الخميس, 8 مايو 2025 | 10 ذو القَعْدةِ 1446


البنوك تطلق «لا تِفشيها» لحماية سرية الأرقام الشخصية وبيانات العملاء

تطلق البنوك السعودية مع مطلع موسم كل صيف المثقل بتزاحم مشاهد البيع والشراء والتسوق، العنان لمزيد من جرعات التوعية المصرفية التي تبدأ بعملائها وتمتد لغيرهم، لتبصيرهم بالأسس السليمة لآلية استخدام القنوات المصرفية الإلكترونية كالهاتف المصرفي، أجهزة الصرّاف الآلي، الإنترنت البنكي، والبطاقات الائتمانية والمصرفية على أنواعها، لحمايتهم من محاولات التحايل المالي والمصرفي التي يتخذ المحتالون من تلك الوسائل والأدوات مدخلاً حيوياً لتنفيذ أطماعهم ومخططاتهم الاحتيالية الخبيثة، خاصة في ظل ما تشهده تلك الأدوات من معدلات استخدام مضاعفة خلال هذا الموسم، نظراً لتزايد العمليات المالية والمصرفية التي تتطلبها مقتضيات السفر والإجازة.
ويجمع الخبراء والمختصون على أنه رغم التنامي الملحوظ دولياً في حجم عمليات التحايل المصرفي والمالي، إلا أن ذلك لا ينفي أن نسبة الاعتماد على القنوات المصرفية الإلكترونية في ازدياد مضطر عاماً عن آخر من قبل عملاء البنوك، سواء كان ذلك على المستوى المحلي أم الدولي كون تلك القنوات توفر مظلة متكاملة من المزايا التي تعود على مستخدميها بقيمة مضافة لا تعترف بحدود الزمان أو المكان، وبالذات من حيث السرعة والدقة الفائقة في الإنجاز، والسهولة في الاستخدام وتوفير الجهد والوقت، فضلاً عما توفره تلك القنوات من حماية ودرجات عالية من الأمان لمستخدميها، نتيجة لتعزيزها من قبل البنوك دورياً بأجيالٍ مبتكرة من أنظمة أمن المعلومات لمواجهة أية أخطار ناشئة أو محتملة.
وحفاظاً على سلامة التعاملات المالية والمصرفية التي تتم باستخدام القنوات الإلكترونية وبهدف تقليص احتمالات تعرض عملاء البنوك لعمليات النصب والتحايل نتيجة الاستعانة بتلك القنوات، وبالذات في ظل ما يشهده العالم اليوم من انتشار متزايد للثقافة الإلكترونية، تعمد البنوك السعودية إلى ضخ استثمارات طائلة تقدّر بمليارات الريالات سنوياً في سبيل تعزيز أنظمتها وقنواتها الإلكترونية بإضافة مزيد من ''جدران الحماية'' أو ما يعرف بـ ''الجدران النارية'' Fire Walls، بهدف توفير الحماية اللازمة لمستخدمي تلك القنوات ضمن دائرة الأمان المطلوبة، مستندة في ذلك إلى الوعي المتراكم الذي يتمتع به عملاء البنوك السعودية حيال معايير الاستخدام الأمثل لتلك القنوات، والممارسات السليمة التي يمكن من خلالها تضييق الخناق والفرصة على كل من تسول له نفسه العبث ببيانات وحقوق العملاء الشخصية والمالية، ولعل ذلك ما يفسّر حقيقة أن استخدام البطاقات الائتمانية أو ما يُعرف بـ ''النقد البلاستيكي''، الذي أسهم بفاعلية في تقليص معدلات التزوير والاحتيال خلال السنوات الأخيرة لأكثر من 50 في المائة.
وتؤكد البنوك السعودية ضمن جهودها التوعوية المتواصلة على أن الركيزة الأساسية لمواجهة الخروقات الأمنية أو محاولات التحايل والقرصنة تكمن في ''وعي العميل'' والتزامه التام بالمحافظة على سرية بياناته الشخصية والمصرفية، وعدم التهاون أو التساهل في تداولها والكشف عنها، وحتمية حصر استخدامها لها ضمن المواقع الآمنة والموثوقة، ولا سيما أن العميل يعتبر خط الدفاع الأول للتصدي لعمليات الاحتيال والنصب المالي والمصرفي. كما دأبت البنوك ضمن جهودها الرامية لمكافحة عمليات النصب والاحتيال المالي والمصرفي، على حثّ عملائها باستمرار على أهمية وضرورة الالتزام برسائل التوعية التي تبثها عبر حملاتها التوعوية المنتظمة، التي أطلقتها منذ ثلاث سنوات ضمن استراتيجية طويلة الأمد.
وتحث حملة التوعية التي أطلقتها البنوك السعودية أخيرا هذا العام تحت عنوان ''لا تِفشيها'' في دعوة منها مباشرة للعملاء، على أهمية المحافظة على البيانات المصرفية والشخصية وعدم إفشائها للآخرين باعتبارها ملكا للعميل وحده، ولا يجوز بحالٍ من الأحوال تداولها مع الآخرين تحت ذرائع مختلفة من بينها ''الثقة'' التي غالباً ما تتسبب في حدوث خسائر مالية جسيمة للعميل. واستخدمت حملة ''لا تِفشيها'' هذا العام عددا كبيرا من وسائل الإعلام التقليدية والحديثة في إيصال رسائل التوعية للعملاء، بالأسلوب الأمثل والآمن لاستخدام القنوات المصرفية الإلكترونية المختلفة للبنوك، بما في ذلك البطاقات المصرفية والبطاقات الائتمانية، حيث استخدمت على سبيل المثال وسائل الإعلام المعروفة (صحف، مجلات، إذاعة، وتلفزيون) بما في ذلك رسائل الجوال القصيرة في إيصال رسائل التوعية إلى جميع أفراد المجتمع بما في ذلك فئة الشباب وفئة كبار السن.
وأتت رسائل التوعية هذا العام في مقدمتها أهمية حفظ العميل للأرقام السرّية الخاصة بالبطاقات البنكية عن ظهر قلب، وعدم تدوينها خلف البطاقات، سواء المصرفية أو الائتمانية، والحرص على تجنب اختيار أرقام متسلسلة أو مكررة أو مرتبطة بمناسبات وتواريخ مؤلوفة كتاريخ الميلاد أو رقم الهاتف، مع التذكير بضرورة تغيير تلك الأرقام بصفة دورية، خاصة عند العودة من السفر من الخارج. وتُفرد الحملة لكل وسيلة من وسائل التعاملات المصرفية الإلكترونية رسائل توعوية تعنى بتبصير العميل بالآلية السليمة لاستخدامها، حيث تدعو ''لا تِفشيها'' مستخدمي البطاقات الائتمانية والمصرفية إلى حصر استخدامها ضمن المتاجر والأسواق ذات السمعة الجيدة والموثوقة، واستخدامها بصفة شخصية مباشرة دون منحها لأي شخص آخر أياً كان، مع التأكيد على ضرورة مقارنة كشوف الحسابات الخاصة بها بقائمة المشتريات والفواتير. وعلى صعيد إتمام عمليات الشراء والحجوزات عبر الإنترنت بواسطة البطاقة الائتمانية، فإن الحملة تدعو العميل إلى تقليص تلك العمليات إلى أبعد حدّ وحصرها ضمن المواقع الإلكترونية الآمنة، كما تنصح العملاء بتخصيص بطاقات ائتمانية بحدود ائتمانية منخفضة لمستلزمات البيع والشراء عبر الشبكة العنكبوتية.
وتأخذ عمليات تحديث البيانات المصرفية للعملاء جانباً مهما من رسائل الحملة التوعوية، خاصة في ظل تزايد، وللأسف الشديد، حالات انتحال شخصيات موظفي البنوك من قبل المحتالين، حيث تدعو ''لا تِفشيها'' العملاء إلى أهمية عدم الإدلاء بأية بيانات تتعلق بمعلوماتهم الشخصية أو المصرفية عبر الهاتف، منوهّةً إلى أن تحديث البيانات البنكية للعملاء لا تتم إلا من خلال فرع البنك مباشرة. وكذلك الحال بالنسبة للمواقع الإلكترونية المشبوهة والمزيّفة، التي يسعى القائمون عليها إلى خداع العملاء باختيارهم تصاميم مشابهة لتصاميم المواقع الأصلية للبنوك، للإيقاع بضحاياهم، حيث تنصح الحملة العملاء بضرورة التأكد من صحة الموقع الإلكتروني للبنك، وفي حالة تولد الشك القيام بالاتصال بالبنك مباشرة للتأكد عن صحة الموقع. وتأتي شريحة ''كبار السنّ'' لتستحوذ على نصيب جيد من رسائل التوعية التي تضمنتها حملة ''لا تِفشيها'' بالنظر إلى تكرار حالات التحايل واستغلال طيبة أصحاب تلك الشريحة من قبل المحتالين، الذين يتربّصون بهؤلاء العملاء، خاصة عند أجهزة الصراف الآلي تحت ذريعة مساعدتهم لتنفيذ احتياجاتهم المصرفية، حيث توجّه الحملة ومن خلال رسائلها التوعوية الدعوة لكبار السن بعدم الوثوق بالغرباء وتسليمهم بطاقاتهم المصرفية والاستعانة عنهم بأحد أبنائهم أو أقاربهم أو حصر تنفيذ احتياجاتهم المصرفية من خلال فرع البنك مباشرة.
وتستأنف البنوك السعودية وعبر حملتها التوعوية الجديدة جولاتها في مواجهة الإعلانات المخصصة لتسديد ومنح التمويل الشخصي أو للمشاريع الصادرة من جهات وأفراد مشبوهين من خلال تأكيدها للعملاء بتجاهل تلك الإعلانات لمخالفتها الصريحة للأنظمة والقوانين المعمول بها، ولاستهدافها حاجة الناس للإيقاع بهم. وبالرغم من الجهود المتواصلة للبنوك السعودية في توعية وتبصير العملاء بعمليات الاحتيال المالي والمصرفي، إلا أنها تؤكد أن تلك العمليات لم تصل إلى مرحلة ''الظاهرة''، مشددة على أن بيئة التعاملات المصرفية في المملكة تعد واحدة من أقل دول العالم تعرضاً لتلك الحالات لعوامل عديدة من أبرزها معدلات الوعي المصرفي المرتفعة لدى العملاء، وإلمامهم المتزايد بالتقنية البنكية، وسعة اطلاعهم وتفاعلهم مع تعليمات البنوك ومحاذيرها، إلى جانب منظومة التشريعات المتقدمة التي تحكم أداء التعاملات المصرفية في المملكة، والدور الرقابي المتقدم الذي تضطلع به مؤسسة النقد العربي السعودي للحفاظ على معايير ممارسات ''أمن المعلومات'' الخاص بشبكة الخدمات المصرفية، فضلاً عن ذلك السعي الموصول للبنوك السعودية بتعزيز بنيتها التقنية بأحدث الأنظمة العالمية لمواكبة لغة العصر، ورفع جاهزيتها للتصدي لأية مخاطر ناشئة تهدد مصالح وحقوق العملاء.
ويذهب خبراء مصرفيون للقول إن ما تتسم به حملة ''لا تِفشيها'' كحال الحملات السابقة من سلاسة وبساطة في المحتوى التوعوي وابتعادٍ لافت عن لغة ''التخويف'' أو ''إثارة الفزع'' في نفوس عملاء البنوك، الذي يعود إلى حقيقة أن غالبية التعاملات المصرفية الإلكترونية تمر عبر قنوات آمنة ومحصّنة، وأن رسائل الحملة وما تحمله من دعوات تحذيرية لا تخرج عن مفهوم ''الإجراءات الاحترازية'' التي تعزز من مستوى الوعي لدى العميل من جهة، وتحفّزه نحو الاستمرار في الاعتماد على الوسائل المصرفية الإلكترونية في تنفيذ احتياجاته المصرفية من جهة أخرى، لأن عصر التقنية البنكية بنطاقاته الواسعة قد بدأ ولن يعود للوراء أبداً، والوعي سيبقى للمحتالين بالمرصاد.

الأكثر قراءة