المصرفية الإسلامية في الخليج تواجه تحديات «المأسسة» والاعتراف وبناء الهوية
ما زالت المصرفية الإسلامية تواجه بشكل عام تحديات كبيرة تثير القلق رغم عمليات النمو التي تجاوزت ثلاثة تريليونات دولار في ظل توقعات أن يصل الرقم في عام 2015 إلى أربعة تريليونات دولار، ففي حين أن نسبة نمو التمويل الإسلامي خلال السنوات الماضية كانت بين 15 و20 في المائة، فإنها تراجعت اليوم إلى ما بين 10 و12 في المائة، وهذا التراجع في النمو لا يعني خطرا مؤكدا، لكنه يدعو إلى مراجعة الذات، والانتشار الواسع يزيد من المسؤولية لتحقيق مزيد من النجاح، ويفترض إعادة بناء البيت الداخلي، حيث سجلت المؤسسات المالية الإسلامية في عام 2010 انتشارا واسعا لتصل إلى أكثر من 300 مؤسسة منتشرة في أكثر من 75 بلداً، وتشير بعض التقارير إلى أن معدل النمو السنوي المركب للمؤسسات المالية الإسلامية وصل إلى 23,5 في المائة خلال الفترة بين عامي 2006 و2010، وفيما يتعلق بالصكوك يُتوقع أن يشهد العام الجديد زيادة حصة ماليزيا من 56 في المائة إلى 60 في المائة من حجم الإصدارات، بينما تشهد إصدارات دول مجلس التعاون انخفاضاً من 32 في المائة في 2010 إلى 27 في المائة. ويتمثل التحدي الذي يواجه قطاع التمويل الإسلامي في كيفية المحافظة على هذا النمو واستمراره في المستقبل، ووضع الحلول والتصورات التي يحتاج إليها القطاع لتوسيع نشاطه في المناطق الجغرافية على مستوى العالم التي يمكن أن ينتشر فيها بنجاح، وعليه فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما دور المصرفية الإسلامية في الخليج ومكانتها في عالم الصناعة المالية الإسلامية؟ وما التحديات التي تواجهها، التي تحول دون تطورها ورقيها؟
#2#
#3#
أكد خالد العقيل المحامي والخبير القانوني لـ ''الاقتصادية'' أن أي قطاع من الأنشطة الاقتصادية سواء كان قديماً أو حديثاً لا يخلو من عقبات أو صعوبات قديمة كانت أو مستحدثة تظهر أمامه بين فترة وأخرى، وما حدث في العالم الغربي أو بعض دول الخليج العربي خلال السنوات القليلة الماضية أظهر بوضوح أن قطاعات عريقة سواء كانت بنكية أو عقارية أو غيرها، واجهتها تحديات عظيمة أضرت بها كثيرا. وعلى صعيد المصرفية الإسلامية، أكد العقيل أنه بهذا السياق لا يختلف عن غيره، لكن يضاف إلى ذلك كونه حديث العهد نسبياً، حيث يواجه عديدا من التحديات، تتمثل في ضعف مخزون التجربة العملية لهذا النشاط، وضعف أو انعدام التنسيق بين المصارف الإسلامية أو بيوت التمويل الإسلامي في تنفيذ أعمالها والاستفادة من تجاربها والتخطيط لأعمال مشتركة، وعدم وجود مراكز بحث ودراسات متخصصة لبحث وتقويم التجارب والاستفادة منها، وضعف الغطاء القانوني الذي يحكم بعض أنشطة المصرفية الإسلامية من جهة، وكذلك إشكالية مرجعية التحاكم القضائية عند وجود نزاعات.
وحول المطلوب لمواجهة هذه التحديات يقول العقيل إن التنسيق والاستفادة من الخبرات وتقويمها أمر جوهري، لكن الأهم من ذلك ضرورة وجود تنسيق حقيقي وعضوي يتمثل في وجود اتحادات تجمع المصارف الإسلامية، بل بعض الأنشطة المصرفية الإسلامية كل على حدة ويتعدى ذلك ليشمل المستهلكين من خدمات المصرفية الإسلامية أو عملائها، يفترض أن يكون بينهم نوع من التعاون وتبادل التجارب تجاه المصارف الإسلامية، وصولاً إلى تصحيح المسار من واقع الإشكاليات التي يواجهها العملاء.
وأشار العقيل، بخصوص التنسيق، إلى أهمية المؤتمرات والمنتديات المتخصصة، شريطة أن يتم الإعداد لها جيداً بجدول أعمال محدد تتم تغطيته بشكل مباشر، وأن يدعى لهذه المؤتمرات الأشخاص أو الجهات ذات العلاقة المباشرة بموضوع المؤتمر أو الندوة، وأن يتم تدوين ومتابعة تنفيذ ما يتم التوصل إليه من قرارات في هذا الخصوص. وإضافة إلى ما ذكر فإن المشكلات المتعلقة بصناعة المصرفية الإسلامية يجب أن يتم التطرق إليها في وقت مبكر سابق، حتى يمكن الإعداد لها بشكل مباشر وجيد من البنوك ذات العلاقة، مع التوصية بالحلول الملائمة.
