أطالب بهيئة متخصصة وغير ربحية لتقييم المنتجات للحد من الخلافات الشرعية
طالب الدكتور رجا المرزوقي كبير الاقتصاديين في مجموعة الخبير المالية وأستاذ المصرفية الإسلامية المتعاون في جامعة الملك سعود من خلال "الاقتصادية" بضرورة إنشاء هيئة غير ربحية متخصصة في تقييم المنتجات المالية الإسلامية من وجهة نظر إسلامية، بناء على المعايير التي تم الاتفاق عليها من قبل الهيئات المالية الإسلامية، مشيرا إلى أن وجود هذه الهيئة مخرج من إشكالية الخلافات الشرعية في المنتجات وعدم توحدها، وتخلق تشابها في العائد والمخاطر في هذه المنتجات، مشيرا إلى أن الخلافات الفقهية في المنتجات تنعكس على الصناعة المالية في تسعير المنتج وتجعل فيه تكلفة ومخاطر.
وقال المرزوقي إن أي ابتكار لمشتقات مالية إسلامية مطالب بأن يكون في الوقت نفسه مرتبطا بالقطاع الاقتصادي الحقيقي ويساعد على تطويره، مضيفا أن السعودية بثقلها الاقتصادي لم تلعب حتى الآن دورها الحقيقي في الاقتصاد العالمي، وأن الرياض عاصمة غير متوجة للمصرفية الإسلامية في ظل الحوافز والمقومات التي تتمتع بها.. إلى تفاصيل الحوار:
منذ ظهور صناعة المصرفية الإسلامية هناك خلافات بين الفقهاء والهيئات الشرعية، التي انعكست على المنتجات المالية، كيف تنظر إلى ذلك من ناحية اقتصادية وتأثيره في التمويل الإسلامي؟
يوجد تباين بين المنتجات المالية المطروحة في السوق من قبل البنوك والمؤسسات المالية لسببين رئيسيين. أولهما اختلاف الفتوى فيما بين الهيئات الشرعية مما ينتج عنه تباين في المنتجات المالية. السبب الآخر بعض المؤسسات المالية تستخرج من الفتوى الواحدة لمنتج واحد منتجات متعددة متشابهة في ظاهرها مع المنتج الأساس التي تم استصدار الفتوى له وبعض هذه المنتجات لا تتوافق مع الفتوى نفسها، والهيئة الشرعية ليست هيئة رقابية وغالب المؤسسات المالية ليس لديها هيئة رقابية شرعية.
اختلاف الآراء الفقهية حول منتج وقبولها من فئة من المجتمع بناء على قبولهم الفتوى المصدرة، ورفضه من فئة أخرى أدى إلى عدم تماثل المنتجات المالية وعدم قبولها من قبل جميع المتعاملين في السوق وتقسيم الأسواق مما أثر في الأسعار التوازنية، التي يجب أن تعكس إجمالي الطلب في السوق، لأنها غير متشابهة ومتماثلة في العائد والمخاطر فإلغاء جميع المخاطر الناجمة من اختلاف الفتوى، التي تؤدي إلى تحميل المنتجات مخاطر إضافية تؤثر في تسعيرها، ضروري للتسعير الصحيح للمنتجات المالية والوصول للسعر العادل للمنتجات المالية الإسلامية.
وفي هذه الحالة أتوقع أن الأهمية قائمة لإنشاء جهة أو هيئة غير ربحية متخصصة في تقييم المنتجات المالية الإسلامية من وجهة نظر إسلامية، مماثلة لشركات التقييم الغربية التي تقيم الشركة من ناحية ملاءتها الائتمانية، وهذه الهيئة تجمع غالب العلماء في المصرفية الإسلامية في مجلس إدارتها، وتصدر تقييما للمنتجات من الناحية الشرعية بناء على المعايير التي تم الاتفاق عليها من قبل الهيئات المالية الإسلامية كـهيئة المحاسبة والمراجعة والمجامع الفقهية، وتقوم الهيئة بإصدار تقييم للمنتجات الجديدة ووضع رؤى لها والخروج بتقييم مستمر وثابت لهذه المنتجات التي تطرح في السوق، وبوجود هذه الهيئة نستطيع أن نخرج من إشكالية الخلافات في المنتجات وعدم توحدها إلى جهة توحيد للسوق، وتلغي المخاطر الإضافية الناتجة من اختلاف الفتوى وتأثيرها في الأسعار الحقيقية للمنتجات المالية، وهذا يسهل على البنوك المحلية والدولية كذلك أن تستثمر في هذه الأسواق في جانب العرض وجانب الطلب، وذلك لوجود توحيد للأسواق والمنتجات المالية يسهل على الراغبين سواء البنوك المحلية أو الأجنبية في إصدار منتجات مالية إسلامية الرجوع لهيئة التقييم الشرعي. وسوف تسهم الهيئة في نمو المصرفية الإسلامية في جانب العرض من خلال وضوح الرؤية للمنتجين وتجنب الفتاوى المحدودة التي تنعكس على منتجات محدود الطلب عليها مما يضعف الطلب عليها ويخفض سعرها التوازني. كما أنها في جانب الطلب سوف تخلق ثقة لدى المستهلكين والمستثمرين في سلامة المنتج من الناحية الشرعية، بدلا من التشكيك في منتجات معينة لعدم وجود بعض الأسماء المشهورة من المشايخ في اللجنة الشرعية للبنك. والواقع الحالي يمثل تكاليف إضافية للأفراد للتأكد من سلامة المنتج من الناحية الشرعية، بينما الهيئة تسهل للأفراد الحصول على المعلومة بشكل ميسر وموثوق بدلا من الحصول عليها من البنك المنتج للمنتج والذي يمثل تعارضا في المصالح. فالبنك هو المنتج للمنتج والبنك مصدر المعلومة في شرعية المنتج.
إن وجود هذه الهيئة يقلل من جانب المخاطر ويساعد سواء في جانب العرض أو جانب الطلب المستثمرين في الإنتاج أو المستثمرين في الشراء على توفير المعلومة وتخفيف المخاطر من شراء منتج ليس له قبول، وتسهل على البنوك في عدم حصرها على هيئة شرعية محدودة أو أسماء محدودة التي لها قبول في المجتمع، أو أنها قد تستخدم هيئة شرعية جديدة قد تتصدر فتوى ليس لها قبول في السوق وبالتالي تخسر في هذا المنتج.
في ظل وجود هيئة التقييم هذه، ما وظيفة الهيئات الشرعية المحلية التابعة لكل مؤسسة مالية وما دورها إذاً؟
الهيئات الشرعية للمؤسسات المالية تساعد على ابتكار بعض المنتجات، فالبنك لن يقدم المنتج لهيئة التقييم إلا بعد اكتمال المنتج، سيقوم بعرض منتجه الذي يعتزم طرحه على الهيئة المحلية لتقييمه والموافقة عليه بناء على معايير هيئة التقييم التي ستقيم المنتج في النهاية، لأنه بمجرد موافقة الهيئة الأساسية للتقييم على هذا المنتج أُلغيت منه المخاطرة، وهذا يعني قبول إجمالي آراء العلماء على هذا المنتج وهذا يساعد على إبعاد المخاطر وبالتالي تقييم حقيقي للسوق، لأنه كل ما كان في المنتج مخاطر شرعية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية تأثرت قيمته الحقيقية، والتسعير الصحيح للمنتج يستلزم إبعاد المخاطر الممكن إلغاؤها أو التخفيف منها لأدنى درجة، بحيث السعر في السوق يعرض أو يعكس قيمة هذا المنتج الحقيقية.
إن هيئة التقييم لن تكون جامدة بل ستكون هيئة ديناميكية بسبب ديناميكية الصناعة، ووظيفتها أن توحد إلى حد كبير المنتجات الموجودة في السوق، وتوفر على البائع والمشتري وجود المرجعية في التقييم، وبالتالي يطمئن الجميع أن مخاطر اختلاف الفتوى والآراء تم إلغاؤها، وبالتالي سيكون المنتج مقبولا في السوق ككل ويصبح تسعيره يعكس قيمته الحقيقية.
ما أثر هذه الخلافات الفقهية من ناحية الصناعة المالية، وهل نعتبرها حالة إيجابية أم حالة سلبية؟
الخلافات الفقهية تعكس تكاليف في عدم وضوح مدى قبول هذه الفتوى في المجتمع، وعدم الوضوح ينعكس في الطلب على المنتج وتسعيره ويمثل تكلفة إضافية بسبب نشوء مخاطر عدم القبول، فالمشتري لن يشتري منتجا لا يعرف مدى قبوله المستقبلي في السوق بسعره الحقيقي، بل سيشتريه بسعر بهذه المخاطر التي ستنعكس على قيمة المنتج، فهي تكلفة حقيقية اقتصادية في هذه الاختلافات في منتجات المصرفية الإسلامية.
عندما يؤدي الاختلاف إلى تضارب الآراء حول حكم بعض المنتجات مما ينعكس في شرعيتها سيؤدي ذلك إلى تقسيم الأسواق، وتقسيم أسواق منتج من منتجات المصرفية إلى عدة أسواق يخلق مخاطر اقتصادية ينعكس في التسعير، ويتسبب في تغيير توازن الطلب والعرض على المنتج.
أكدتم سابقا أن من أهم الأسباب التي جنبت المصرفية الإسلامية الأزمة المالية عدم تداول المشتقات المحرمة، ألا ترى أن المطالبة بتطوير مشتقات إسلامية تمثل خطورة على المصرفية الإسلامية؟
المشتقات المالية كانت من أسباب الأزمة المالية العالمية لأنها مشتقات تضخمت في القطاع المالي بعيدا عن القطاع الحقيقي في الاقتصاد فالاقتصاد من الناحية النظرية ينقسم إلى قطاعين مالي وحقيقي، ويفترض في القطاع المالي أن يغذي القطاع الحقيقي في الاقتصاد، وبالتالي أي تطوير لمنتجات مالية في القطاع المالي يجب أن يكون لخدمة هذا القطاع الحقيقي، وفي حالة تضخم القطاعات المالية بعيدا عن القطاع الحقيقي، الذي يمثل الطلب الحقيقي، تنشأ فقاعة مالية لا بد أن تنفجر. أما ابتكار مشتقات مالية إسلامية لخدمة القطاع الحقيقي وتلبية الطلب الفعلي في الاقتصاد ضرورية لتوفير الأدوات المالية اللازمة التي تساعد على نمو الاقتصاد وقدرته على تلبية الطلب الحقيقي. وفي هذه الحالة فإن الابتكار يؤدي إلى تنوع الأدوات المالية المتاحة أمام المنتجين في القطاع الحقيقي ويساهم في التنمية الحقيقية في الاقتصاد.
خبراء من منظمات اقتصادية عالمية ودول غربية دعوا إلى تبني المصرفية الإسلامية كخيار استراتيجي وقيام صناعة اقتصاد إسلامي متكاملة، هل هي قناعة حقيقية بالمصرفية الإسلامية فعلا أم وسيلة لجذب السيولة في ظل شح تمويل عالمي نتيجة للأزمة المالية؟
بعد الأزمة المالية العالمية بدأت المطالب في الغرب للبحث في تقليل الديون في الاقتصاد، لأن الديون تشكل مخاطر في الاقتصاد وتنعكس سلبا على النمو الاقتصادي في المستقبل، وبدأت طروحات نظرية في الاقتصاد على المستوى العالمي تدعو إلى تقليل المديونية وإعادة النظر في النظريات التي تعتمد على المديونية في تعظيم أرباح الشركات، وتمثل المشاركة بجميع آلياتها أحد أهم هذه الحلول، وهذا الجانب في المشاركة هو من أساسيات الاقتصاد الإسلامي.
فالاتجاه العالمي للتمويل الإسلامي ونموه السريع بسبب أولا السيولة المتوافرة لدى الجهات الممولة التي ترغب في استثمارها وفقا للشريعة. والسبب الثاني يتمثل في احتواء الاقتصاد الإسلامي على أفكار تساهم في معالجة القضايا الاقتصادية التي أفضت إلى الأزمة المالية. فمثلا، البنك المركزي البريطاني في أحد اللقاءات الخاصة يشير أحد المسؤولين فيه إلى أن بريطانيا من أولى الدول غير المسلمة التي رخصت للبنوك الإسلامية، وفي الأزمة المالية احتاجت البنوك البريطانية إلى الدعم والمساندة الحكومية بينما لم تحتاج البنوك الإسلامية لذلك. وبريطانيا أعلنت أنها تعمل لتكون مركز المصرفية الإسلامية على مستوى العالم.
التوجه نحو الإقراض بدلا من المشاركة يقلل من استفادة الاقتصاد من أداء البنوك، وتركيز المصارف الإسلامية على جانب القروض جعل منها نموذجا مشابها لعمل البنوك التقليدية، ما السبب وراء ذلك وهل المصرفية الإسلامية مؤهلة لتقديم نموذج مختلف ينافس البنوك التقليدية؟
فكر الاقتصاد الإسلامي والتمويل الإسلامي في انطلاقته وأطروحاته النظرية كان يركز أكثر على المشاركة ويجعل الإقراض جزءا بسيطا من منظومة الاقتصاد الإسلامي.وأساس منظومة الاقتصاد الإسلامي أوسع بكثير من الإقراض، فكر الاقتصاد الإسلامي يهتم بشكل أكبر بالمشاركة وإشراك جميع فئات المجتمع استثماريا وتوزيع المخاطر والعوائد، إلا أن الإشكالية أن تطبيق الاقتصاد الاسلامي بدأ من خلال البنوك التجارية التي تخضع لتعليمات البنوك المركزية بحكم أنها تحت غطائها، والبنوك المركزية في الأساس تنظر للبنوك التجارية في دائرتها على أنها بنوك تساهم في تحويل الأموال من أيدي المدخرين إلى أيدي المستثمرين من خلال الإقراض. وتطبق البنوك المركزية على البنوك أنظمة "بازل 1" "بازل 2" التي تركز على الإقراض وتعطي أوزانا مختلفة بناء على مخاطر التمويل التي يمولها البنك، فالبنك الذي يقرض الحكومة أو شركات ذات تقييم ائتماني عال يعتبر القرض منخفض المخاطر، بينما البنك الذي يمول من خلال المشاركة تعتبر مخاطر مرتفعة تقلل من قدرة البنك على استثمار أمواله مما يخفض الأرباح.وأنظمة "بازل 1" "بازل 2" تركز على سلامة القطاع المصرفي لضمان مدخرات المودعين من خلال تقييم القروض ودرجة مخاطرها ووضع مخصصات مالية مقابل المخاطر العالية بسبب رداءة القروض الائتمانية أو مخاطر الاستثمار بسبب المشاركة. وأي بنك يدخل في المشاركات تعتبر المخاطر عليه عالية وتحد من قدرته الإقراضية والاستثمارية، وبدخول البنوك الإسلامية في التمويل الإسلامي فإنها أمام خيارين، إما أن تتجه إلى المشاركة وبالتالي تحد من قدرتها الاستثمارية بسبب الأنظمة التي تحتم عليها وضع مخصصات مقابل المخاطر التي تواجهها مما يخفض العائد على رأس المال المستثمر في هذا القطاع، والذي يعتبر قطاعا خاصا يبحث عن الربحية بالطرق المشروعة. والخيار الآخر الذي يساهم في تعظيم أرباحها كمؤسسات مالية هو الإقراض المتوافق مع الشريعة وأنظمة البنوك المركزية، فالبنك كمؤسسة مالية سواء كان تقليديا أو إسلاميا هدفه في الأخير تعظيم الربح ففي ظل نظام البنوك المركزية وبازل 2، فإن الخيار الأفضل للبنوك الإسلامية هو الإقراض المتوافق مع الشريعة. وهذا لا يخدم التنمية بالشكل السليم .
إذاً نحن أمام مشكلة جزء كبير سببه البيئة القانونية التي تعمل فيها البنوك الإسلامية، التي هي مأخوذة من النموذج الغربي للبنوك التجارية، ولذا كان من الأفضل للبنوك المركزية في الدول الإسلامية أن تتبنى نموذجا آخر في ظل وجود اختلاف تفضيلات المدخرين في الدول الإسلامية عن تفضيلات المدخرين في الدول غير الإسلامية. لذلك لما تم فصل البنوك التجارية عن الاستثمارية في المملكة وكلفت هيئة سوق المال للإشراف على البنوك الاستثمارية بينما استمرت البنوك التجارية تحت إشراف مؤسسة النقد السعودي، أدى إلى نشوء أدوات استثمارية متوافقة مع الشريعة في الصناديق والاستثمارات التي أنشأتها البنوك الاستثمارية معتمدة على التمويل الإسلامي القائم على المشاركة لتمويل استثمارات القطاع الحقيقي بدلا من القروض.
ما تأثير تبني النموذج التقليدي وتوحيد الأنظمة في جميع البنوك على كفاءة الاقتصاد السعودي؟
تبني نظام بنكي لا يتوافق مع سلوكيات المجتمع ومعتقداته واستخدام أدوات سياسة نقدية متعارضة مع سلوكيات المجتمع يجعل من النظام البنكي وأدوات السياسة النقدية ضعيفة الأثر على متغيرات الاقتصاد الكلي ويضعف الارتباط بين القطاع النقدي والقطاع الحقيقي.
فالسياسة النقدية للمملكة تركز على أدوات السياسة النقدية التقليدية وتبنت النظام البنكي التقليدي وسمح للبنوك المتوافقة مع الشريعة بالعمل تحت هذا النظام مما أضعف قدرتها على خدمة الاقتصاد. إن أدوات السياسة النقدية التي تتعارض مع معتقدات المجتمع السعودي تجعلها أقل كفاءة لإدارة الاقتصاد لضعف تفاعل المجتمع مع هذه الأدوات النقدية فالتركيز على استخدام سعر الفائدة ونموذج البنوك التقليدية التي تجبر جميع البنوك على التقيد به يؤدي إلى نتيجتين سلبيتين. أولا، إجبار المؤسسات المالية المتوافقة مع الشريعة على التركيز على الديون في معاملاتها الاقتصادية وعدم جدوى استخدام النماذج الأخرى ذات العائد الأكبر على الاقتصاد التي تنطوي على المشاركة الحقيقية في الربح والخسارة والمساهمة في التنمية. ثانيا، تقليل الفرص المتاحة للمنشآت والأفراد للاستفادة من السيولة وعدم قدرتهم على التوسع من خلال الاستفادة من البنوك لاعتمادها على الإقراض، لذا يتم اللجوء للمصادر الشخصية التي حجمت قدراتهم على التوسع.
دعوتم السعودية إلى المساهمة في إعادة هيكلة الاقتصاد العالمي بما يخدم المصرفية الإسلامية، إلى أي مدى يمكن للسعودية أن تساهم في ذلك؟
السعودية بثقلها الاقتصادي لم تلعب حتى الآن دورها الحقيقي الذي يعكس ثقلها في الاقتصاد العالمي إلا في مجال النفط المحدود. السعودية عضو في مجموعة العشرين، وجزء من لجنة بازل، ولديها مقعد مهم في صندوق النقد الدولي وفي البنك الدولي، وهي مساهمة في بعض اللجان لإعادة ترتيب أوراق الاقتصاد العالمي والمساهمة في إعادة هيكلة الاقتصاد العالمي والنظام النقدي والمالي.
في ظل الحوافز والمقومات الاقتصادية التي تتمتع بها السعودية، ما الأسباب التي تحول دون أن تكون الرياض عاصمة للمصرفية الإسلامية؟
الرياض عاصمة غير متوجة للمصرفية الإسلامية لتوافر جميع عوامل النجاح لتصبح مركزا عالميا في جانب الطلب والعرض والمرجعية الشرعية، ونشوء الطلب على المصرفية الإسلامية أساسا أتى من السعودية والخليج. وغالب الأموال التي بدأت في الاستثمار انطلقت من السعودية لكن لم تكن فيها، لكن هذا النشوء والانطلاق من ناحية العرض والطلب لم يتوافق مع تنظيمات اقتصادية وحكومية تساهم في التوافق ونمو هذه المصرفية بشكل سليم في أرضية خصبة تساهم في نموها بشكل طبيعي فالطلب على خدمات التمويل الإسلامي من قبل المجتمع لتفادي الربا ساهم في نشوء فرص استثمارية للمستثمرين في أنحاء العالم لتلبية الطلب المدفوع بتعاليم الإسلام، ولم تتواكب الأنظمة والتشريعات مع هذا الطلب والعرض على خدمات التمويل الإسلامي، وأصبحت كالنبتة التي تنبت في غير أرضها فالبيئة القانونية والتنظيمية غير متوافقة معها ولا تساعدها على النمو الطبيعي، وأدى ذلك إلى نشوء منتجات مشوهة نوعا ما مقارنة بما يجب أن تكون عليه، بالتأكيد هذا أفضل من لا شيء، ولو توافقت الأنظمة والقوانين والبيئة التنظيمية مع نشوء هذه المصرفية لخدمت الاقتصاد وخدمت الأفراد وانعكست على الرفاه الاقتصادي والنمو الاقتصادي أكثر مما هي عليه الآن، ولو تواكبت الأنظمة والتشريعات مع هذا الأمر لجعلنا الرياض فعلا مركز المصرفية الإسلامية.
كيف يمكن للبنوك الإسلامية الموازنة بين تقديم منتجات مالية تراعي تحقيق مقاصد الشريعة وأهداف الاقتصاد الإسلامي، إضافة إلى سعيها للربح والحصول على العائد المالي من خلال هذه المتنجات؟
البيئة القانونية والتنظيمية التي تعمل فيها البنوك الإسلامية هي الأساس الذي يدفع بها للوصول لتحقيق الربح مع تحقيق مقاصد الشريعة في خدمة الاقتصاد والتنمية الحقيقية. الجهات التنظيمية والتشريعية والرقابية في الدولة هي الأساس الذي يحدد توجهات المؤسسات المالية من خلال الأنظمة والقوانين والمحفزات لتحقيق الأهداف العامة للدولة فالدولة تسعى لتعظيم الرفاة الاقتصادي للمواطن، لذا يجب أن تعمل جميع الجهات الحكومية في وضع التشريعات اللازمة لتحقيق هذا الهدف.وفي حالة البنوك الإسلامية فإن الجهات التنظيمية يجب أن تحدد الأهداف الأساسية التي ترغب في تحقيقها للوصول للرفاه الاقتصادي للمواطن وتحدد بناء على ذلك دور البنوك الإسلامية في هذا المجال وتضع الأنظمة والتشريعات التي تحفز البنوك الإسلامية لخدمة الاقتصاد وتحقيق الرفاه الاقتصادي من خلال تعظيم أرباحها.