شرح وإيضاح عن تنظيم رئاسة الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وأجهزتها الإدارية (5 من 6)

الحمد لله الذي بكل شيء عليم، والصلاة والسلام على الهادي إلى الطريق المستقيم، وبعد، تواصلا مع ما سبق شرحه وإيضاحه في المقالات السابقة لنصوص تنظيم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، يسعدني أن أستمر في إكمال شرح وإيضاح ما تقضي به المواد المتبقية في هذا المقال، والمقال الذي يليه، وذلك لأهمية هذه الهيئة لما ستقوم به من دور إصلاحي عظيم ومهم وفق ما وجَّه به صراحة ولي الأمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - أيده الله - في الأمر الملكي الكريم رقم (أ/65) بتاريخ 13/4/1432 هـ الموافق 18/3/2011 عندما أكد أن (تشمل مهام الهيئة جميع القطاعات الحكومية، ولا يستثنى من ذلك كائن من كان ... إلخ)، وهذا من منطلق ما نوّه عنه - حفظه الله وأمد في عمره - في الأمر الكريم بأنه استشعار منه بعظم المسؤوليات الملقاة على عاتقه من أمانة وتكاليف ولاية الأمر الكبيرة لهذا الوطن الغالي، ومن ذلك حماية المال العام ومحاربة الفساد والقضاء عليه، على هدي كريم من مقاصد الشريعة الإسلامية المطهرة بكل السبل تأسيا بقول الله عز من قائل: (... وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) الآية 77 – القصص؛ لذا يجب على الهيئة والجهات الرقابية كل في مجال اختصاصه أن يقوم بدوره في مكافحة الفساد، بل على المواطنين المخلصين التعاون مع الهيئة كل بقدر استطاعته.
وباعتباري مواطنا رأيت أن أقل ما يمكن أن أُسهِم به كتابة هذه المقالات التي أرجو أن يكون فيها الفائدة للقارئ الكريم للتنوير والتنبيه إلى فعل الخير في ضوء ما يوجبه علينا ديننا الحنيف، وما وجّه به ولي الأمر - حفظه الله - لما فيه تحقيق للمصلحة العامة وحفظ الأمن والاستقرار، وفقنا الله جميعا إلى كل خير وسؤدد إنه سميع مجيب.
بعد هذه المقدمة التي جاشت في نفسي وتوقدت في ذهني وعبرت عنها بهذه الأسطر أبدأ بصلب المقال بإيضاح أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد باعتبارها شخصية اعتبارية مستقلة (م/ 2/1)، كان طبيعيا من الناحية الإدارية أن يكون رئيسها بمرتبة وزير، ويعاونه نائبان بالمرتبة الممتازة، ويعينون بأمر ملكي كما تقضي به المادة السادسة من تنظيم الهيئة، والتسلسل الإداري بموجب المادة السابعة يجعل الرئيس يتولى الإشراف المباشر على كل ما يكفل تحقيق أهداف الهيئة وتنفيذ اختصاصاتها المنصوص عليها في المادة الثالثة من التنظيم، وهذا يقتضي قيامه بالإشراف الإداري والمالي على الهيئة، وعلى العاملين فيها، وتصريف كل أمورها بشكل عام، ومع هذا النص الواضح، فإنه زيادة في التأكيد على جوانب مهمة أفصح عنها في أربع فقرات، عندما قيل (.. وله بوجه خاص ما يأتي:)، ففي الفقرة (1) أعطي الرئيس صلاحية الإشراف على إعداد اللوائح المالية والوظيفية للهيئة، ومن ثم رفعها إلى الملك خادم الحرمين الشريفين للنظر في اعتمادها متى حازت القبول والتأييد منه - وفقه الله إلى كل خير - وللرئيس - أيضا - صلاحية إصدار اللوائح الإدارية، والهيكل التنظيمي للهيئة (فقرة/2)، وتمثيل الهيئة أمام الجهات العامة والخاصة وغيرها (فقرة/3)، والإشراف على إعداد ميزانية الهيئة، ومن ثم رفعها إلى الملك للنظر في اعتمادها متى كان ولي الأمر مقتنعا بما حوته من مبالغ مالية (فقرة/4)، وهي ميزانية مستقلة تودع مبالغها باسم الهيئة في مؤسسة النقد العربي السعودي بحيث يصرف منه وفقا للوائح المالية سالفة الذكر خلال السنة المالية للدولة (المادة 12/1،2)، ولا شك أن هذه الصلاحيات كبيرة ومهمة، ومسؤوليات الرئيس، وارتباطاته الرسمية عديدة، ولذا أعطي صلاحية تفويض بعض الصلاحيات لأي من مسؤولي الهيئة.
وقد نُص في التنظيم على تكوين الجهاز الإداري من عدد من الإدارات المتخصصة اللازمة لتحريك دفة العمل دون تحديد دقيق لا يجوز تجاوزه، بل ترك ذلك مفتوحا في سياق نص المادة الثامنة عندما قيل صراحة (... على أن يكون من بينها الإدارات الآتية) ثم ذكرت إدارات ثمان، كل واحدة اسمها محدد لاختصاصها، وهي:
1- إدارة لحماية النزاهة.
2- إدارة لمكافحة الفساد.
3- إدارة لإقرارات الذمة المالية والقسم الوظيفي.
4- إدارة لمتابعة المشاريع والشأن العام.
5- إدارة للتوعية والتثقيف.
6- إدارة للرصد والإحصاء والقياسات.
7- إدارة للبحوث والدراسات.
8- إدارة للاتفاقيات والمنظمات الدولية.
وفي المادة التاسعة من تنظيم الهيئة ركز على شروط مهمة فيمن يحق له مباشرة الوظائف المتعلقة باختصاصات الهيئة، وذلك إضافة إلى الشروط التي تحددها اللوائح الوظيفية التي أشرت إليها سابقا، وتشديد الشروط على أساس أهمية الأعمال التي سيزاولها الموظف، فأول الشروط أن يتحلى الموظف بالحكمة والأمانة والنزاهة والحياد، وثاني الشروط ألا يكون قد حكم عليه بحد أو تعزير أو في جرم مخل بالشرف أو الأمانة أو صدر في حقه قرار تأديبي بالفصل من وظيفة عامة، والتشديد الأكثر أهمية هو القول الصريح الواضح عندما قيل ولو كان قد رد إليه اعتباره، وقلت إنه تشدد أكثر أهمية لأنه لم يورد بشروط الوظائف العامة العادية، وثالث الشروط أن يدلي بإقرار الذمة المالية، وأهمية هذا الشرط حتى يمكن مراقبة مستوى الملاءة المالية بعد التحاقه بالعمل في الهيئة، والشرط الرابع الأخير ألا يزاول أي عمل - بصورة مباشرة أو غير مباشرة - بأجر أو دون أجر في القطاع الحكومي أو الخاص ما دام على رأس عمله في الهيئة، وهذا الشرط من أجل تحقق الحياد والاستقلالية في عمله.
وبعض موظفي الهيئة ملزم كل واحد منهم أن يؤدي القسم المنصوص عليه في المادة العاشرة من تنظيم الهيئة أمام الرئيس قبل مباشرة مهامه الوظيفية، وهذا نصه: "أقسم بالله العظيم أن أؤدي واجبات وظيفتي بأمانة وإخلاص وتجرد، وألا أبوح بأي معلومة اطلعت عليها بسبب عملي في الهيئة ولو بعد انقطاع صلتي بها"، وهذا القسم يؤديه فئات الموظفين المشمولين بحكمه، والمحددين باللوائح الوظيفية التي ستصدر بموجب نص المادة السابعة الفقرة (1) من التنظيم، وذلك لحساسية وسرية أعمالهم لأنها تتعلق بمكافحة جرائم فساد، ومعروف أن (المتهم بريء حتى تثبت إدانته)، وبالتالي لا يجوز تسريب أي معلومة عن أي شخص وُجّه إليه اتهام وذلك لمصلحة العمل، وإجراءات التحقيق، وفي الوقت نفسه عدم تشويه سمعة المتهم في وقت لم تثبت إدانته بالجرم، ثم إن مسألة التشهير بالإدانة يحكمه النظام المجرم للفعل المرتكب مثل نظام مكافحة الرشوة، وغيره من الأنظمة المجرمة لبعض الأعمال والتصرفات، التي نص فيها صراحة على التشهير بالمدان بالجرم.
وأخيرا وليس آخرا، فإن تنظيم الهيئة قد نص في المادة الحادية عشرة على أنه فيما عدا الرئيس ونائبيه، فإن منسوبي الهيئة يخضعون لنظام العمل، ونظام التأمينات الاجتماعية، وهذا له دلالة واضحة أنهم سيعاملون بكادر وظيفي خاص مختلف عن كادر الوظائف العامة؛ وذلك لأهمية عملهم وحساسيته وخطورته، إذ قد يكون أهم من عمل بعض الهيئات العامة التي أفرد لها كادر خاص.
ما تقدم شرح وتوضيح مبسط للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وأجهزتها الإدارية، وسأختم الحديث عن هذه الهيئة المهمة بشرح وإيضاح مواد الأحكام العامة في المقال الأخير، راجيا أن أكون قد كتبت ما فيه الفائدة، والله الموفق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي