ضرورة التطوير وتطوير الضرورة

التطور والتغيير سنة الحياة ومطلب الإنسان، لذا نجد أن كلمة التطوير من الكلمات الرنانة التي تجد قبولا بين الناس في المجالات والمواقع كافة. فمن منا لا يرغب في التطوير سواء في حياته الخاصة أو حياة مجتمعه الذي يعيش فيه؟ فإذا كان هذا هو الحال فلماذا لا تنجح بعض المجتمعات في هذه البديهية المنطقية ولا تسعى للوصول إليها؟
عند تحليل ومراقبة التطوير الذي يتم في المجتمعات الإنسانية نجد أن ذلك يتم عن طريق منهجين أو أسلوبين. أما المنهج الأول وهو التطوير الذي يتم بناء على معطيات ومسيرة نمو وتنمية المجتمع الطبيعية. أي أن تغيرات الحياة وما يحصل من تفاعلات وتأثيرات داخلية وخارجية وكذلك ما يحدث من قفزات تقنية أو اكتشافات علمية تؤدي إلى حتمية التطوير وإلا لتخلف المجتمع وأصبح خارج مسار المجتمع الإنساني. بمعنى آخر أن هناك واقعا عالميا وعلميا وفكريا يوجد حالة من الحراك الاجتماعي الإنساني لا يمكن تجاهله، وبالتالي يصبح من الضروري إحداث التطوير في المجتمع. وهنا نجد أن التطوير تحقق نتيجة حتمية طبيعية لا يمكن إلا الأخذ بها.
وهذا النهج - أي ضرورة التطوير- هو المسار الطبيعي الذي تتعامل معه المجتمعات والدول كافة في عصرنا الحاضر. وهو في الغالب يجد القبول ويتصف بالانسيابية، وتأخذ عملية التراكم دورا مهما فيه، فهو لا يتحقق بكبسة زر، إنما بجهود مستمرة تتوارثها الأجيال وتتبادلها المجتمعات الإنسانية. كما أن تكلفته يمكن تحملها من قبل المجتمع لأنها لا تأتي مرة واحدة، إنما تتوزع على الأجيال حسب المتغير الزمني الطبيعي للتطوير. أما المنهج الثاني فهو ما يمكن تسميته تطوير الضرورة. هذا المنهج يظهر في حياة بعض المجتمعات التي تفشل في تطبيق مبدأ ضرورة التطوير، إما جهلا وإما ضعفا في الإمكانات وإما لوجود عوامل داخلية تقف حجر عثرة في وجه ضرورة التطوير وطبيعته. إن تطوير الضرورة هو في الغالب معالجة للخلل الذي حصل في المجتمع وأدى إلى تخلفه عن الركب الإنساني. في هذه الحالة نجد أن المجتمع المعني إما أنه فشل في التطوير في جوانب حياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية كافة أو أن هناك جوانب في حياته تم إيقافها نتيجة ظروف وعوامل لم يستطع المجتمع تجاوزها. ونتيجة لهذا الواقع التنموي ''الثابت'' تحصل ضغوط ومطالبات تؤدي في لحظة ما إلى إحداث التطوير رغما عن عدم مناسبته سواء في توقيته أو تكاليفه العالية، وبالتالي فهو تطوير ضرورة كان بإمكان المجتمع تفاديه لو تعامل بعقلانية وأخذ بمنهج ضرورة التطوير التي تقوم على أن الإنسان هو الإنسان وأن حاجاته وحقوقه متشابهة سواء كان في الصين أو كان في تشيلي أو كان في أصغر قرية من قرى إفريقيا.
وإذا نظرنا إلى التجربة التنموية السعودية نجد أنها - في رأيي الشخصي- حققت نجاحات ممتازة في تبني نهج ضرورة التطوير، يظهر ذلك في إدخال كثير من معطيات الحياة الحديثة وتوفيرها لفئات المجتمع السعودي كافة، سواء كان ذلك في الجوانب المادية البحتة، أو في الجوانب الإدارية والاقتصادية والتنظيمية. فأغلبية المواطنين السعوديين متاح لهم وقادرون على الوصول إلى ما ينعم به أي مواطن عالمي يصنف بأنه سعيد. والحكومات السعودية المتعاقبة استطاعت أن تتجاوز أي عقبات أو حواجز تقف حجر عثرة في طريق التطوير والتقدم ومسايرة الركب الإنساني العالمي. هذه حقيقة تحتم المصداقية وقول الحق قولها، ولا يمكن لكل منصف من داخل المملكة أو خارجها أن يتجاوزها. لكن هل يعني ذلك أننا لا نعاني نواقص واحتياجات تم تجاهلها أو تأجيلها لأسباب واهية؟ الجواب طبعا لا، فلقد كان بالإمكان أفضل مما كان. كما أن تنفيذ بعض البرامج التنموية اعترته نواقص وفساد ومحسوبية وغير ذلك من آفات شوهت جهود المخلصين ونوايا وأهداف القيادة. هذا الأمر ليس سرا ولا هو محرم الكلام عنه، ولعل ما أطلقه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز من برامج وأقوال وأفعال خير شاهد، حيث أشار - حفظه الله - إلى تدني نصيب بعض المناطق من التنمية ووجه بإنشاء الجامعات في مناطق المملكة كافة، وكذلك إنشاء المدن الاقتصادية وإنشاء هيئة مكافحة الفساد وإعطاء المرأة بعض حقوقها والقائمة تطول، فليس الهدف هو الحصر، إنما الاستشهاد. إن كل ذلك يدخل - في رأيي - ضمن نهج تطوير الضرورة، الذي ذكرناه في بداية المقال، والذي كان من الممكن تفاديه وتفادي تكاليفه لو سرنا على نهج ضرورة التطوير الطبيعي مثل كثير من دول العالم.
بعض الأمور في حياتنا تم تأجيلها، وهي اليوم ضمن قائمة منهج ''تطوير الضرورة''، مثل الحقوق الكاملة للمرأة، والقضاء على المحسوبية والعنصرية، وحق إبداء الرأي فيما يمس الحياة اليومية عن طريق نظم متطورة أقلها حق الانتخاب العادل والشفاف، وكذلك تدوير القيادات التنفيذية وإعطاء الفرصة للكفاءات المتخصصة .. فهل نقوم بذلك أو نتركها ونزيد من وقت تأجيلها ونرفع تكلفة معالجتها على الأجيال القادمة؟

ماذا لو؟
ماذا لو سمح بانتخاب نصف أعضاء مجالس المناطق بدلا من مبدأ التعيين القائم حاليا؟ إن ذلك سيفرز وجوها قادرة على إعطاء التنمية المحلية دفعة جديدة وحقيقية سينعم بخيرها الجميع.
تنويه: في عدد سابق من هذه الجريدة كتبت مقالا بعنوان ''سوف وسا ومسيرة البناء'' يتناول مبالغة بعض المسؤولين في استخدام ''سوف'' و''سا'' لما سوف يقومون به وعدم ارتباط ذلك بواقع التنفيذ والفعل الحقيقي. وحيث اتضح لي لاحقا أننا ظلمنا حرفا مهما يستخدم هو الآخر من قبل بائعي الأحلام الوردية وهو ''حا''، لذا لزم التنويه حفظا لحقوق بياعي الكلام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي