جهود لتأسيس هيئة شرعية خليجية وإبعادها عن المتنفذين
تقود الإمارات جهودا خليجية لتأسيس مجلس شرعي مركزي وهيئة شرعية موحدة للفتوى والرقابة الشرعية على المؤسسات المالية الإسلامية، حيث تم الإعلان عن توسعة نطاق الهيئة الشرعية الموحدة للبنوك الإسلامية في الإمارات التي تم تشكيلها منذ عامين، لتضم أعضاء من دول الخليج كالكويت وقطر والسعودية وبرئاسة الدكتور حسين حامد حسان، وذلك في سبيل سعيها لنيل صورة رسمية أكثر.
ويأتي دور الهيئة للتنسيق بين الهيئات الشرعية في البنوك والمؤسسات وتوحيد الفتوى في الموضوعات المهمة وتطوير وابتكار المنتجات المالية، إضافة إلى إجراء البحوث والدراسات في مجال صناعة المال الإسلامية.
وفي ظل التمزق الذي تعانيه المصرفية الإسلامية في الخليج، وعدم وجود أنظمة ومعايير تقنن عمل الهيئات الشرعية، إضافة إلى تعدد الآراء والفتاوى الشرعية، يأتي التساؤل حول موقف الجهات الإشرافية والهيئات الشرعية للمؤسسات المالية من هذه الهيئة، والدور وطبيعة العمل الذي يمكن أن تؤديه.
#2#
فقد أكد ناصر الزيادات الباحث في المصرفية الإسلامية لـ "الاقتصادية" أنه يمكن افتراض أحد سيناريوهين يمكن على أساسيهما تقويم الحاجة لمجلس شرعي جديد، فقد يكون المجلس الشرعي مكملاً لدور المجلس الشرعي التابع لهيئة المحاسبة والمراجعة في البحرين، وهنا لا بد من العلم أن المجلس العامل في البحرين هو واضع معايير وأن الحاجة للمجلس الشرعي الجديد تكمن في الدرجة الأولى في مراقبة تطبيق تلك المعايير، إضافة إلى التنسيق مع المجامع الفقهية لتجنب اللغط الذي من الممكن أن يحصل كما حدث في حالة فتاوى التورق.
ويضيف الزيادات السيناريو الثاني وهو ما لا نتمناه، أن يكون المجلس الشرعي الجديد متداخلاً في أعماله مع المجلس الشرعي العامل في البحرين. وهنا لا بد من مراجعة أهدافه وإعادة توجيهها قبل انطلاقه رسمياً. لأن الأمة أحوج ما تكون إلى تضافر الجهود وتكاملها بدلاَ من تشتيتها في التنافس وفق الأهواء.
ويؤكد الزيادات أنه في كلتا الحالتين يبدو أن المجلس الجديد سيعاني من مشكلة متجذرة كانت حاصلة في المجلس القديم، وهي أن الشيوخ أعضاء المجلس هم ذاتهم أعضاء في الهيئات الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية، مضيفا أن المقربون من الصناعة المالية الإسلامية لاحظوا وجود تعارض واضح في المصالح بين أعمال المجلس الشرعي وعضويات الهيئات الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية.
وقال الزيادات إننا بحاجة إلى مجلس شرعي جديد يتمثل في إصلاح الأخطاء الحاصلة في المجلس الشرعي العامل في البحرين، وأولها استبدال عضوية المشايخ المتنفذين فيه وفي الصناعة، أو تأسيس مجلس جديد يسعى إلى إحداث التكامل مع المجلس القديم ويعزز من عمله، لكن دون وجود العضويات المزدوجة مع عضويات المؤسسات المالية الإسلامية.
من جانب آخر، يؤكد الخبير في المصرفية الإسلامية لاحم الناصر لـ "الاقتصادية" أنه يجب التأكيد على وجود هيئة شرعية عليا وليس هيئة شرعية موحدة، والفرق في ذلك الموحدة تستلزم إلغاء الهيئات الشرعية الموجودة في المصارف، حيث تكون هناك هيئة شرعية واحدة لجميع المصارف، في حين أن وجود هيئة شرعية عليا لا يعني إلغاء الهيئات الشرعية القائمة، بل تأخذ دور إشرافي رقابي تضع المعايير وتسن الأنظمة، وتكون مرجعية عند الاختلاف وقراراتها تأخذ طابع الإلزام.
#3#
ويضيف لاحم الناصر أن تكوين هذه الهيئة يستلزم أمور منها أن يتم إنشاؤها بقرار حكومي لتكتسب قراراتها الإلزام، كما لا يجوز أن تضم في عضويتها أيا من أعضاء الهيئات الشرعية للمؤسسات المالية التي تخضع لسلطتها كي تُضمن حياديتها واستقلالها، كما يجب أن يكون أعضاؤها من المؤهلين التأهيل الشرعي المناسب، كما يجب أن يكون لديها لجنة خبراء اقتصاديين ومصرفيين للاستعانة بهم في فهم الوقائع المعروضة عليهم، مع الأخذ في الاعتبار استقلالية هؤلاء الخبراء لعدم التأثير في قرارات الهيئة الشرعية وضمان استقلالية قرارها.
وحول صلاحيات الهيئة الشرعية العليا قال لاحم الناصر إنها تشمل وضع معايير عضوية الهيئات الشرعية لمؤسسات الصيرفة الإسلامية وسن الأنظمة والقوانين المنظمة لها وكيفية العلاقة بينها وبين المؤسسات المالية المشرفة عليها، وآلية اتخاذ القرار داخل هذه الهيئات وكيف تنظم قراراتها من حيث صياغتها وتسبيبها مع إظهار الدليل على الرأي الذي أخذت به الهيئة، ويضيف الناصر كذلك الرقابة على الهيئات الشرعية من حيث تطبيقها لهذه الأنظمة واللوائح، والتزامها بقرارات الهيئة العليا الصادرة فيما وجد فيه خلاف بين الهيئات الشرعية، ويقول إن اختيار الهيئة العليا لرأي شرعي يعد رفعا للخلاف فلا يجوز لأي هيئة شرعية مخالفته وتكتسب قراراتها قوة القانون، كما أنه يجوز لها مباشرة أعمال التفتيش والرقابة على أعمال مؤسسات الصيرفة الإسلامية والهيئات الشرعية دون أي قيود أو طلب إذن من أي مرجعية أو جهة، وتلتزم الهيئة العليا بإخراج تقرير ربع سنوي تبين فيه مدى التزام مؤسسات الصيرفة الإسلامية بالشريعة الإسلامية والمخالفات إن وجدت، مع إعطاء تقييم لكل منتج إسلامي أو مؤسسة مالية إسلامية يعكس مدى هذا الالتزام مع تقيدها بمعايير الإفصاح والشفافية في هذه التقارير.
من جهته أكد الخبير في المصرفية الإسلامية الدكتور كمال حطاب لـ "الاقتصادية" وجود خلل كبير تعاني منه الهيئات الشرعية لا يمكن التغلب عليه بوجود هيئة موحدة، ويتمثل في عدم وجود نظام يحدد وظائف هذه الهيئات ويحمي حقوق أعضاء هذه الهيئات، وبالتالي فسواء كانت هذه الهيئة موحدة أو متعددة لا بد من الإصلاح بإيجاد قوانين وتشريعات تحكم هذه الهيئات وتحدد مواصفاتها ومؤهلاتها ووظائفها وحدودها وحقوقها وواجباتها، فلا تزال هذه الأمور غامضة وتخضع لمعايير غير منضبطة، وتطبق بأدوات وأساليب ليست مهنية، مضيفا أن الخروج من هذا المأزق يكون بإيجاد تشريعات ضمن قوانين البنوك المركزية تنظم عمل هذه الهيئات سواء كانت موحدة أو متعددة، وتخضعها لرقابة وحماية البنوك المركزية.
وفي ظل غياب القانون والضوابط والمعايير يقول كمال حطاب إن الهيئات الشرعية ستنظر إلى الهيئة الشرعية الموحدة كطرف منافس، ما لم تستوعب الهيئة الشرعية الموحدة معظم أفراد الهيئات الشرعية المتعددة. وحول نوع المرجعيات الشرعية التي تفضلها مؤسسات الخليج المالية قال كمال حطاب إنها تفضل بلا شك مرجعية خاصة تكون تحت سيطرتها وإملاءاتها، ولا تقبل برقابة أو تدخلات من جهات خارجية، وبالتالي قد تنظر هذه المؤسسات إلى الهيئة الشرعية الموحدة بحذر شديد، وتأخذ منها ما يدعم الهيئات الموجودة لديها، وتترك ما لا ينسجم مع برامجها وأنشطتها.
وحول موقف مجمع الفقه الإسلامي وهيئة المحاسبة والمراجعة حيال الهيئة الشرعية الموحدة قال حطاب إن هذه الأجهزة لا تزال حتى وقتنا الحاضر تتمتع بالاحترام والتقدير من القطاعات والفعاليات كافة، لكنها لا تزال بعيدة عن التنسيق أو التوحيد أو الإلزام، وما لم توجد قوانين موحدة تنظم أعمال هذه المؤسسات والهيئات الشرعية، فسيبقى الأمر على حاله.
ويعتبر كمال حطاب وجود الهيئة الشرعية الموحدة خطوة استراتيجية في حال ترافقت مع خطوات تنسيقية تكاملية بين البنوك المركزية لإيجاد قوانين وتشريعات تنظم عمل هذه الهيئة إلى جانب الهيئات الشرعية المتعددة في المؤسسات المالية الإسلامية.
وحول وجود مبادرات سعودية حيال هذا المجال قال حطاب إن الدعوة الأولى لهذه الهيئة كانت من خلال مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي عام 2007، وكذلك من خلال التصريحات المتكررة لصالح كامل، لكن يبدو أن مثل هذه الدعوات لا بد أن تسبق بالتنسيق أو التكامل بين البنوك المركزية في مجال السياسات النقدية والمالية والبنكية في ظل الاتفاقية الاقتصادية الموحدة والتي وجدت قبل أكثر من 30 عاما ولكنها للأسف لا تزال لا تجد طريقها إلى التطبيق الفعلي.
#4#
وفي هذا الصدد يؤكد الدكتور عمر زهير حافظ المستشار المالي لـ "الاقتصادية" بأنه لا يتوقع أن تعتمد المؤسسات الإشرافية قرارات هذه الهيئة الشرعية الموحدة، ممثلا بمثال واقعي وهو المجلس الشرعي المنبثق عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في البحرين، والذي يحوي تمثيلا جيدا لكل المذاهب الفقهية ولم تعتمد قراراته في كل دول مجلس التعاون.
وعن موقف الهيئات الشرعية للمؤسسات المالية الخليجية من الهيئة الموحدة قال حافظ إن المعيار الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية يلزم أو يوصي كل مؤسسة مالية بتشكيل هيئتها الشرعية الخاصة بها، وليس هناك معيار يجمع مجموعة من الدول ليكون لديها هيئة شرعية موحدة، وأضاف أن مؤسسات الخليج المالية تميل إلى أن الالتزام بالمعيار الصادر خاصة في الدول التي التزمت به كالبحرين، وهو يؤسس لمرجعية خاصة بها، واستبعد أن يكون هناك أي اعتماد من الجهات الإشرافية الخليجية لمرجعية خليجية موحدة حتى لو نشأ الاتحاد النقدي الخليجي، وحتى لو ادعت هيئة تنشأ في أي دولة خليجية أنها تمثل كل التوجهات الفقهية في المنطقة، معللا ذلك بالحاجة إلى توحيد القوانين والأنظمة الحاكمة للمؤسسات المالية في الخليج.
وعن موقف مجمع الفقه الإسلامي وهيئة المحاسبة والمراجعة من الهيئة الموحدة قال حافظ إن كلا مَجْمعي الفقه أصدرا توصيات تشجع وتتمنى توحيد الفتوى في هذه القضايا، متسائلا لم لا تكون هذه الهيئة الموحدة منبثقة من أي منهما، لتكون هيئة موحدة لجميع المؤسسات المالية في العالم وليس لدول الخليج، مضيفا أن أي هيئة موحدة أخرى لن تضيف جديدا، والجهات الإشرافية لا تأخذ بقرارات جهات الفتوى هذه ولا غيرها وهي غير ملزمة قانونا بذلك، حيث يحتاج الأمر إلى تشريع قانوني في دول الخليج إن أرادت فعلا إنشاء هيئة شرعية ذات قرارات إلزامية لها وللمؤسسات المالية التابعة لإشرافها.
ويرى حافظ أن المصرفية الإسلامية في الخليج تعاني من تمزق، حيث أدى دخول البنوك التقليدية في هذا المجال إلى الانحراف بروح المصرفية الإسلامية وجرها إلى صيغ التمويل التقليدي، حيث فقدت الزخم العام الذي صحب نشأتها، وأصبحت الصيغ أشكالا تفتقد مضمون وروح المصرفية الإسلامية، واستبعد وجود دور يمكن أن تلعبه الهيئة الموحدة، أو أن يشكل وجودها خطوة استراتيجية مهمة للمصرفية الإسلامية، ما لم يسبق إنشاءها الاعتراف بها من الجهات الإشرافية والتزامها بقراراتها، واحترامها لاجتهادها، وإحداث التغيير اللازم في أنظمتها ولوائحها بناء على قرارات هذه الهيئة، وهو ما يُستبعد حصوله في الوقت الراهن.
وعن وجود مبادرة سعودية تعمل على توحيد الهيئات الشرعية الخليجية قال حافظ إن المسؤول عن ذلك مؤسسة النقد السعودي والتي هي عضو فاعل في مجلس الخدمات المالية الإسلامية في ماليزيا، مشيرا إلى عدم وجود خطوات اتخذت من قبل المؤسسة لتوحيد جهة الفتوى الشرعية للأعمال المصرفية الإسلامية، أو ألزمت المؤسسات المالية بذلك، وتمنى أن تقوم المؤسسة بأخذ بمبادرات من هذا النوع، وتنظم المصرفية الإسلامية في المملكة وتكون رائدة في هذا المضمار نظرا لدور السعودية في كونها منارة للهدى والعدل، مشيرا إلى أنه حان الوقت لتنشئ البنوك التقليدية كيانات قانونية مستقلة للمصرفية الإسلامية، وقال إن فصل الكيانات الاستثمارية للبنوك عن البنوك ليس بأولى من فصل المصرفية الإسلامية عن الكيانات القانونية التقليدية للبنوك، فلكل وجهة هو موليها، وقد سبقتنا دول خليجية وغير خليجية بذلك بعد تجربة الوضع المختلط للمصرفية الإسلامية مع المصرفية التقليدية، وثبات عدم جدواه، والتشوه الذي يحثه للمصرفية الإسلامية.