مجزرة أوسلو.. من مأمنه يأتي الخطر
''لم أره، لكني سمعته، فقد كان يصرخ ويهلل وأطلق عدداً من صيحات الانتصار''.
بهذا الوصف تحدثت إحدى الفتيات الناجيات من مجزرة أوسلو عن الأصولي المسيحي النرويجي أندرس برينج بريفيك الذي جعل من مدينة أوسلو الهادئة، وكأن حرباً دارت في شوارعها، هذا الشاب الأنيق المتطرف، الذي قال إنه أراد الدفاع عن بلاده وأوروبا ضد الدين الإسلامي والشيوعي، كشف عن إرهاب محلي، كانت كثيرٌ من الدول الغربية تتجاهله عبر التركيز على ما تصفه بالإرهاب الإسلامي، إلى حد أن الأمن الداخلي النرويجي، وفق تقرير نشر مطلع هذا العام، لم يكن يعتبر اليمين المتطرف مصدر ''تهديد خطير''، وإنما كان يخشى وقوع هجوم إسلامي على أراضيه.
هذا التساهل تجاه تنامي تيارات اليمين المسيحي المتطرف، جاء رغم أن التقرير الدوري حول الإرهاب في دول الاتحاد الأوروبي أوضح أن 249 هجوماً إرهابيا وقع في أوروبا العام الماضي، تم تنفيذ ثلاثة منها فقط من قبل جماعات إسلامية، في حين نفذ 246 هجوماً من قبل متطرفين محليين يعرف عن غالبيتهم العداء الشديد للمسلمين.
مجزرة أوسلو، وإن كان الأمن النرويجي حصرها في شخص المنفذ، إلا أن المخاوف تبرز من احتمال وجود تنسيق بين الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا التي وصفها تقرير للشرطة الأوروبية أعلن العام الماضي، أنها أصبحت أكثر حرفية في إنتاج دعاية ذات طبيعة معادية للسامية والأجانب على الإنترنت، وأكثر نشاطاً على شبكات التواصل الاجتماعي، كما أشار التقرير إلى أن الاضطرابات في العالم العربي، خاصة في شمال إفريقيا ستقود إلى تدفق عدد كبير من المهاجرين لأوروبا، وأن هذا ''ربما يكسب التطرف اليميني والإرهاب نقاطاً جديدة من خلال توضيح نظرته الأوسع انتشاراً عن الهجرة من الدول الإسلامية لأوروبا''.
وهذه الجريمة وما سبقها من جرائم مماثلة، تبين أن الإرهاب لا دين له، فمثلما قد يقع من شخص جاهل في منطقة شديدة التخلف، فهو قد يقع من شخص آخر في واحدة من أكثر دول العالم تحضراً ورفاهية، وما يجمع الاثنين ليس الدين، وإنما الفكر الذي يسيطر على الإنسان فيحوله من شخص وديع مقبل على الحياة، إلى مجرم يتلذذ بالقتل، ويطلق صيحات الانتصار، وهذا ما تجاهله بعض الذين غاصوا في بطون الكتب للبحث عن نصوص تدين الإسلام.
ومن المؤسف أن بعض وسائل الإعلام سارعت عقب مجزرة أوسلو إلى توجيه أصابع الاتهام للمسلمين، والبعض حين تكشفت الحقيقة، تحدث عن انتقال التطرف إلى المسيحيين، رغم أن أوروبا عرفت الإرهاب منذ قرون، عبر عديد من الحركات الثورية المتطرفة، ومنها الحركة الفوضوية التي قامت على رفض السلطة بأشكالها كافة، وواجهتها بالإرهاب والعدمية التي قامت على تحرر الفرد من الأعراف والتقاليد، وانتقلت فيما بعد إلى عمل إرهابي.
ما حدث في أوسلو يكشف مدى المعاناة التي تعيشها الأقليات المسلمة في الغرب، حيث أصبحت هذه الأقليات تخشى كل حدث يقع، سواء أكان خلفه متطرف مسلم، أو متطرف مسيحي، كما يكشف أن العالم الغربي في انشغاله بما يأتي من إرهاب من الطرف الآخر، تناسى ما هو موجود لديه من بؤر إرهاب، قابلة للانفجار في أية لحظة.