الهائل، أدى إلى آثار جانبية سلبية، إذ إن المزيد والمزيد من الأطفال والكبار يفضلون الجلوس والاسترخاء، ولا يبذلون أي نشاط بدني يذكر، وهناك عدة دراسات أجرتها مؤسسات متخصصة أظهرت أن واحداً من كل ثلاثة أطفال تراوح أعمارهم بين سنتين وست سنوات لا يبذلون الحد الأدنى من المستويات الموصى بها من الرياضة البدنية، وإن الأطفال يشاهدون التلفزيون نحو ثلاث ساعات وأكثر يومياً ولا تتعدى نسبة ممارسة الرياضة البدنية بين الأولاد قبل سن المراهقة 50 في المائة، بل إن هذه النسبة في نزول دائم ولا بد أن يعي الجميع أن قلة النشاط البدني من أخطر مسببات الأمراض غير المعدية، مثل مرض القلب وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع مستويات الكوليسترول ومرض السكري وأن كل التوصيات من الجهات المختصة تشير إلى أنه يجب على الأطفال والمراهقين على حد السواء القيام بما لا يقل عن 60 دقيقة يوماً من النشاط البدني بين معتدل إلى شاق لأن التمارين البدنية المنتظمة تقلل من مخاطر المرض، وكذلك زيادة متوسط العمر المتوقع بجانب تقليل نسبة البدانة بين الأطفال ومساعدتهم في تحسن الحالة النفسية، بما في ذلك رفع الروح المعنوية وزيادة الثقة بالنفس والاعتداد بالذات ويصبحون أكثر حماساً للتفوق الأكاديمي، وأكثر نباهة وتفوقاً وأثبتت الدراسات أن الرياضة تساعد على إفراز مواد كيماوية مثل الأندروفينات التي تعطي شعوراً بالسعادة وتقلل الشعور بالألم، كما أنها تقوي العضلات والعظام، وبالرياضة يكتسب الأطفال اللياقة البدنية وهي تكتسب حينما يمارس الطفل بانتظام الأنشطة البدنية، وخلال ممارسة هذه التمارين، يزيد خفقان القلب ويتنفس الطفل بعمق وعندما يتم التمرين بصورة منتظمة فإن التنفس يصبح أكثر سهولة وذلك لأن القلب أصبح أقوى والقوة تكتسب من خلال ممارسة تمارين مثل الدفع إلى أعلى، التسلق، ''الشقلبات''، والمصارعة وغيرها من التدريبات التي تساعد على تعزيز وتقوية العضلات والمرونة، وتكتسب من خلال تدريبات المرونة وهي تجعل العضلات والمفاصل تتحرك بسهولة.
بعض الآباء يخافون على أطفالهم من تعلقهم بالرياضة وأنها تشغل معظم وقتهم وأنها قد تؤدي إلى فشلهم في الدراسة، وقد وجد أن ممارسة الرياضة بشكل متوازن ولمدة ساعة تقريباً يومياً تحسن النتائج المدرسية بالنسبة للأطفال، ولكن هل هناك مكان أو وقت مناسب وما نوع الرياضة التي يجب ممارستها؟ ولا بد أن يتلاءم النشاط الرياضي مع عمر الطفل. إن ممارسة الرياضة البدنية لا تعني الرياضية المنتظمة بل يمكن أن تكون مشيا أو جريا، أو سباحة، أو التسلق أو حتى مجرد لعب من الألعاب مثل لعبة كرة القدم وألعاب الأطفال الأخرى. إن هذه الأنشطة ليست متعبة وممارسة الرياضة تتدرج من ألعاب أطفال وركض ومطاردة بين الأطفال إلى أن تصبح الرياضة ألعاباً جماعية لها قوانينها وتقنياتها ومن خلال ممارسة الطفل رياضة محببة أو نشاط معين تنمو لديه الناحية الاجتماعية، ففي الألعاب الجماعية يتعلم الطفل النظام ويؤمن بروح الجماعة ويدرك قيمة العمل الجماعي والمصلحة العامة. والعكس يبرز بسهولة؛ فلو جربنا ألا يمارس الطفل أي ألعاب أو رياضة مع أطفال مثله تجده يميل للأنانية والعدوانية ويكره الآخرين، وهذا على عكس ما يحدث حينما يمارس اللعب الذي يساعد الطفل على التعاون والتواصل مع الآخرين مما يجعله يحيا داخل إطار اجتماعي سليم، وتحسب فوائدها كثيرة جدا من أجل صحة الطفل يُسهم اللعب في تكوين النظام الأخلاقي المعنوي لشخصية الطفل، فعن طريق اللعب والرياضة يتعلم الطفل العديد من الأخلاقيات والسلوكيات كالصدق والعدل والأمانة وضبط النفس والصبر، علاوةً على أنه يتكون لديه شعور من خلاله يحرص على الشعور بالآخرين وتطوير علاقاته معهم، وكلما مارس الطفل ألعابا ورياضة، زاد نموه بشكل مطمئن ومستقر؛ وذلك لأن اللعب والرياضة يساعدان على نمو العضلات ليكتسب الطفل المهارات الحركية التي يحتاج إليها في تنقلاته فاللعب يطوّر القدرات الجسمية والعقلية والانفعالية لدى الطفل، ويساعد على تنشئته تنشئة اجتماعية متزنة عاطفياً وانفعالياً وممارسة اللعب والرياضة أيضًا يساعد على تطور النمو اللغوي لدى الأطفال من خلال تبادل الآراء والحديث المتواصل الذي ينشأ بسبب التفاعل المشترك بين الأطفال المشاركين في اللعب، وهو يمنح الطفل فرصًا ثرية ومواقف حياتية طبيعية تعمل كنماذج مثلى في تكوين الشخصية السوية من خلال العلاقات المتبادلة والمشاركة والتعاون والمناقشة والتشاور والحوار مع الآخرين، والاشتراك في اتخاذ القرارات الجماعية، وتقبل رأي الغير واحترامه، حتى إن كان مغايرًا لآراء الطفل الشخصية، وعلماء النفس والتربية يؤكدون أن الألعاب التي يمارسها الأطفال تمثل الطريق الأمثل للتفكير الصحيح، وسلامة البدن والعقل والثقة بالنفس، ومواجهة مصاعب الحياة في المستقبل؛ كذلك اللعب والرياضة يمثلان متعة للأطفال وحرمانه منها تجعل الطفل لا يحيا حياه طبيعية مثل باقي أقرانه ويعتقد عدد كبير من الأطباء المختصين أن الأطفال الخاملين هم أكثر عرضة ليصبحوا خاملين عند الكبر.
وبالرغم من كل ذلك هناك أمر مهم يجب أن نتنبه له؛ فقبل السماح للطفل بممارسة أي نوع من أنواع الرياضات وخاصة المحببة إلى نفسه يجب على الأهل التأكد من بعض التشوهات أو الأمراض الخفية، وذلك بعرض الطفل على الطبيب وخاصة فحص قلبه وربما يحتاج إلى إجراء بعض الفحوص الضرورية لاكتشاف بعض الأمراض الخفية. إن زيارة الطبيب تساعد على اختيار الرياضة المناسبة للطفل وتحاشي المضاعفات المتوقعة، فبعض الأطفال لديهم تشوهات في العمود الفقري أو الأطراف أو غيرها أو أمراض مزمنة في الصدر أو القلب أو المخ، وقد لا تكون لها أعراض ظاهرة، وهذا يحتاج إلى عدم ممارسة بعض الأنشطة الرياضية التي قد تزيد من حجم المشكلة، لذا فالفحص هو الأسلوب الأمثل لنجعل من أبنائنا أشخاصاً يمارسون الرياضة وهم أصحاء وفي كامل عافيتهم، لأن ممارسة بعض الرياضات - والعنيفة منها على وجه الخصوص - تحتاج فعلاً لخلو الطفل أو الرياضي بصفة عامة من بعض هذه الأمراض.