كيف يمكن وقف نزيف النفط السعودي محلياً؟
ما ورد على لسان وكالة الطاقة الدولية، ونشرته صحيفة ''الاقتصادية'' في العدد 6485، يثير القلق حول مستقبل النفط في السعودية، ولا سيما حين التعمق فيما ورد عن الوكالة من تحذيرات بشأن زيادة الاعتماد في السعودية على استخدام النفط في توليد الطاقة الكهربائية.
هذا الاعتماد المفرط على استخدام النفط في إنتاج الكهرباء في السعودية ربما يحد من قدرتها التصديرية من خام النفط في المستقبل، وبالذات عند ربط استخدام النفط في إنتاج الكهرباء والاستخدامات الأخرى للنفط في السعودية بإنتاج المنتجات النفطية الأخرى، التي زاد استهلاكها هي الأخرى بنحو 2.2 في المائة في العام الماضي مقارنة بالعام الذي قبله، حيث جاءت أغلب هذه الزيادة من استهلاك وقود السيارات (البنزين) الذي زاد استهلاكه محلياً بنسبة 4.3 في المائة خلال العام الماضي بعد أن تم استهلاك ما نحو 414 ألف برميل منه يومياً.
إضافة إلى استنزاف النفط في السعودية لإنتاج الكهرباء، والذي كما أسلفت يحد من قدرة المملكة التصديرية، فإن الدولة تتحمل خسائر مالية كبيرة أو ما يعرف اقتصادياً ومالياً بتكلفة الفرصة البديلة، لكونها تقدم دعما ماليا سنويا لتكلفة الوقود المخصص لإنتاج الكهرباء في السعودية يبلغ ما مقداره 18 مليار ريال سنوياً، هذا إضافة إلى الزيادة الملحوظة في استخدام النفط لإنتاج الكهرباء في كل عام مقارنة بالعام الذي يسبقه، حيث على سبيل المثال، في عام 2009، تم استهلاك ما يقارب 400 مليون برميل زيت مكافئ لإنتاج الطاقة الكهربائية في المملكة، ويتوقع أن يصل الاستهلاك من النفط لإنتاج الطاقة الكهربائية في عام 2012 إلى نحو 450 مليون برميل زيت مكافئ.
الزميل الكاتب في ''الاقتصادية'' المهندس خالد عبد الرحمن العثمان، أشار في مقال له بعنوان: ''أزمة الطاقة بين ''أرامكو السعودية'' وشركة الكهرباء، في العدد 6468 بعد زيارة قام بها إلى شركة أرامكو السعودية، إلى أن الإحصاءات والأرقام كشفت له حجم المخاطر ومقدار الهدر في استهلاك النفط لإنتاج الطاقة في السعودية، وهو ما الأمر الذي لم تتناوله حتى الآن شركة الكهرباء بما يستحقه من اهتمام، كونها ما زالت حتى اليوم تتبنى إنتاج الطاقة الكهربائية في السعودية باستخدام وسائل وطرق تقليدية عفى عليها الزمن وأكل عليها الدهر وشرب.
وما يفاقم من استهلاك وإنتاج النفط في السعودية، وفقما أشار إليه المقال المذكور، أن كثافة الطاقة في المملكة (معدل استهلاك وحدة واحدة من الطاقة لكل وحدة من الناتج القومي) تبلغ 480 وحدة مقابل 220 وحدة في الولايات المتحدة، والذي يعني أن معدل استهلاك الطاقة في المملكة يبلغ أكثر من ضعف مثيله في الولايات المتحدة مقارنة بالناتج القومي لكل منهما، وهذا يعطي مؤشراً خطيراً للغاية حول تفاقم معدلات استهلاك الطاقة محلياً، وبالذات وأنه يتوقع وفقاً للمعلومات التي وردت في المقال عن شركة أرامكو السعودية، أن يصل معدل استهلاك الطاقة في المملكة إلى نحو 170 في المائة خلال 20 عاما، والذي بدوره سيتطلب إنفاق أكثر من 1.2 تريليون ريال لإنتاج الطاقة الكهربائية في المملكة بالوسائل الحالية ذاتها بخلاف النفقات اللازمة للبنية التحتية ومد الشبكات والأعمال الأخرى ذات العلاقة.
الكاتب في صحيفة ''الحياة'' عبد السلام اليمني، أشار في مقاله في العدد 17552 بعنوان: ''2030'' ما سننتجه سنستهلكه.. فما الحل؟ إلى خطورة وضع استهلاك النفط في السعودية، وأهمية استشعار المسؤولية الكبيرة التي سنواجهها في المستقبل القريب، وبالذات أن السوق المحلية تستهلك حالياً ما يقارب 3.4 مليون برميل يومياً من الوقود المكافئ، وأن معدل الطلب خلال الأعوام الأربعة الماضية على النفط وصل إلى 27 في المائة، وفي حال استمرار وضع الاستهلاك للنفط بهذه المعدلات نفسها، فإن المملكة بحلول عام 2030 ستستهلك ما تنتجه من النفط على افتراض أنها ستنتج نحو 8.4 مليون برميل يومياً من الوقود المكافئ.
للخروج من مأزق الاستخدام الجائر للنفط في المملكة، سواء أكان ذلك بالنسبة للوقود لإنتاج وتوليد الطاقة الكهربائية، أم للاستخدامات الأخرى، فإن الأمر يتطلب تبني تطبيق خطة وطنية شاملة، تساعد على الترشيد في استخدام النفط المحلي، إضافة إلى ضرورة الرفع من مستوى وعي أفراد المجتمع بأهمية المحافظة على هذا المورد الاقتصادي المهم، حيث إنه ليس من المعقول ولا المقبول بتاتاً أن يستمر مثل هذا الوضع الحرج لاستهلاك النفط في السعودية بمثل تلك المعدلات المفزعة، وبالذات أن هناك معلومات تشير إلى الزيادة الملحوظة في الفجوة بين ذروة الطلب المباشر على الخام في السعودية وأدنى مستوياته من نحو 180 ألف برميل يومياً خلال الفترة 2002 ــــ 2008 إلى نحو 660 ألف برميل منذ عام 2009.
كما أن الأمر يتطلب للمحافظة على النفط في المملكة واستخدامه كوقود لتوليد الطاقة، قيام مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، بالدور المأمول منها على الوجه المطلوب، وبالذات فيما يتعلق ببناء مستقبل مستدام من خلال استخدام مصادر متنوعة للطاقة، وتطوير بدائل وتقنيات للطاقة البديلة، التي يمكنها في نهاية المطاف أن تحقق للمملكة الاستدامة المنشودة وتنويع مصادر الطاقة واستخداماتها، الأمر الذي بدوره سيقلل من الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للطاقة والتحول إلى استخدام مزيج متوازن ومستدام من مصادر الطاقة، باستخدام مثلاً الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة الجوف أرضية وإلى غير ذلك من أنواع الطاقة البديلة.
الجامعات السعودية ومراكز الأبحاث والمركز السعودي لكفاءة الطاقة، تقع عليهم جميعاً مسؤولية كبيرة في ترشيد الطاقة المستخدمة في المملكة، والتحسين من مستوى استخدامها، ولا يمنع لتحقيق هذه الأهداف الوطنية السامية والنبيلة الاستعانة بالخبرات العالمية التي سبقتنا في هذا المجال، مثل الخبرة الأوروبية، التي تعكف منذ وقت بعيد على استخدام بدائل لتوليد الطاقة، بالاعتماد على جيل جديد من التكنولوجيا لتوليد الطاقة الكهربائية مثل استخدام الرياح والشمس والأمواج في بريطانيا، التي تنوى لتأمين نحو 40 في المائة من احتياجاتها من الكهرباء خلال السنوات العشر المقبلة، كما أن الأمر لا يمنع من الاستفادة من تجربة ألمانيا في توليد الطاقة واستخدام نوع جديد من الوقود الحيوي، من خلال تطوير استخدامات الجيل الثالث في إنتاج الوقود من الطحالب، التي تتمتع بالعديد من الخصائص، التي من بينها على سبيل المثال، تحقيقها لنمط من الإنتاج أكثر استدامة، واحتواؤها على كتلة حيوية عالية الإنتاجية، وأنها لا تشارك الإيثانول في بعض الصفات غير المرغوب فيها، والله من وراء القصد.