ديون العالم: هل تسقط الرأسمالية؟

من المعلوم أن الرأسمالية تقوم في أحد مبادئها الرئيسة على تفعيل دور المديونية واستخدامها كوسيلة لتعظيم العائد، في حين أنها لا تنكر إغفال حقيقة المديونية نحو زيادة المخاطر والإفلاس وتعظيمها في حالة عدم وجود ما يقابل من عوائد تكفي حين استخدام الموارد المالية في استثمارات مستدامة لا تغطي تكاليف تلك الديون. وخلال هذه الأيام يقف بعض دول العالم الغربي بالذات على شفير هاوية الإفلاس نظرا لتراكم المديونيات بشكل كبير جدا، حيث وصلت المديونيات العامة السيادية لبعض منها إلى أكثر من 145 في المائة تقريبا من جملة الناتج الإجمالي الكلي (GNP).
عالميا تحتل اليابان من بين الدول المتقدمة المرتبة الأولى في المديونية كنسبة من الناتج الإجمالي حيث تصل إلى معدل 225 في المائة تقريبا، بينما في دول نامية مثل ليبيا وعمان لا تتجاوز النسبة 5 في المائة وهي الأقل من بين 130 دولة في العالم يبلغ متوسط حجم مديونياتها ما يوازي نحو 58 في المائة من الناتج الإجمالي.
وهذه النسب خاصة المتدنية منها بالطبع لا يمكن أن تكون مقياسا (خاما) على رفاهية الشعب والمجتمع أو قوة وضعف الاقتصاد، فربما كان الناتج الإجمالي في الأصل أقل بكثير من إمكانات ما يمكن أن يحققه إضافة إلى أسباب اقتصادية أخرى ليس مجال حديثها الآن. فاليابان مثلا على كونها من أعلى المديونيات إلا أنها تحتل المرتبة الثامنة عالميا بنسبة 16 في المائة تقريبا في معدل نمو الإنتاج الصناعي من بين (166) دولة بينما في عمان يبلغ 4.5 في المائة فقط، هذا ومن المؤكد أن البنية الاقتصادية وهيكلتها خصوصا في الاستراتيجيات والخطط الاقتصادية هي واحدة من أهم ما يشكل هذه النسب وبالتالي النتائج تلك، فالمديونيات العالمية بلا شك تحد من مستويات النمو وتؤثر فيه بل ترغم الدولة على انتهاج سياسات اقتصادية ذات طابع تقشفي وانكماش في الإنفاق الحكومي. وهذا ما تسعى إليه بعض الدول الأوروبية نحو فرض قيود على بعضها لضمان نجاح الخطط المالية لإنقاذها، خصوصا تلك التي تقترب من الإفلاس والتي على رأسها حاليا اليونان.
في اليونان الآن يشكل الدين العام السيادي ما نسبته (145 في المائة) وفي إيطاليا (118 في المائة) مقارنة بـ (63 في المائة) في إسبانيا ونحو (59 في المائة) في أمريكا وذلك من الناتج الإجمالي.
ولذا فـ "الولع" بالدين والمديونية في النظام الرأسمالي هو شيء أساس في التركيبة الاقتصادية، غير أن ما يجب الاحتكام إليه في النهاية ليس حجم الدين بل إمكانية استثمار هذه الأموال في مناح استثمارية كفيلة بتفوق عائداتها على تكلفة الديون وبالتالي عدم الإفراط في الاستدانة بأكبر من حجم الإمكانات المتاحة للاقتصاد، وإلا صارت النتيجة وخيمة جدا وهي إفلاس الدولة وعدم سداد مديونياتها مثلما هو موجود الآن في بعض الدول الأوروبية.
بالطبع الحديث هنا عن الدول المتقدمة اقتصاديا سواء شرقية أو غربية وبالذات مبدأ الاستدانة بنسب مرتفعة وهذا محط الخلاف عادة بين الساسة في تحديد هذه النسب خصوصا في الاقتصاد "العرّاب" للرأسمالية وهو أمريكا والتي ما زال الحديث في أروقة مجالسها السياسية عن هذا الموضوع في رفع سقف الدين العام من عدمه.
في تقديري خصوصا عن بلد كأمريكا فالمعروف أن الدين العام حجما يعتبر مرتفعا لكنه كنسب من إمكانيات اقتصاد كبير كالولايات المتحدة يعتبر معقولا، حيث تصل النسبة إلى أقل من 60 في المائة وهو أقل من نسب الدول الأوروبية المتقدمة اقتصاديا أو اليابان. لذا فهذه القيم الفلكية في المديونية من المؤكد أنها ليست مؤشرا إيجابيا، لكنها أيضا لن تدفع بلد كأمريكا إلى حدود الإفلاس، خصوصا أن الاقتصاد الأمريكي ليس موقوفا في قراراته على تيار واحد أو رؤى شخصية بحتة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي