إيران .. البحث عن الحوار الدبلوماسي قبل الاستجابة للأسئلة السعودية

بالمحصلة سقطت الأقنعة عن فزاعة التطرف السني وتنظيم القاعدة، وكشفت علاقاته بطهران، وسقط الرهان الذي سوقه اللوبي الإيراني في أمريكا المجلس الوطني الإيراني الأمريكي NIAC حول الرهان الشيعي بعدما وجدت واشنطن أنه رهان خاسر وأن الطائفية لا يمكن التعويل عليها في خدمة المصالح السياسية.

سألت العرافة عن الشرق الأوسط وكان ذلك في يوم تعتليه الخطوب والأهوال، وقالت: ماذا يجري في المنطقة؟ تنظيم القاعدة ومحور للشر وتطرف وعنف سياسي وأسلحة دمار شامل واحتلال دول وإزاحة أنظمة، وانفصال وتجزئة جديدة، وحروب أهلية ودول فاشلة، وصراع على السلطة، وأحزاب راديكالية تمولها دول، ونشاط استخباري عالي القيمة والتأثير، وتسونامي يسمونه وجاهة ربيع عربي، وصدام في المشاريع الاستحواذية بين النموذج الطائفي الإيراني والنموذج الإسلامي العلماني التركي، وهوية عربية تعيش على الهامش، وصخب شبابي انفعالي يسمونه جزافا الثورة، وعنف مستتر تحت جنح التفاهمات السرية مع حركات الإسلام السياسي، وآخرون يرون أن واشنطن قررت تغيير الاتجاه استنادا إلى نهاية مسلسل تنظيم القاعدة بطبعته الأمريكية، وسطوع معالم التحالف الغادر بين طهران وواشنطن تحالف الأضداد، ونهاية موسم الهجرة إلى الشام، وقالت العرافة: لماذا صمت السيد حسن نصر الله هذه الفترة عن إسرائيل وصارت قبلته دمشق؟ ولماذا هرعت طهران لضخ ستة مليارات في الاقتصاد السوري المنهار وتزويده بالنفط، إلى جانب تقديم إمدادات يومية تبلغ 290 ألف برميل من النفط للشهر القادم؟
في هذه الأثناء وبعيدا عن تنبؤاتهم وتنجيماتهم تروي العرافة التالي: تفاهم سري إيراني - أمريكي على العراق وفي العراق منذ عام 1990 واليوم تنشط الإدارة الأمريكية في أفغانستان وتستعيد علاقاتها مع طالبان ضمن نظرية هندسة المستويات السياسية والجيوبوليتيكية في المنطقة، فإيران بالمعنى العام قوية عسكريا، لكنها ضعيفة اقتصاديا وتواجه أزمة داخل بنية النظام تنبئ بإمكانية تفجره وتغييره، وواشنطن ترغب في التغيير الداخلي دون انهيارات، وفي الوقت نفسه ترغب في التهدئة السياسية والتفاهم الأمني حول العراق، في أفغانستان قطع الأمريكان شوطا كبيرا من التفاهمات مع طالبان قد تؤدي إلى حكومة إسلامية مدنية، وأزاحت عن طريق طالبان أحمد والي كرزاي، الشقيق الأصغر للرئيس الأفغاني حامد كرزاي الرجل القوي في أفغانستان وذو العلاقة مع المخابرات الإيرانية والمتهم بتلقي ملايين الدولارات من حكومة أحمدي نجاد، بينما أشارت صحيفة ''الواشنطن بوست'' في تلميحات إلى أن ضابط الشرطة سردار محمد عميل للأجهزة الأمنية الأمريكية وقدم معلومات استخبارية للأمريكيين أسهمت في اعتقال مطلوبين من طالبان. وهنا يؤكد وزير الداخلية الإيراني محمد نجار في كلمة له في الاجتماع المشترك لرؤساء اللجان البرلمانية الأفغانية، أن إيران تعارض الاتفاقية الاستراتيجية بين أفغانستان وأمريكا وتعتبرها تهديدا ضد مصالحها الوطنية ودول المنطقة، معبرا عن أسفه لاغتيال شقيق الرئيس الأفغاني.
وفي الأجواء تبدو ثمة خلافات تركية - إيرانية جعلت طهران تتبنى سياسة مشتعلة مع أنقرة تقول إذا أصرت تركيا على التحالف مع الغرب لإزاحة النظام السياسي السوري، فإن طهران ولأسباب استراتيجية على استعداد تام للتضحية بعلاقاتها مع تركيا والدفاع عن نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وطبعا إيران تنطلق من قراءة للتحولات السياسية والجوسياسية في المنطقة، فظهور طالبان مقلق لطهران؛ لأن طالبان ستتحالف مستقبلا مع أردوغان، وعليه حذرت صحيفة ''صبح-ي صادق'' Sobh-e Sadeq الأسبوعية الصادرة عن الحرس الثوري الإيراني تركيا قائلةً: ''إنه في حال استمرَّت تركيا في توجُّهها الحالي المعادي لسورية فستضطرُّ إيران إلى تفضيل سورية عليها''، وفي هذا الوقت بالذات يوفد رئيس الوزراء التركي أردوغان وزير خارجيته أحمد داوود أوغلو لطهران حاملا رسالة تؤكد فيها أنقرة وتحذر فيها طهران من أي تلاعب بالأمن القومي التركي واعتباره خطا أحمر، وبعده بأيام تقبض أجهزة الأمن التركية بحسب وكالة جيهان للأنباء وفي بلدة مردين على شاحنة محملة بالأسلحة والذخائر قادمة من العراق وتم ضبطها في بلدة نصيبين، في وقت اشتكت المعارضة الإيرانية والسورية من وجود حملة إيرانية لتصفيتها داخل الأراضي التركية.
وفي الوقت نفسه، وبالطبع ولأسباب سياسية، تسعى طهران إلى تأمين احتياطي سياسي لها، فقد حاولت طهران استمالة باكستان باتجاهين: الأول إبطاء أي اتفاق أمريكي مع طالبان، والآخر دعم باكستان وتشجيعها على قيام حوارات وعلاقات طبيعية مع السعودية من جانب مقابل ضغط طهران على دلهي فيما يتعلق بالعلاقات الهندية - الباكستانية، وبالطبع ظهرت علامات الاختلاف السياسي على قاعدة نفطية عندما هددت طهران بقطع النفط عن الهند؛ ما دعا وزير النفط الهندي إس جيبال ردي للقول إن بلاده لم تتسلم رسالة من إيران تفيد بإمكانية قطع تصدير النفط الخام، والسبب أن لإيران ديونا تقدر بخمسة مليارات دولار على الهند ثمن شحنات مستوردة عن أشهر ماضية، غير أن وزير النفط الهندي ألمح إلى أن الهند بصدد دعم استيراداتها من النفط وتنويعها من دول الخليج العربي وتحديدا السعودية والكويت والعراق وأمريكا اللاتينية.
وهنا تصدر دراسة عن مركز الدراسات الاستراتيجية التابع للمجلس الإيراني تحذر طهران من الدور الكبير لحلف النيتو واستراتيجيته حيال طهران، ووجوده الكثيف في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي عام 2014، ويضيف التقرير أن عدم الاستقرار في المنطقة العربية سيدعم وجود وحضور النيتو، وأن على طهران إعاقة وجود النيتو في المنطقة، وأن تحسن علاقاتها مع دول الخليج؛ لأن الأمن في الخليج العربي يعتمد على دول المنطقة دون تدخل خارجي.
هنا تبدأ مرحلة بناء جسور العلاقة مع دول الخليج العربي، ويصدر عن وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي تصريحات (إيجابية) تسبقها بالطبع تصريحات سلبية من أعضاء في لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني وخطباء الجمعة يقول صالحي لوكالة الأنباء الإيرانية (أرنا) ''ليست لدينا مشكلات خاصة مع السعودية، ونعترف بها بلدا مهما في المنطقة ومؤثرا في المجالين الإقليمي والدولي، وبعد الأحداث في المنطقة، حصل تباين في التفسير والتحليل. وأعتقد أن في الإمكان تبديد سوء الفهم هذا. آمل في إيجاد طريقة مقبولة لمتابعة المشاورات بين البلدين''. وأكد صالحي أن إيران تحترم السيادة الوطنية واستقلال البحرين، وأن من الضروري إيجاد حل بحريني - بحريني للمسألة البحرينية، وأن قرار العاهل البحريني بدء حوار مع الشعب إيجابي. ونأمل أن يتيح هذا الحوار إيجاد حل للأزمة، غير أن تصريحات صالحي هذه تبقى تصريحات دبلوماسية وبالونات اختبار أو رسائل دبلوماسية، سرعان ما ظهر نقيضها، فقد عبر رئيس مركز الدراسات التابع للمجلس أحمد توكلي عن رفضه احتمال زيارة صالحي إلى المملكة، حيث وصفها بـ ''خطأ استراتيجي''.
وعلى صعيد آخر، أرسلت طهران وفدين للقاهرة للقاء شيخ الأزهر أحمد الطيب، الوفد الأول إيراني برئاسة ناصر السوداني نائب مدينة الأهواز (العربية) في مجلس الشورى الإسلامي الإيراني الذي سلمه رسالة من علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني تضمن دعوته لزيارة إيران، والآخر وفد من حزب الله برئاسة الشيخ حسن عز الدين مسؤول العلاقات العربية في الحزب، والوفدان ركزا على بحث دور الأزهر في تحقيق التوافق بين أبناء الأمة الإسلامية، فيما أكد شيخ الأزهر أن ''الأزهر سيقف بالمرصاد لأي دعوات تفرق وحدة الأمة الإسلامية، محذرا من ''محاولات نشر المذهب الشيعي بين أهل السنة وفي بلدانهم''، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية، وقالت الوكالة (إن الإمام الأكبر أكد ''رفض الأزهر - باعتباره حامي حمى أهل السنة والجماعة في العالم - محاولات نشر المذهب الشيعي بين أبناء أهل السنة والجماعة وفي بلدانهم).
إيران تتبع سياسة التهدئة على غير طبيعتها طبعا وتحاول امتصاص أي فواعل تؤثر في أمنها الداخلي، غير أن هذه السياسة لا تحظى بالاحترام الخارجي وإن تم التعامل معها، لوجود مدركات سياسية لدى العالم الخارجي بأن الحرس الثوري هو صانع القرار في إيران، وأن الحكومة والرئيس الإيراني مجرد واجهة، ولهذا تشتعل الساحة الإيرانية حربا بين الرئيس أحمدي نجاد ومحمد علي جعفري قائد الحرس الثوري، الذي يؤكد أن التيار المنحرف يسعى إلى تحقيق أهدافه وتوسيع نفوذه في الانتخابات القريبة للمجلس الإيراني التي من المتوقع إجراؤها في مطلع عام 2012 عن طريق توزيع الأموال ومنح المكافآت الاقتصادية، فيما ألمح الرئيس أحمدي نجاد إلى ضلوع الحرس الثوري في عمليات تهريب البضائع إلى إيران عن طريق المعابر الحدودية غير القانونية، وأنه لا يحق لأيٍ من الوزارات الحكومية بناء رصيف ميناء أو ميناء يعمل بشكلٍ لا يخضع لإشراف سلطات الجمارك. وأضاف أن هناك مَن يعتبرون أنفسهم فوق القانون وبهذا فهم يُشجِّعون على الفساد حتى ولو كانت نيتهم حسنة.
إذاً هناك صراع داخلي قد يكون نوعا من إدارة الأزمة وليس بصراع حقيقي يتم شيطنة فريق بينما يصبح الفريق الآخر أنصاف آلهة، وفريق يدعو للحوار مع العالم الخارجي، وفريق يبدي تزمتا وتشددا ومعارضة، وبالمحصلة الحرس الثوري ينفذ سياسات واضحة ومحددة، وهذا التناقض وعدم الوضوح مُدرك من قبل الدول الإقليمية، وإيران بهذا الأسلوب تشتري الوقت، لكنها لا تكفل النتيجة؛ وذلك نظرا لوجود معطيات عملية لا يمكن تجاوزها، وهي أن إيران تدرك تماما أن ثمة هدفا استراتيجيا أمريكيا لإضعاف الرئيس السوري بشار الأسد، وربما تغيير النظام السياسي، وأن هذا الهدف يتوافق مع مستقبل الدور التركي في المنطقة، ومع صعود الإسلام المدني كقوة قائدة، والأمر الآخر أن إسرائيل في دوائرها الاستخبارية ليست متحفظة على أي تغيير في سورية، وأن تطمينات حصلت عليها تل أبيب بأن القوة القائدة في سورية لن تكون بالضد من المصالح الأمريكية والإسرائيلية، وهناك معلومات مؤكدة أن واشنطن تدير عملية نهاية الحرب على ليبيا بصفقة سياسية بدأت معالمها واضحة وأن واشنطن أبلغت عواصم القرار الغربي بأن إنجاز الهدف سيكون نهاية رمضان، والأمر الآخر رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال مايك مولين زار تل أبيب بعد زيارة أفغانستان وناقش مع الإسرائيليين الوضع في سورية ومصر، وأن تل أبيب حصلت على تعهدات أمريكية بحفظ أمنها واستقرارها ولو تكلف ذلك الدفاع العسكري عنها، والأمر الآخر أن التدخل الإيراني في كردستان العراق كانت رسالة إيرانية للأكراد بضرورة الالتزام بشروط العملية السياسية في العراق، وتحديدا ما يتعلق بالاتفاقية الأمنية العراقية مع أمريكا والانسحاب العسكري، وموقف الأكراد مما يجري في سورية.
بالمحصلة سقطت الأقنعة عن فزاعة التطرف السني وتنظيم القاعدة، وكشفت علاقاته بطهران، وسقط الرهان الذي سوقه اللوبي الإيراني في أمريكا المجلس الوطني الإيراني الأمريكي NIAC حول الرهان الشيعي بعدما وجدت واشنطن أنه رهان خاسر وأن الطائفية لا يمكن التعويل عليها في خدمة المصالح السياسية، كما أن فزاعة الإخوان المسلمين (الشيطان الذي لا نعرفه) كما يقول عاموس يدلين زميل الأمن القومي الإسرائيلي في معهد واشنطن: إن فزاعة جماعة الإخوان المسلمين السورية: من المرجح أن يكون حاكم سورية بعد عالم الأسد - أي ''الشيطان الذي لا نعرفه'' - من الطائفة السنية، ومقارنة بالأسد، من المحتمل أن يكون أكثر علمانيا واعتدالا من الناحية السياسية. وبغض النظر عن ميوله السياسية، فمن غير المرجح أن يقوم زعيم سني بالحفاظ على علاقات الأسد الوثيقة مع إيران الشيعية و(حزب الله). ومع ذلك، إذا افترض المرء، من باب الجدل، أن جماعة الإخوان المسلمين السورية ستهيمن على النظام الجديد، فمن المرجح أن تكون تلك الحكومة أقل إثارة للمشكلات من نظام الأسد.
ضمن هذا المجال وضمن نظرية تغيير الاتجاه الأمريكية التي أشرفت عليها مادلين أولبرايت بعد انتهاء عملها وزيرة للخارجية الأمريكية تكون اتجاهات التغيير هذه المرة تشمل طهران ودمشق مثلما شملت عواصم أخرى، عدا عن كونها شملت القاعدة وتشمل حركات الإسلام السياسي والمدني في المنطقة، وبذلك تستعجل إيران بناء جسور علاقات مع دول الخليج وتحديدا السعودية بعدما استخدمت الأوراق كافة واستنفدتها، ليأتي الرد السعودي على لسان وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل: ''إيران دولة كبيرة وجارة، ولا شك في أن لها دورا في المنطقة، لكن هذا الدور يجب أن يكون له إطار يراعي مصالح الدول الخليجية حتى يكون مقبولا، وإنه إذا أرادت إيران أن تمارس دور دولة قائدة للمنطقة عليها مراعاة مصالح دول المنطقة''، ''ووضعت السعودية نقاطا وطلبت حلها، لكن لم يتم حل تلك النقاط ولم يتم الاجتماع، وعندما جاء وزير الخارجية الجديد علي أكبر صالحي، اتصل بالجانب السعودي من باكستان، وأبدى رغبة في استمرار الحوار، وعرض عقد اجتماع ثلاثي في الكويت، لكنني تحفظت وقلت له إنه لا داعي لتحميل الكويت وزر خلافاتنا، وفضلت بحث المشكلات سويا بعضنا مع بعض''.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي