التأمين والتسويق.. «فلقتين بالرأس توجع»
لكل مهنة من المهن قواعد وأصول لتسويق الخدمات أو المنتجات الخاصة بها، وهذه القواعد تحكمها عدة اعتبارات متعلقة بطبيعة المُنتج والسلع المنافسة له. ولكن وبعيداً عن الاعتبارات الفنية المتعلقة بهذا المُنتج أو ذاك، فإن المهارة الفردية لمندوب التسويق، ومدى معرفته بثقافة الوسط الذي يتم التسويق فيه، وأذواق المستهلكين يلعبان دوراً مهماً في نجاحه في مهنته.
ومن طرائف التسويق والمسوقين أن أحد مندوبي المبيعات تميّز بنجاحه في مهنته بشكل لافت للنظر وهو يعمل مسوقاً لمنتجات إحدى شركات صناعة المنظفات المنزلية، فسأله زملاؤه في الشركة عن سر نجاحه هذا وقدرته على بيع كميات أكثر بكثير مما يبيعونها، فقال لهم: إن السر ببساطة يكمن في أنني حينما أقرع الجرس فتخرج لي ربة المنزل أقول لها على الفور: هل من الممكن أن تنادي لي أمك يا فتاتي الصغيرة؟ فتُسرّ المرأة من حسن فطنتي هذه وتشتري كل ما في جعبتي من منتجات دون أي نقاش أو مساومة.
والتسويق في التأمين لا يختلف عن غيره من المهن الأخرى، إلا أن له خصوصية تكمن في أن التسويق يتم في الغالب عبر وسطاء أو وكلاء، وقد وضع النظام لدينا في المملكة قواعد خاصة تحكم عملهم التسويقي بشكل دقيق، بل إن عمل وسيط التأمين في المملكة يتجاوز دوره التسويقي إلى الدور الاستشاري بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.
وعلى مستوى العالم ككل، فإن تسويق التأمين ارتبط بشكل لافت بالمشاهير من الرياضيين والفنانين، وأصبح كل طرف يسوق للآخر بشكل غير مباشر. فكلما زاد مبلغ التأمين على فنان ما أو رياضي، أثبت لجمهوره ومعجبيه أنه يساوي الملايين، وليس هناك ما يمنع من ذكر اسم الشركة التي قامت بهذه المجازفة التي يستحقها هذا الفنان أو ذلك الرياضي، فالعملية أقرب ما تكون (تبادل مصالح).
وبشكل عام فإن أكثر ما يثير فضول رجل التأمين هو أن يعرف ما الذي حصل لك في الماضي ليقول إن هذا الشيء قد يتكرر حصوله في المستقبل، وإن كانت إجابتك بالنفي فتوقع منه أن يقول لك أن ما لم يحصل في الماضي قد يحصل لك في المستقبل.
وقد يتوسع هذا المندوب في فرضياته ويجعل المستقبل بالنسبة لك أسود من غير التأمين. ومن باب الطرفة أنني كنت في حديث في أحد الأيام مع بعض الإخوان العرب ممن يعملون في مجال تسويق المنتجات التأمينية في المملكة، وقد سألني أحدهم عما إذا كنت أعرف بعض الأمثلة الشعبية الخاصة بالاحتياط للمستقبل في موروثنا الشعبي المحلي، وذلك ليستخدمها في إقناع زبائنه من السعوديين بالتأمين. فهو يعلم أن الأمثال هي خير وسيلة للإقناع في مجتمعنا. والحقيقة أنه لم يكن في ذهني آنذاك سوى المثل الذي يقول: (جهز العصابة قبل الفلقة)، وشرحت له بأن المقصود بالعصابة هي الربطة التي توضع على الرأس، وأن المقصود بالفلقة هي الإصابة المباشرة للرأس بمقذوف حجري قد يأتي إلى الضحية ممن يعرف أو ممن لا يعرف، ولكني قلت له انتبه فقد يحتاج عميلك المحتمل إلى عصابتين بدل عصابة واحدة، لأن الفلقة الأولى ستكون من شركة التأمين حينما يدفع العميل قسط التأمين، وقد تكون الفلقة الثانية ليس بسبب تحقق الخطر الذي تم التأمين عليه، وإنما تكون قد جاءت نتيجة رفض شركة التأمين دفع مبلغ التعويض لهذا العميل (المفلوق) وعندها قد لا تجدي العصابة في تضميد فلقات هذا العميل مهما كبر حجمها أو وزاد عددها.