كيف ننمِّي قدراتنا العلمية والتقنية؟ (2 من 2)

أكدت في الجزء الأول من هذه المقالة أهمية انعقاد تعاون عربي في مجال البحوث العلمية والتقنية؛ تطلعاً إلى مستقبل مشرق، يجسّد حلم التعاون شكلاً لكل وجوه النشاط العلمي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي؛ ليكون العالم العربي قادراً على الارتفاع بمستواه العلمي والحضاري والتقني، ولا سيما أن الوطن العربي يحوز من الرحابة في المدى والعطاء في المواهب والموارد، ما يحسدنا عليه غيرنا، واقترحت في هذا الخصوص، أن يُطرح على طاولة نقاش المفكرين والمثقفين في الوطن العربي بأسره المشروعات والقضايا العلمية والتقنية الآتية‏:‏ إنشاء وكالة عربية لعلوم الفضاء‏،‏ الطاقات الجديدة والمتجددة‏ (مع إعطاء الأولوية لاستخدام الطاقة الشمسية والنووية‏)، إصلاح البيئة وتنميتها‏ (‏مع إعطاء الأولوية لمكافحة التصحر في الوطن العربي‏)،‏ وتطوير تقنيات الليزر وتطبيقاتها‏، والتقنية الحيوية‏.‏
وفيما يخص الطاقة المتجددة .. طاقات الشمس والرياح والمياه والانشطار النووي من أهم صور الطاقة الجديدة والمتجددة، آمل أن تعطى الأولوية لإنتاج الطاقة الشمسية والطاقة النووية للأغراض السلمية‏؛ حيث تُعد الاتفاقية الدولية الخاصة بتحديد القدرات النووية نوعًا من عقود الإجحاف والإذعان، التي بها تضمن الدول الحائزة لهذه القدرة، السيطرة على العالم! بينما يهمّش الآخرون ليصبحوا ضعفاء إلى الأبد‏!
لذلك من الضروري أن يبقى خيار تنمية قدراتنا البحثية والعلمية والتقنية خيارا عربيا واستراتيجيا، وأن يتم الشروع في ذلك بتوظيف نطاق الطاقات المتجددة لخدمة مقدّراتنا السلمية في عدد من المجالات والميادين المهمة، مثل: توليد الطاقة الكهربية وتحلية مياه البحر‏، جنبا إلى جنب مع الارتقاء بمستويات الجودة في مجالات الصناعة والزراعة والصحة والفضاء والبحث العلمي وغيرها‏.‏
هذه الدعوة إلى تنمية قدّراتنا الفضائية والنووية لخدمة أهدافنا السلمية لها شروطها البحثية والعلمية، في طليعتها توسيع القاعدة العلمية من ذوي الاختصاص في الجامعات والهيئات والمراكز البحثية والمؤسسات المعنية‏، فضلاً عن توفير التمويل اللازم والإمكانات المادية وفق برنامج بحثي وعلمي عربي محدد المعالم‏ والتوجهات.‏
وحسبنا في هذا الخصوص التركيز بداية على أهمية استخدام المحطات النووية لتحلية المياه المالحة وإعذابها، وتعظيم دورها لحلحلة مشكلة المياه التي يعانيها العالم، وتكاد تقوم على أثرها نزاعات دائمة وحروب مستمرة في المستقبل بين الدول المحرومة من المياه المحلاة والعذبة. والنظر إلى حجم هذه المعضلة عالميا وانعكاسات آثارها السلبية علينا خلال القرن القادم؛ ما يقتضي إعداد الدراسات المستقبلية لمواجهة هذه الأخطار المحدقة بنا من كل صوب وحدب ..‏ وإذا كان المولى - عزّ وجلّ - قد حبا كثيرًا من بلادنا العربية بموارد مائية عذبة، كالأمطار والأنهار والمياه الجوفية؛ وموارد مادية لتحلية المياه وإعذابها، إلا أن العقل يحتّم علينا مواجهة هذه القضية بأساليب بحثية وعلمية، كدعامة وضرورة من ضرورات التعامل مع المستقبل‏، خاصة بعدما تزايدت أعداد السكان، والارتفاع الجنوني في مستويات المعيشة، والزيادة المطّردة في التصنيع والزراعة، ما ضاعف استمرار الطلب على زيادة الحاجة إلى الماء، الذي أعتقد أن هذا الطلب سيتضاعف على المستويات كافة خلال العقد المقبل.
أقول ذلك؛ لأن تحلية المياه من أكثر وسائل إنتاج المياه غير التقليدية نجاحًا في الوقت الحاضر‏، خصوصًا أن الرقعة العربية تطل جميعها على محيطات أو بحار أو خلجان، ولا سيما أن التطوير في تقنية تحلية المياه خلال السنوات الأخيرة، أدّى إلى توفير كبير في الطاقة‏، ما تبعه كذلك انخفاض ملموس في التكلفة‏.‏
وما ينطبق على توظيف التعاون البحثي العربي في إنشاء وكالة فضاء عربية مشتركة، واستخدامات الطاقات المتجددة في أغراضنا السلمية، ينطبق كذلك على إصلاح البيئة وتنميتها، خصوصًا بعد مشكلات البيئة المتزايدة والمتنوعة، التي باتت تتصدّر قائمة القضايا المعاصرة التي أفرزتها الثورة الصناعية، وتضاعف معدلات التلوث الكيماوي والإشعاعي والنووي والطاقة الحرارية والضوضاء وغيرها‏، التي تضر بصحة الأحياء وتهدد استمرار الحياة على الأرض‏! جنبًا إلى جنب مع صياغة استراتيجية عربية لمكافحة التصحر في ظل تشكيل الصحاري والأرض الجافة في الوطن العربي ما نسبته ‏64 في المائة‏ من أرضه!
وفي الأخير، يبقى كلُّ ما استعرضناه من أمثلة لموضوعات وقضايا ومشاريع عربية مقترحات جديرة بالاهتمام والرعاية، فضلاً عن أنها في حاجة إلى البدء والشروع في تنفيذها‏،‏ فالوقت لم يمض بعد، وحان تدارك ما فاتنا‏، ففي عصر يتميز بالتكتلات والتعاون لم يعد مقبولا بأي حال من الأحوال ترك مثل هذه المشاريع النهضوية والحيوية، خاصة والآخرون قد سبقونا وحققوا فيها سبقًا ملحوظًا، جعلهم يمسكون بزمامها، بل يحتكرونها منعًا لوصولها إلينا.
إن إتاحة فرص التعاون العلمي والبحثي أمام العقلية العربية المبدعة، بدخول هذه المجالات الرحبة؛ تنمِّي الشعور بالثقة والندية وكسر الاحتكار في توفير تقنيات متقدمة جديدة‏؛ فالمواجهة المبكرة تدعم الحلول وتردم الفجوات التي طالما اصطنعها البعض والتي حالت دون تواصل عربي خالص في هذا الخصوص.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي