بنوك إسلامية تستوفي مضاعف الخدمة الفعلية على البطاقات الائتمانية
أثار الشيخ عبد الرحمن الأطرم الأمين العام للهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل أخيرا قضية الرسوم الإدارية المبالغ بها، وعدم احتسابها على الأرباح، مؤكدا أن البطاقات الائتمانية يتضاعف فيها الدين بنسبة ما بين 18 و26 في المائة وقلب الدين يتضاعف من 24 إلى 28 في المائة نهاية العام.
#2#
ودعا الأطرم البنوك إلى ضرورة الإفصاح عن الرسوم الإدارية وإضافتها على الأرباح وليست منفصلة عنها، مؤكدا أن هناك مبالغة في بعض الرسوم تصل إلى أربعة آلاف، ووجوب أن تكون هناك شفافية في التعامل مع العملاء.
ويأتي التساؤل عن أسباب عدم التزام المؤسسات والمصارف الإسلامية بالعديد من القرارات الصادرة عن المجامع الفقهية، ولماذا لا يزال عدد من المشايخ والعلماء يرون أن هناك شبهات ربوية في البطاقات الائتمانية خاصة تلك الجهات التي لا تفصح عن الرسوم الإدارية ولا تضيفها على الأرباح وتفصلها عنها، وأسباب المبالغات في بعض الرسوم لتصل إلى أربعة آلاف ريال، وما دور الهيئات الشرعية في هذه المخالفات وعلى أي جهة يتم التكييف الشرعي، في الوقت الذي يقرر فيه مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثانية أن كل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة لأنها من الربا المحرم شرعا، والبطاقة الائتمانية كما هو معروف عقد بين البنك ولعميل وفقا للضوابط الشرعية، ويشترط خلوها من الربا والغرر ومحدودية الربح، وإضافة الرسوم وتحميلها على الأرباح، ولكونها كذلك فقد اختلفت في طبيعتها عن البطاقات التقليدية.
وأسهمت هذه البطاقات في انتشار الخدمات الائتمانية المصرفية الإلكترونية، وحازت على إقبال واسع في الأوساط الإسلامية وغير الإسلامية، في وقت يتسع فيه نطاق عمل الائتمان الإلكتروني، وفي وقت يشهد فيه القطاع تنافسا حادا بين منتجات ومؤسسات مالية مختلفة، وبالطبع البقاء للإصلاح والأكثر شفافية ومصداقية.
#3#
في هذا الصدد قال الدكتور عابد العبدلي أستاذ الاقتصاد الإسلامي المشارك بجامعة أم القرى لـ ''الاقتصادية'' إن ما تعارف عليه الناس اليوم بالمصارف الإسلامية يدور حولها شبهات متعددة سواء في تعاملها مع المودعين أو المستثمرين، أو فيما يتعلق باستثماراتها في الأسواق الدولية، وعدم التزامها بقرارات المجامع الفقهية أو بالأحرى الالتفاف عليها يكمن في صعوبة وعدم قدرتها في تطبيق وتحقيق هذه القرارات، لأن البيئة التكوينية لهذه المصارف هي نفسها بيئة وتركيبة المؤسسات المالية التقليدية من حيث الهيكلة والدور والوظيفة والفكرة، ولذلك لا يمكن لها أن تعمل وتمارس نشاطها المالي إلا في بيئة المصارف التقليدية نفسها أو في بيئة قريبة منها.
وتطبيق الأحكام الفقهية في جميع نشاطاتها يتطلب بيئة مختلفة جذريا عما هي عليه، وهذا قد يكبدها خسائر في المدى القصير إذا ما أرادت الأسلمة الفعلية لبيئتها ولأنشطتها المالية.
وأضاف العبدلي أن مضمون البطاقات الائتمانية أنها ''أمر اعتماد'' يصدره البنك لحامله ومقتضاه أنه يحمل تخويل بالاقتراض من البنك في أي وقت شاء، لكن الصورة والشكل هنا والعقد ربما يختلف عن القرض الصريح، ولكن الأصل واحد وهو قرض، والشبهة هنا فيما يتقاضاه البنك من رسوم إدارية متكررة ومتغيرة، والملاحظ أن قيمة هذه الرسوم تخضع لنسب مئوية أحيانا، وهو ما يدعو للشك والريبة في هل كونها رسوما إدارية أم فوائد تتقاضاها مقابل استخدام هذه البطاقات، وهي بهذا التصنيف ''كرسوم إدارية'' تخرج من الحرج الفقهي وكذلك الاجتماعي طالما أن المتعاملين يتقبلون ذلك بكل أسف.
والأغرب من ذلك فإن تفاصيل عقود هذه البطاقات غير متاح بوضوح للعميل، وجرت العادة على أن البطاقة شائعة الاستخدام وعقودها قياسية إضافة إلى أنها مجازة شرعا، وهذا يجعل العميل طالب البطاقة لا يكترث كثيرا بتفاصيل العقد، وللأسف كثير من المصارف غير التقليدية ''الإسلامية'' تنحى منحى أخواتها التقليدية حتى في تصميم بروشورات وكتيبات العقود، حيث تقدم هذه العقود وتخفي كثيرا من بنودها بطريقة غير أخلاقية إذ تجد نصوص العقد مكتوبة بخط متناهي الصغر حيث لا يستطيع الطرف الآخر قراءته.
وحول المبالغات في بعض الرسوم لهذه البطاقات قال العبدلي، إن من يتحمل ذلك هم أعضاء الهيئات الشرعية في المقام الأول، لأن الهيئة هي التي تمنح الشرعية لهذه البنوك، وأعلم أن كثيرا من أعضائها على درجة كبيرة من العلم والصلاح، إلا أن هذه الهيئات ينتهي دورها بالتوقيع على الإجازة، ولا تراقب تطبيق هذه القرارات، وهذا هو المنزلق الخطير الذي يمكن أن يمرر من خلاله كثيرا من التجاوزات استنادا على هذه الفتاوى.
وحول الآلية العملية للخروج من هذا المأزق أكد العبدلي أنه عن طريق فصل الهيئات الشرعية عن هذه المصارف، وألا تكون تحت نفوذها بتاتا، وأن تكون جهات رقابية مستقلة تحت إشراف مؤسسة النقد وتتقاضى مكافآتها من المؤسسة وليس من المصارف.
وأن تتولى مؤسسة النقد مراقبة تنفيذ وتطبيق ما يصدر من قرارات من هذه اللجان الشرعية، إذ لا يُتصور أن تكون هذه اللجان الشرعية مستقلة وتمارس عملها بحيادية وهذه المصارف تقوم بتكوينها وتختار أعضاءها، وهي تمنحهم المكافآت وغيرها من المزايا المادية والمعنوية.
#4#
من جانب آخر، أكد الدكتور محمد العصيمي الأستاذ في كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية في جامعة الإمام محمد بن سعود لـ ''الاقتصادية'' على أن مرجعية البنوك التجارية هي في الحقيقة ليست للمجامع الفقية، بل هي مستقلة بنظامها، وليس هناك مرجعية للهيئات الشرعية، مضيفا أن ذلك لا يعني عدم احترامها لقرارات المجامع أو هيئة كبار العلماء، ولكن الإلزام بها ليس حاصلا بالواقع، وأضاف العصيمي أن البطاقة الائتمانية مبنية على القرض، وإذا كان الرسم مرتفعا على التكلفة الفعلية، فالرسم متوجه للقرض بلا شك، وربا القروض لا مرية في تحريمه في كل الديانات وليس فقط الإسلام، مشيرا إلى أن وزارة العدل الأمريكية في الستينيات من القرن الماضي تحفظت التحفظ نفسه على الرسوم التي وضعتها البنوك التجارية المصدرة للبطاقات حتى ثبت لهم أنها مقابل خدمات حقيقية.
وحول المبالغات في بعض الرسوم الإدارية للبطاقات قال العصيمي أن البنوك التجارية السعودية الإسلامية لديها رقابة طيبة تراقب مسار المنتجات، إلا أن المشكلة تأتي دائما من البنوك التجارية ذات النوافذ، وهذه الرقابة عليها ضعيفة أو معدومة.
وحول الآلية الشرعية للخروج من هذا المأزق قال العصيمي ليس أمام البنوك التجارية أن تربح إلا من الرسم الذي تضعه على التاجر، أما بقية الطرق التي يربحون منها، وهي قلب الدين، والمبالغة في الرسوم (للسحب والاشتراك السنوي وغيره) وزيادة سعر صرف العملة في الدين الثابت على العميل فكلها لا تجوز، متمنيا أن تطالب مؤسسة النقد بالرسوم كاملة غير منقوصة لبيانها للعملاء، وتفرق بين البنك الصغير الذي يصدر عددا قليلا من البطاقات (مما يجعل التكلفة الفعلية عليه كبيرة نوعا ما) وبين البنك الذي يصدر عددا كبيرا من البطاقات (مما يجعل متوسط التكلفة الفعلية على عمليات البطاقات أقل بكثير).
وكان مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي قد أشار في دورته الثانية عشرة في الرياض بخصوص بطاقة الائتمان إلى جواز إصدار البطاقة الائتمانية غير المغطاة إذا لم تتضمن شرط زيادة ربوية على أصل الدين، ويتفرع عن ذلك جواز أخذ البنك من العميل رسوما مقطوعة عند الإصدار أو التجديد بصفتها أجراً فعلياً على قدر الخدمات المقدمة منه، وجواز أخذ البنك من التاجر عمولة على مشـتريات العميل منه شريطة أن يكون بيع التاجر بالبطاقة بمثل السعر الذي يبيع به بالنقد.
كما أشار قرار المجمع الصادر في عام 1421هـ إلى أن السحب النقدي من قبل حامل البطاقة اقتراض من مصدرها، ولا حرج فيه شرعا إذا لم يترتب عليه زيادة ربوية، ولا يعد من قبيلها الرسـوم المقطوعة التي لا ترتبط بمبلغ القرض أو مدته مقابل هذه الخدمة. وكل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة لأنها من الربا المحرم شرعا.
وكان الشيخ عبد الرحمن الأطرم قد أشار في لقاءات سابقة إلى أن الفوائد المأخوذة على البطاقات الائتمانية الربوية كبيرة جدا تصل إلى 28 في المائة وهي تتعدى بذلك فوائد القروض العادية، ونتيجة لذلك تتسابق تتسابق البنوك على تقديم البطاقات الائتمانية، وأضاف الأطرم أن البنك يستفيد من العميل أيضا برسم الإصدار ورسم السحب النقدي وفارق صرف العملة وفارق العمليات الدولية وغرامة التأخير في حال تأخر العميل.
ويضيف الأطرم أن بطاقة الائتمان قرض والبنك يعد مقرضا للعميل من لحظة شرائه بالبطاقة الائتمانية، ومن ثم فإن أي تكسب من العميل يعد فائدة ربوية، ولا يجوز أن يربح البنك على العميل في أي مرحلة من المراحل وإن ربح فهو ربا، ومعنى ذلك أن البنك لا بد أن يستفيد من مصادر أخرى، وهم يتكسبون من التاجر وهذه قد أجيزت في كثير من القرارات المجمعية.
وعن احتساب التكلفة الفعلية على العميل يقول الأطرم إن كان حسب التكلفة الفعلية بمعيار عادي وفق الضوابط والقواعد الشرعية فهذه الحسبة صحيحة وعلى هذا يكون القرض موافقا للحكم الشرعي، لأن القرض لا يجوز أن يأخذ عليه الإنسان أكثر من تكلفته من المعلوم.
وأشار الأطرم إلى أن بعض البنوك تحايلت على الإيرادات المذكورة سابقا بطرق أخرى أضفت عليها الطابع الإسلامي، مثل رفع رسوم الإصدار، حيث تكون أكثر من التكلفة الفعلية، ووضع رسم شهري يتراوح بين 75 و180 وتصل في السنة إضافة إلى الرسم 2510 ريالات، والحد الائتماني قد يكون عشرة آلاف ريال، وبذلك تكون الفائدة أكثر من 20 في المائة، وأحيانا تصل الفوائد إلى 32 في المائة، إضافة إلى عملية قلب الدين في حال تأخر العميل عن موعد السداد، وذلك عن طريق بيع سلعة بالأجل للعميل في السوق العالمية، ومن ثم يقبض البنك الثمن ويسدد فيه مستحقات البطاقة على أن يقوم العميل بتقسيط المبلغ والرسوم الشهرية الثابتة والسنوية للبنك.