أهمية الرياضة للبراعم لإحداث التطور في كرة القدم(2 من 2)

فئة البراعم وهي ما دون التاسعة في مجال كرة القدم تعد مرحلة مهمة جداً من مراحل التكوين البدني والفني والنفسي والعقلي، وتحتاج إلى تكثيف العناية والاهتمام بها، وتوفير جميع الإمكانات المادية والمعنوية واللوجستية، لأنها تعتبر الثروة الحقيقية ومستقبل الأمة في المجال الرياضي، وفي هذا الصدد يجب أن تتكاتف كل الجهات ذات الصلة وتبدأ من الأسرة والمدرسة والمجتمع والنادي والجهات الرياضية الرسمية وكل له دور يجب أن يقوم به.
والأسرة من أولى الحاجات الطبيعية التي يلجأ إليها الإنسان، ولضرورتها الطبيعية لاستمرار الجنس البشري، وكذلك لتوفير الأمن والحماية الضروريين فإن الكائن البشري يعمل بشكل تلقائي على إنشاء الأسرة وهو أمر طبيعي ويمارس في كل أنحاء العالم ومنذ آلاف السنين، ونظرا لأهمية الأسرة، وتعد الأسرة كمكون اجتماعي هي جماعة من الأفراد تربط بينهم رابطة الدم، ويعيشون في منزل مستقل، ويتواصلون فيما بينهم عبر تفاعل مستمر، كما يؤدون أدواراً اجتماعية خاصة بكل واحد منهم، ولها وظائف فهي أولا المدرسة الأولى التي يتعلم فيها الطفل لغة أمه والمشي وبعض الأخلاق والقيم، ومن خلال أسرته يكتشف نفسه ومحيطه، فهي التي تمنحه الهوية والأمان والحنان، وبالتالي فهي تلعب الدور نفسه الذي تلعبه المدرسة، إضافة إلى كونها المسؤول الأول والأخير لنجاح تنشئة الفرد، وهي الرحم الاجتماعية للطفل التي يعود إليها الطفل لتضميد كل جراحه التي قد يسببها العالم الخارجي بسبب المعاناة والضغوط والممارسات الخاطئة، ومن هنا فالأسرة هي الخلية الأساسية في المجتمع وهي المسؤولة عن قوة أو ضعف البنية المجتمعية العامة، لكونها تقوم بوظيفة الأمن لأفرادها ووظيفة التضامن بينهم ووظيفة التكوين والتنشئة الاجتماعية، ووظيفة المراقبة والتربية.. فهي بالتالي مؤسسة شمولية تؤدي مختلف الأدوار، إلا أن الوضع في الوقت الراهن قد تقلصت فيه هذه الوظائف ومعها مسؤوليات الأسرة فتحولت بذلك هذه الأخيرة من مركز دائرة التربية إلى عنصر أو طرف مشارك في العمل التربوي وأصبح للأسر دور مهم وحيوي في العناية بالبراعم وتهيئة الجو الملائم لهم لممارسة كرة القدم باختيار المكان المناسب لهم لممارسة هوايتهم إن كانت في ناد أو مدرسة أو أكاديمية رياضية، بل تعاظم الآن دورها في تشجيع الموهوبين من الأبناء على ممارسة كرة القدم والعناية باللياقة البدنية والصحة النفسية بجانب التحصيل العلمي والتفوق الأكاديمي، وهي تمثل دور الرقيب الذي يتابع حركات وسكنات البرعم حتى يصل إلى أن يصبح لاعباً كبيراً أو محترفاً في أحد الأندية.
ثم تأتي المدرسة، فالمدرسة بطبيعتها الاجتماعية والخلقية تحمل دائما في الإطار القومي الذي تستمد فلسفتها واتجاهاتها منه، والتي في ضوئه ينبغي أن تختار خبراتها التعليمية التي تعني البراعم والناشئين، فعلى المدرسة أن تحافظ على الإطار القومي، كما عليها أن تسهم في تطوير هذا الإطار وتنميته وإخضاعه للدراسة والفكر وبث روح الحماسة الوطنية وتفعيل الحس الوطني لدى هؤلاء البراعم لينشأوا على حب الوطن والإخلاص له في ضوء ما يشهده المجتمع من تغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية. والمدرسة في هذا العصر تجد نفسها أمام وظيفة جديدة تفرضها عليها طبيعة التغييرات الجذرية التي يتميز بها هذا العصر وهي العناية الرياضية بالبراعم وتعتبر هي الخطوة الأولى نحو بناء لاعب كرة قدم محترف، لأنها وفق برامجها تقيم النشاطات الرياضية وفق أسس وبرامج ودورات مدرسية ومنافسات بين جميع المدارس ومن خلال التدريبات والمنافسات الداخلية والخارجية.
من وظائف التربية والمدرسة أن تختار بين الاتجاهات والقيم والعادات والمعارف التي توجد في المجتمعات على أساس التمييز بين المرغوب فيه وغير المرغوب فيه، ذلك أن كل مجتمع يتضمن كثيرا من العناصر المختلفة والأفكار المتنوعة والقيم المتعارضة، ولما كانت المدرسة هي أداة المجتمع لتنمية اتجاهات وقيم مرغوب فيها في ضوء أهداف معينة كان من وظيفتها القيام بتدعيم الجيد من العناصر والقيم وتزويد الصغار البراعم والناشئين بها لمواجهة مواقف حياتهم في بيئتهم الاجتماعية.
إذا كان الدور الاجتماعي لكل من المدرسة والأسرة يتجلى في التنشئة الاجتماعية للبراعم والناشئين عن طريق التربية فإن علاقتهما يجب أن تنطلق من هذا المنظور الأساسي. وعلاقة الأسرة بالمدرسة يجب ألا تبقى علاقة سطحية تتجلى أساسا في أن الأسرة هي التي تزود المدرسة بالمادة الأولية أي التلميذ، وبالتالي فعملية التربية كلها تقع على عاتق المدرسة، بل يجب أن تكون علاقة شاملة تنبني على أنهما شريكان، وعلاقة المدرسة بالأسرة يجب أن ترتكز إلى مبادئ التواصل والتفاعل المتبادل والشراكة الفعالة، مع تسخير كل الإمكانات والوسائل والسبل الكفيلة بتفعيل هذه العلاقة على مستوى التطبيق والممارسة، وأن ينصب ذلك في مصلحة البراعم وتطوير مستوياتهم الرياضية وخاصة في كرة القدم، وتبقى المدرسة هي التي يجب عليها أن تخطو الخطوة الأولى نحو هذا الانفتاح ولعب الدور المهم في صياغة البراعم في مجال كرة القدم وفق أسس احترافية، وعليها أن تعمل جاهدة على جعل الأسرة تلتحق بها وتشاركها هذا الهم وهذا التوجه، كما يجب عليها أن تنفتح أيضا على باقي مكونات المحيط وذلك بتفعيل جميع الإجراءات التي تمكنها من تحقيق برنامجها نحو تطوير الرياضة عبر بناء جيل جديد من البراعم يحمل راية التحدي من أجل بناء المستقبل الرياضي الصحيح للدول العربية، ويجب أن يتم التنسيق بين الأسرة والمدرسة لخلق شراكة متكاملة تحقق المصالح المشتركة وفق الأهداف الموضوعة وأن تضمن المناهج التعليمية بعض المواد الرياضية التي تزيد من ثقافة أطفالنا.
ثم يأتي الدور المتعاظم الذي يجب أن تقوم به الأندية الرياضية ومدارس وأكاديميات كرة القدم، حيث إنها الجهات التي يمكن أن تسهم إسهاما فاعلا في صقل المواهب الكروية والعناية بتحقيق الرغبة وفق الميول والاتجاهات المتنوعة وتتيح فرصا حقيقية لتنمية الشخصية والعمل الجماعي والتعاوني والانخراط في كل مكونات الحياة. لقد بدأت معظم الأندية في السنوات الأخيرة الاهتمام بتوسيع قاعدة الناشئين وتكوين مدارس للكرة من الأعمار المختلفة، ولكن يتم تجاهل فئة البراعم في حين أنها هي الأساس المتين الذي يمكن أن نبني من خلاله قاعدة صلبة قوية، ونظراً لأن الوصول للمستويات العالية في مجال كرة القدم لا يتحقق إلا من خلال التدريب المنظم من قبل فنيين متخصصين وبرامج فنية ومداومة تقييمها وتعديلها وتطويرها بواقعية ووفق الظروف الاجتماعية وغيرها من الظروف التي تعترض طريق تنفيذ هذه البرامج وبعد الاختيار الجيد للبراعم والموهوبين لأن الانتقاء هو من أساسيات تحقيق التطوير الذاتي، وحيث إن هذه الفئة بالذات تحتاج إلى مدربين لديهم الرؤية الكافية التي تساعدهم على انتهاج الأساليب المتطورة في تخطيط التدريب حسب الأعمار السنية من أجل أن يتمكن المدرب من تطوير قدرات البراعم بدنياً وفنياً ونفسياً، ويساعدهم على تطبيق المهارات الحركية والمبادئ الخططية وتنفيذ طرق وخطط اللعب المختلفة، التي ستمهد لهم الطريق لمستقبلٍ واعد وتمكنهم من الوصول إلى مصاف اللاعبين العالميين.
والمدرب في هذه الفئات يجب أن يلم الماماً كاملاً بالأسس العلمية الحديثة في تعليم وتدريب البراعم والناشئين والشباب في كرة القدم ومعرفة الفروق الفردية بين اللاعبين في القدرات بناء على أعمارهم، بل أكثر من ذلك يجب أن يلم ويعرف كل شيء يحيط باللاعب ومراقبة سلوكه في الملعب وخارجه ووضع أهداف محددة لعملية التدريب، حيث يصبح اللعب متعة يستمتع بها اللاعبون البراعم وفق برامج مرنة وواقعية، واتخاذ مبدأ التنوع والابتكار من أجل إحداث التشويق لأن البراعم يعشقون التشويق في العملية التدريبية بحكم رغبة الأطفال الدائمة في التغيير والتبديل لأنها تبث فيهم روح الفرح والسعادة وغرس روح التعاون والتكاتف بينهم وتعويدهم على تقبل الفوز والهزيمة بكل صدر رحب وبث الأخلاق الرياضية في نفوسهم وغرس الثقة في نفوسهم بكل النواحي الإيجابية.
كما يجب عليه أن ينتهج السلوكيات القويمة حتى يصبح قدوة لهم، والسلوك الإيجابي للمدرب والإداري له أثره في نفوس الصغار، فالصغار يتأثرون بما يرونه ويطبقون ما يشاهدونه من معلميهم ومدربيهم بجانب تنمية الثقافة الصحية والغذائية من خلال النشرات والمحاضرات من أصحاب الاختصاص. ومن الأشياء الضرورية وتوفير الأدوات الكاملة المتعلقة بالتدريب وتوفير فرص التحدي الإيجابي وتقديم الحوافز التشجيعية لهم مع توفير كل وسائل السلامة في كل شيء داخل الملعب وخارجه في مناطق تغيير الملابس أو الحمامات أو غيرها لحفظ الأمن للصغار وعدم تعرضهم للإصابة البدنية أو النفسية.
إن العناية بهذه الفئة له مدلولات وفوائد كثيرة فهي تؤمن مستقبلاً زاهراً لأن النشأة الصحيحة تولد جيلاً قوياً في تكوينه البدني متمتعاً بسلوكيات قويمة متفرداً بفنيات راقية له نفسية وعقلية متفتحة تتواكب مع التطور المذهل الذي يحدث في كرة القدم وخاصة في مجال طرق ووسائل وخطط اللعب الحديثة التي تتطلب عقلاً متفتحاً يتفهم أسرارها ويغوص في خباياها فيدخل دائرة الصراع مع الكبار بفكر هزيمتهم وتحقيق الإنجاز، وإهمال هذه الفئة يؤدي إلى دفن مواهب وكفاءات كثيرة كان بالإمكان أن يكون لها دور كبير في تحقيق آمال المنتخبات العربية بل هو تحقيق أحلام الأمة العربية بتحقيق انتصارات رياضية تعوضهم عن إخفاقاتهم السياسية، وهذا ليس ببعيد إن كانت عنايتنا بالبراعم هو المشروع المهم في تخطيطنا نحو كرة قدم عالمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي