جينات الصياد وامرأة المغارة
لنتذكر ملايين السنين التي عاش الرجل فيها صيادا يمارس التركيز والمطاردة العنيفة أو المغامرة والاقتحام لزيادة حظه في تكديس الغنائم والرجوع بحظ أوفر من الغذاء لعائلته، بينما اعتادت النساء أن تغزل الوقت وتمتهن الصبر في الاهتمام بالأولاد وانتظار عودته سالما.
يؤكد جميع الصيادين أن الصيد يتطلب سلوكين معينين بدقة، أولهما أنه في عملية الصيد يجب الامتناع عن إصدار أي صوت أو كلام حتى لا تجفل الفريسة، والآخر أنه لا يمكن أثناء الصيد التعبير عن الخوف وتبادل الانفعالات، بل يجب أن يركز الصياد اهتمامه على مراقبة الفريسة والاستعداد للمخاطرة بحياته في أي وقت، فخلال آلاف السنين لم يكن الرجل مضطرا للصيد من أجل الغذاء فقط بل كان عليه أن يدافع عن نفسه للبقاء حيا، وأن يكون دوما على حيطة وحذر فلا يسمح لانفعالاته الحائمة حول هلع الافتراس أو العودة دون الطعام اللازم لبقاء عائلته أن تشل حركته أو تسري على ملامحه، فتعلم منذ ذلك الوقت أن يجمد اضطراباته ويبتلع قلقه، وأن يتظاهر بالقوة حتى يطمئن شركاءه ويبين لهم أنه أهل للاعتماد عليه، بينما كانت هي تعيش داخل مغارتها مع أولادها وبالقرب من جاراتها، وعلى علاقة وثيقة بهم تتطلب تطوير التواصل الشفوي من أجل التعبير عن انفعالاتها وقلق انتظارها بالكلام مع صديقاتها.
ما زالت جينات الصياد وامرأة المغارة تتوارث بين الأجيال، لهذا السبب وحتى يومنا هذا عندما تلمس الزوجة بإحساسها أن ثمة ما يشغل بال زوجها فتسأله بقلق: ما الذي يشغلك؟ فإنه يردد غالبا: لا شيء.. أنا بخير، فلم يعتد الاستسلام للتجارب الانفعالية وللتعبير عن مشاعره والبوح بمخاوفه، أو أن يقول لا أدري أو لا أعلم، وأعتقد أننا نحن النساء بحاجة إلى جهود ومهارات حتى نفلح في تغيير سلوك موروث من أحقاب بعيدة، فعندما يستشعر الرجل انفعالاته يدخل في حالة انغلاق ذهني وانفعالي تام تجعله يرفض التحدث عما بداخله ليهضم اضطرابه بهدوء، مما يجعل بعض النساء تسيء فهم حالته أو تعتبره كائنا ضعيف الإحساس، فهي لا تخاف التعبير الانفعالي بقدر ما تخيفها القطيعة فتتابع النقاش لاستمرار التواصل، بينما يعتقد هو أنها تود تصعيد الشجار، وهذا يظهر التناقض بينهما في التخلص من الفيض الانفعالي، حيث يحاول الرجال تجنبه بقدر ما تحاول النساء إثارته، وقد تحتاج المرأة إذا رغبت في تجنب لجوء زوجها للصمت إلى أن تبتعد عن توجيه الانتقادات الشخصية وتحترم اعتزاله الانفعالي، كما يلزمه أن يتفهم بدوره أنها عندما تسأله عن أموره أو تدلي برأيها في أحواله فليس من أجل مهاجمته والانتقاص من قيمته بل حبا في تحسين العلاقة معه.