الدين الأمريكي.. تهديد للاقتصاد العالمي
أفاق العالم من أزمته المالية وتجاوز نفقها الخطير وهو يحمل معه كثيرا من الخسائر بعد أن تهاوت عروش مالية كانت مضرب المثل في القوة والتماسك والنجاح، إلا أن بعض الخبراء، وفي أثناء الأزمة صرحوا بأن هذه الأزمة ما هي إلا بداية لأزمات أكبر مما نشاهد، ورغم أنهم أعطوا صورة متشائمة عن مستقبل الاقتصاد العالمي ورغم أنهم كانوا متشائمين وغير واثقين في خطى الإصلاح العالمي التي قادتها الدول العشرون، إلا أنهم لمسوا شيئا من الحقيقة ويبدو أنهم رأوا المشهد من زاوية أخرى لم تغفل خطورة الديون التي تتراكم كل عام على دول تقود الاقتصاد العالمي وتوجهه نحو عالم مجهول.
لقد كشفت الأزمة المالية عن خطورة الديون والعجز عن سدادها، ولكن الحالات العملية التي رآها العالم كانت لبنوك وشركات ومؤسسات عريقة سايرت نهضة النظام الاقتصادي الحر، واعتبرت يوما من الأيام من رموز نجاحه وهيمنته وضمان تبعية العالم للغرب حتى في تكرار الأخطاء التي تؤكد كل المؤشرات أنها قبول بأخطار جسيمة لم تكن في عقيدة أحد أنها ستكون من وسائل إدارة الاقتصاد في القرن الـ21.
إن أزمة الديون في الاتحاد الأوروبي أدت إلى خطة تقشف شديدة وتوفير حزمة من الإنقاذ المالي تحملها الأغنياء الأوروبيون لمصلحة شركائهم في الاتحاد ممن دخلوا نادي الأغنياء وهو حل غير متوافر في الحالة الأمريكية، حيث تتباين وجهات النظر بشدة بين تيارين بينهما مسافة في الشأن السياسي لعب التنافس فيه دورا رئيسا نقلها بكل ثقلها إلى الشأن الاقتصادي، فالخلاف لا يزال قائما حول كيفية مواجهة الوضع المالي الذي يفرض ضرورة الاقتراض، بل إن البنوك والمستثمرين ظلوا على قناعة بأن زيادة سقف الدين ليست موضع شك في حين تساءل آخرون عن إقراض حكومة لم تستطع سداد ديونها، وهي مخاطرة ومغامرة وهو الاتجاه ذاته الذي تلوح وكالات التصنيف الأمريكية بالإفصاح عنه قريبا.
العالم يتأهب لمواجهة أزمة جديدة، فالدائنون منهم دول في مقدمتها الصين بدين يقارب تريليون دولار أمريكي مستثمرة في سندات ديون على الحكومة الأمريكية، حيث صرح مسؤولون في وكالة التصنيف الصينية بأن الحكومة الأمريكية ليس لديها سياسة رئيسة لخفض العجز أو تجنب التراجع الاقتصادي الطويل الأمد، أما وكالة التصنيف الأمريكية ''موديز'' فإنها لن تتأخر عن إعلان موقفها من خفض تصنيف الجدارة الائتمانية لأمريكا حتى لو توصل البيت الأبيض والكونجرس ذو الأغلبية الجمهورية إلى اتفاق ينهي حالة الخلاف القائمة منذ بداية العام المالي 2011.
والأخطر من تعرض الدائنين إلى عدم حصولهم على ديونهم المستحقة بفوائدها المتراكمة هو عدم قدرة الحكومة الأمريكية على الوفاء بالتزاماتها الداخلية وما سيترتب على ذلك من خفض النفقات بشكل مؤثر في سير المرافق الحكومية، أما الاقتصاد العالمي فإن عليه في أسوأ الأحوال الاستعداد لتلقي صدمة جديدة في نظامه المالي وهزة قوية في أسواق المال وخسائر فادحة في أرصدة العملاء وفروقات كبيرة في أسعار صرف الدولار مقابل العملات وإقبال غير مسبوق على شراء الذهب والبحث في كل اتجاه عن مأمن للودائع.
أما في أحسن الأحوال فإن زيادة سقف الدين الأمريكي ستؤجل حدوث الأزمة إلى وقت يكون فيه رئيس جديد للبيت الأبيض على استعداد لاتخاذ سياسة ترحيل الأزمة إلى من بعده، ولكن هل ستقف وكالات التصنيف لتراقب سياسة التعامل مع هذا الدين الذي اقترب من 15 تريليون دولار، وهو ما يوفق الناتج الأمريكي في عام كامل ويخالف معايير الملاءة المالية في مقاييس صندوق النقد الدولي ومعه كل وكالات التصنيف ومنها وكالات التصنيف الأمريكية، التي قد يكون لها الكلمة الفصل لو أرادت ذلك.