وعن دور مؤسسة النقد السعودي يقول العقيل إنها تعتبر مرجعية خاصة بالبنوك السعودية المرخصة، وكذلك بالنسبة لفروع البنوك الأجنبية التي تمارس نشاطها في المملكة، ولا شك أن لها صفة الإشراف والمتابعة لأنشطة تلك البنوك من أجل ضمان التزامها بالأنظمة ذات العلاقة. والبنوك السعودية تكاد تكون جميعها تمارس المصرفية الإسلامية كأحد أنشطتها، والبعض الآخر من البنوك السعودية تحول إلى مؤسسة مصرفية إسلامية بنكية بالكامل. كما أنه تم الترخيص حديثاً لبعض البنوك السعودية الجديدة التي بدأت العمل المصرفي منذ تأسيسها على أسس المصرفية الإسلامية، وعليه فإن دور مؤسسة النقد السعودي هو دعم عام وشامل لجميع البنوك دون تمييز.
وأكد العقيل أن مؤسسات المصرفية الإسلامية في الخليج من جهة تطبيقها المقاصد الشرعية تعتبر جيدة إذا أخذنا في الاعتبار حداثة عملها من ناحية، والبيئة المنافسة لها من ناحية أخرى، ولا شك أن تأسيس ووجود مراكز شرعية وقانونية ومالية متخصصة لأعمال المصرفية الإسلامية أمر إيجابي ويصب في مصلحة تطبيقات المقاصد الشرعية، ومثال ذلك هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية AAOIFI والمركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم في دبي، أما في المملكة فلا شك أن تطبيق المقاصد الشرعية في أعمال المصارف الإسلامية متقدم على دول الخليج العربي لعدة أسباب، أهمها الدور الفاعل والقوي للجان المراقبة الشرعية في البنوك مقارنة بغيرها، وكذلك وجود القضاء الذي يأخذ في الاعتبار الأحكام الشرعية الإسلامية بخصوص عمليات التمويل الإسلامي، التي تعتبر العمود الفقري لأعمال المصرفية الإسلامية مثل البيع والإجارة والشراكة والوكالة والكفالة وغيرها.
من جانبه، أكد يوسف الزامل المستشار الاقتصادي لـ ''الاقتصادية'' أن التحديات التي تواجهها صناعة المصرفية الإسلامية تتمثل في نقص أو عدم قيام البنوك المركزية بالدعم القانوني والتنظيمي الملائم للطبيعة المصرفية الإسلامية، وضآلة التنسيق بين المصارف الإسلامية وهيئاتها الشرعية وإداراتها الرقابية، وتدني حجم وجودة البحوث والدراسات في مجال المعرفة الإسلامية، إضافة إلى عدم وجود تصنيف وتقييم لجودة منتجات المصرفية من الناحية الشرعية والكفاءة المالية.
وأكد الزامل أهمية تضافر جهود ملاك ومتخذي القرارات في المصارف الإسلامية للتعاون بينهم في مجال البحوث وتنسيق السياسات وتجانس الفتاوى الشرعية، وكذلك لغرض أن يكونوا تكتلا يعمل على تطوير أدوار البنوك المركزية في تحفيز ودعم وتوجيه العمل المصرفي الإسلامي.
وعن دور مؤسسة النقد السعودي أشار الزامل إلى أنها تتجاهل ظاهرة المصرفية الإسلامية منذ أولى سنوات نشأتها، حيث تتعامل معها على الأسس المصرفية التقليدية، ما يحبط التطور النوعي للمصرفية الإسلامية، ويقتصر دور مؤسسة النقد مع تنظيم المصرفية الإسلامية على مشاركتها في اللجان أو الهيئات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الإسلامي للتنمية.
ويقول الزامل إن المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية في السعودية والخليج تتعامل في منتجاتنا المصرفية على أسس الربحية قصيرة الأجل التي لا تخدم أهداف الربحية طويلة الأجل التي تساعد على استقرار وتطور المصرفية الإسلامية وازدياد ثقة العملاء وارتياحهم لها مع مواجهة المنافسة المحمومة من قبل مؤسسات المصرفية التقليدية، ولهذا تحتاج مؤسسات المصرفية إلى إعادة تشكيل منتجاتها وسياساتها لتخدم الأهداف التنموية والمقاصد الشرعية الاجتماعية.
من جانب آخر، يؤكد الدكتور حسني الخولي الكاتب والخبير الاقتصادي لـ ''الاقتصادية''، أن التحدي الأكبر الذي يواجه صناعة المصرفية الإسلامية اليوم وفي المستقبل القريب هو عدم توافر ''العنصر البشرى'' المؤهل الذي يجمع بين الجانب الفني والجانب الشرعي، سواء على مستوى الكوادر الوظيفية أو على مستوى هيئات الرقابة الشرعية والتشريعات، فالمتابع للمصرفية الإسلامية يلاحظ زيادة أعداد المصارف والفروع والمنافذ التي تقدم المنتجات والخدمات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، والنمو المتصاعد لموجودات تلك المصارف الذي يتوقع أن تصل إلى أكثر من 1.5 تريليون دولار في عام 2015، وفي الوقت الذي يلاحظ فيه عدم كفاية الكوادر البشرية المدربة التي تعمل في تلك المصارف، نجد قلة عدد الفقهاء المتخصصين في مجال المعاملات المصرفية والمسائل الاقتصادية الحديثة، ما يؤدي إلى عدم وجود تصور واضح لبعض الموضوعات المصرفية، ومن ثم صعوبة الوصول إلى الحكم الشرعي الصحيح فيها، بجانب التطور السريع والكبير في المعاملات الاقتصادية وصعوبة متابعتها بالفتوى وبيان الحكم الشرعي.
ويضيف الخولي أيضا وجود بعض القصور في عمل الهيئات الشرعية، وهذا القصور لا يرجع بالضرورة إلى أعضاء هذه الهيئات، إنما يرجع إلى أسباب كثيرة منها أن أعضاء هذه الهيئات مثقلون بأعباء كثيرة في نطاق عملهم، فبعضهم يشارك في عدد كبير من الهيئات الشرعية للصناعة المالية الإسلامية قد يصل إلى ما يقارب 100 عضوية، إضافة إلى أن عدم تفرغ بعض العلماء لأعمال الرقابة الشرعية في المؤسسات التي يعملون فيها، وهو ما يؤدي - بحسب الخولي - إلى استمرار وجود المخالفات الشرعية والاعتياد عليها من قبل الموظفين، وقد يقود في نهاية الأمر إلى رقابة شرعية صورية لا معنى لها. وأشار حسني الخولي إلى تحديات كثيرة أخرى لكنها تأتي في مرتبة تالية ومن السهولة بمكان إدارتها.
ويقول الخولي إن المؤسسات المالية الإسلامية إذا أرادت أن تستمر فينبغي أن تهتم بالعنصر البشري بدءا من اختيار الكفاءات، ووضع وتطبيق السياسات الوظيفية العادلة التي تساعد على الحفاظ على تلك الموارد البشرية التي تتصف بالندرة، إضافة إلى التعاون مع الجامعات ومراكز التدريب لإعداد وتطوير تلك الكفاءات من خلال توجيه مقررات ودورات تدريبية ومهنية تزيد من فاعلية تلك الموارد البشرية، وزيادة المبالغ الموجهة للبحث والتطوير، وكذلك الالتزام بقواعد السلوك المهني للمؤسسات المالية الإسلامية.
ويقول حسني الخولي إن المتتبع لأدبيات تلك المؤسسات المالية الإسلامية يلاحظ حداثة أعمار تلك المؤسسات، كما أن تلك المؤسسات خرجت من رحم المؤسسات التقليدية غير المتوافقة مع الشريعة، وفي ظل الأرباح المتنامية التي حققتها هذه المؤسسات فإن المنافسة بدأت، وستستمر سواء في السعودية أو الخليج أو الوطن العربي والدول الإسلامية وغيرها.
وحول دور مؤسسة النقد السعودي في تعزيز مكانة المؤسسات المالية الإسلامية قال الخولي، إن لها دورا تنظيميا ورقابيا وإشرافيا على المصارف كافة التي تعمل في المملكة سواء كانت تقليدية أو متوافقة مع الشريعة، وهي تقوم بدورها بكل كفاءة، وأشار إلى أن الأنظمة التي تطبق أنظمة واحدة ولا توجد أي تفرقة في تطبيق تلك الأنظمة، حيث لا توجد أنظمة وقوانين مخصصة للمصارف الإسلامية، وبالتالي فمؤسسة النقد تعزز مكانة المصارف كافة التي تعمل في المملكة وبالقدر نفسه.
وحول توجه المصرفية الإسلامية في الخليج نحو تطبيقات المقاصد الشرعية يقول الخولي إن المؤسسات المالية والفروع والنوافذ التي تقدم الخدمات المصرفية الإسلامية في السعودية والخليج تتزايد عاما بعد عام سواء من حيث العدد أو الموجودات أو الأرباح المحققة، أما من حيث تطبيقات المقاصد الشرعية فهناك بعض التجاوزات البسيطة التي يمكن أن تعالج بمرور الزمن، ولن يكون ذلك إلا بزيادة نسب المشاركات والتقليل من المرابحات والتورق.