وجود هيئة شرعية موحدة يحد من قدرة البنوك الإسلامية على الإبداع والتطوير
أكد خالد أبانمي المتخصص في المصرفية الإسلامية أن وجود هيئة شرعية موحدة للبنوك الإسلامية العاملة في المملكة يحد من قدرة القطاع المصرفي على الإبداع والتطوير. وقال أبانمي لـ ''الاقتصادية'' إن أغلبية أعضاء الهيئات الشرعية في هذه المؤسسات يشتركون في هذه الهيئات، ما يؤدي إلى تجانس الآراء والاجتهادات، غير أنه ذكر أيضا أن توحيد الهيئات الشرعية له بعض الإيجابيات مثل توحيد الفتوى والوصول إلى مستوى أعلى من الضبط والشفافية، وبعض السلبيات مثل تضييق مساحة الاجتهاد وعدم توافر الوقت للقيام بمتطلبات البنوك كافة .. فإلى تفاصيل الحوار:
هل تؤيدون توحيد المرجعية الشرعية للبنوك العاملة في المملكة أسوة ببعض الدول؟ وما أبرز الإيجابيات والسلبيات في حال صدور مثل هذا القرار؟
كثير من العاملين والمتخصصين في المصرفية الإسلامية يرون أن وجود هيئة شرعية موحدة سيحد من قدرة القطاع المصرفي على الإبداع والتطوير، وفي المقابل لن يضيف الكثير، لأن معظم الهيئات الشرعية في البنوك السعودية تشترك في بعض أعضائها، ما يوجد تجانسا في الآراء والاجتهادات.
ولا شك في أن توحيد الهيئات الشرعية له إيجابيات وسلبيات، ولعل من أبرز الإيجابيات توحيد الفتوى للمصارف والوصول إلى مستوى أعلى من الضبط والشفافية، وهذا يمكن أن يستعاض عنه بالالتزام بالمعايير الشرعية الصادرة من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، أما أبرز السلبيات فقد تكون الهيئة الموحدة عائقا في سبيل تطوير المنتجات، نظرا لما سبق أن أشرنا إليه من تضييق دائرة الاجتهاد، وعدم توافر الوقت الكافي لدى الهيئة الشرعية الموحدة لمراجعة جميع متطلبات البنوك.
ألسنا في حاجة إلى تأهيل جيل جديد من الهيئات الشرعية، خاصة مع تطور المصرفية الإسلامية وتعدد منتجاتها ودخولها في العالم الغربي؟ وما أهم المتطلبات فيمن يرغب في تأهيل نفسه لذلك؟
يوجد اليوم في المملكة عدد كبير من شركات الاستثمار والتأمين والتمويل تتنافس مع البنوك في تأسيس هيئات شرعية لمراجعة منتجاتها واعتمادها ومراقبتها، وبالتالي هناك نقص في الأشخاص المؤهلين شرعياً وفنياً للقيام بأعمال الهيئات الشرعية، مع توافر عديد من البرامج التي يمكن أن تسهم في تأهيل كوادر بشرية متمكنة من العلم الشرعي ومدركة الجانب التطبيقي للمشاركة في الهيئات الشرعية، مثل البرامج التي يوفرها المعهد المصرفي وبعض الجامعات كجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وكراسي البحث التابعة للجامعات المختلفة.
وأعتقد أنه يجب على طلبة العلم الشرعي السعي للإلمام بالنواحي الفنية للمصرفية الإسلامية والمشاركة في تطويرها لما لها من أثر في جميع المسلمين اليوم.
إلى أي درجة أسهمت المصارف، خاصة الإسلامية منها، في المسؤولية الاجتماعية؟ وما أهم الأدوار التي يمكن أن تقوم بها المصارف في هذا الأمر؟
لا شك أن المصارف الإسلامية تسهم في المسؤولية الاجتماعية، ولعل الاهتمام في الآونة الأخيرة بالتمويل الأصغر من قبل بعض المصارف دليل واضح على ذلك، وإن كنا نأمل أن نرى المزيد، أما البنوك في السعودية فتجتهد على أداء دور فاعل تجاه المسؤولية الاجتماعية وتسعى إلى تطوير هذا الجانب باستمرار، وتوجد محاولات جيدة لتوفير دعم مادي وعلمي وتطبيقي يكون له أثره الإيجابي في المجتمع.
هل غياب معايير عمل موحدة للمصارف الإسلامية من البنوك المركزية قد يؤدي إلى وجود تعاملات مشبوهة في هذه المصارف، وما دور هيئة المحاسبة والمراجعة؟
تختلف البنوك المركزية في أسلوب عملها، فبعضها يحدد معايير للقطاع المصرفي الإسلامي، وبعضها يتبنى المعايير من جهات متخصصة يشارك فيها، وبعضها يراجع ويقر الآليات على مستوى كل منتج أو خدمة يرغب البنك الإسلامي في تقديمها، وهذه الأساليب تحددها البنوك المركزية حسب مرحلة نضج القطاع، وجميعها تؤدي إلى تطور المصرفية الإسلامية، وأعتقد أنه يندر وجود تعاملات بنكية غير شرعية في المصارف الإسلامية خارج رقابة الهيئات الشرعية، وهذه الحالات القليلة - إن وجدت - فإنها تعالج من قبل الهيئات الشرعية والجهات الرقابية، أما هيئة المحاسبة والمراجعة فهي تضع معايير شرعية ومحاسبية ترجع مسؤولية تطبيقها إلى المؤسسات المالية والجهات الرقابية.
هل حان الوقت لنتجاوز موضوع التدرج في المصرفية الإسلامية أحيانا بحجة دعم الصناعة المالية الإسلامية في نشأتها؟
هذا الأمر يقرره أصحاب الفضيلة العلماء أعضاء الهيئات الشرعية، وإن كنا لا نسلم بأن الهيئات تفتي بالقول الضعيف بحجة دعم الصناعة المالية، بل المسائل محل اجتهاد ولا يمكن الطعن في أمانة العلماء وطلبة العلم الذين يجتهدون في تنمية وتطوير قطاع المصرفية الإسلامية، وقد يوجد اختلاف في وجهات النظر والاجتهادات، وهذا مظهر من مظاهر الصحة وما يوجد من اختلافات لا يمكن تسميتها أنها ربوية أو فيها شبهة الربا.
#2#
من المعلوم أن المشتقات المالية لها آثارها السلبية في الاقتصاد، ومع ذلك بدأت في الآونة الأخيرة بعض البنوك الإسلامية بالدخول إلى بوابة المشتقات .. في رأيكم ماذا ستكون أبرز نتائج مثل هذا القرار؟
القضية تعد من باب الاجتهاد والمشتقات المتوافقة مع الضوابط الشرعية تعمل بطريقة مختلفة ومغايرة للمشتقات التقليدية والغرض منها التحوط وحماية أموال المستثمرين، وهذا له أثر إيجابي في الاقتصاد، وتعتمد النتائج الاقتصادية لمثل هذه التعاملات على كيفية تعامل العملاء والمصارف معها والتزامها بالضوابط الشرعية، ولا شك أن الهيئات الشرعية تدرك مخاطر مثل هذه العقود إذا تم تطبيقها بصفة سيئة، ولذلك تؤكد دائما أن الاستفادة من هذه المنتجات يجب أن تكون لغرض التحوط وليس المضاربة.
ماذا عن العقود المالية المركبة المتوافقة مع الشريعة وأهم الفروقات بينها وبين التقليدية، خاصة أن البعض يقول إن النتائج الاقتصادية متشابهة؟
هذه العقود المركبة تلبي احتياجات مالية أساسية في المجتمع، وأدرك أصحاب الفضيلة أعضاء الهيئات الشرعية الحاجة إلى مثل هذه العقود، فكانت محل بحث وتمحيص واعتماد صيغ لها تختلف عن نظيرتها التقليدية في جوانب جوهرية وحقيقية في الآليات والتطبيقات، وإن أدت إلى نتائج اقتصادية مشابهة للأدوات المالية التقليدية في بعض الأحيان.
بسبب غياب الإطار التنظيمي والرقابي للاقتصاد الإسلامي دعا كثير من الخبراء إلى ضرورة إيجاد إطار يتسق مع الإصلاحات التنظيمية والرقابية العالمية المستمرة .. في رأيكم ما أهمية هذا الموضوع؟
هذا موضوع مهم جداً، لذلك توجد جهات دولية عدة تصيغ الإطار التنظيمي والرقابي للاقتصاد الإسلامي، من أهمها هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية وكذلك مجلس الخدمات المالية الإسلامية، ويسهم في مثل تلك الجهات عدد كبير من العلماء والاقتصاديين والبنوك المركزية، وتعمل على تطوير هذا الإطار بشكل مستمر.
يقول البعض إن المصرفية والتمويل الإسلامي ما زال يعاني ضعفا في البنية الهيكلية ونقص الكوادر المؤهلة، كيف يمكن للمصرفية الإسلامية أن تقود القطاع المالي العالمي وهي ما زالت تعاني بعض هذه الأمور؟
ما زالت نسبة التمويل الإسلامي قليلة جدا مقارنة بالتمويل التقليدي، وما زالت المصرفية الإسلامية في مرحلة البناء والتطوير، لذا لا نتوقع أن تقود قطاع التمويل العالمي قريبا، أما موضوع ضعف البنية التحتية ونقص الكوادر فهو أمر محل ملاحظة من قبل القائمين على المصرفية الإسلامية، وعليه فإن الجامعات تؤدي دورا مهما في هذا المجال.
ماذا عن موضوع الإفصاح والشفافية في المصارف الإسلامية، إلى أي درجة تلتزم بها تلك البنوك؟
ضعف الشفافية والإفصاح يعتمد على أنظمة الدول المختلفة، وفي المملكة تقوم مؤسسة النقد وهيئة سوق المال برقابة دائمة وتعنى بالشفافية والإفصاح بشكل كبير.
لماذا لم تصبح الرياض عاصمة للتمويل الإسلامي بعد وما السبب؟
الرياض تسير بقوة تجاه أن تصبح مركزا مهما للمصرفية الإسلامية مع تطور الأنظمة والبنية الهيكلية، إضافة إلى استضافتها عديدا من الأنشطة كالمؤتمرات والندوات الخاصة بالمصرفية والاقتصاد الإسلامي. والمطلع على الأنظمة المرتبطة بالتمويل والاستثمار يلاحظ اهتمامها بالجوانب الشرعية مثل نظام التمويل والرهن العقاري والأنظمة الأخرى المطروحة حاليا.