صناعة الغذاء الحلال رقم صعب في عالم الاقتصاد الإسلامي
فرضت العديد من المؤسسات المالية الإسلامية نفسها من خلال شركات متخصصة بالمنتجات الغذائية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، التي تسمى بالغذاء الحلال، الذي أخذ ينتشر عالميا بسرعة فائقة لأسباب عديدة، لعل من بينها الأمراض الكثيرة الناجمة عن المواد المستخدمة والمضرة بالإنسان، والأمر الآخر لا يتوقف على طريقة الإعداد والذبح الإسلامي أو استخدام مواد لا تحرمها الشريعة ولا تضر عموما بالإنسان، وإنما دخلت هذه الصناعة في السلسلة الغذائية المتكاملة. يذكر أن السعودية ستحتضن في الربع الأول من العام المقبل 2012 ملتقى عالميا للرقابة على الغذاء. «الاقتصادية» تسلط الضوء على ظاهرة صناعة الغذاء الحلال كأحد مناشط الاقتصاد الإسلامي، وذلك وفقا لمؤشر سوق الاستثمارات المقبولة اجتماعيا للأغذية الحلال.
#2#
يعد مؤشر سوق الاستثمارات المقبولة اجتماعيا SAMI للأغذية الحلال بمثابة تجمع للشركات التي تعمل في مجال الأغذية والتوزيع وصيد الأسماك، وتربية الماشية والدواجن، وغيرها. وتضم المرحلة الأولى شركات من 15 دولة من دول منظمة التعاون الإسلامي، إضافة إلى 270 شركة أخرى برأسمال سوق يربو على 114 مليار دولار. وتحتل ماليزيا المركز الأول من حيث رأس المال الذي يتجاوز 53 مليار دولار، تليها إندونيسيا 26 مليار دولار، والسعودية برأس مال يقدر بـ12.7 مليار دولار.
وبالنسبة للقطاعات العاملة في تلك الصناعة جاءت عملية تصنيع الغذاء في المرتبة الأولى برأس مال 55 مليار دولار، يليه قطاع الأسماك وتربية المواشي والدواجن بقيمة 49 مليارا.
ويتناول مؤشر SAMI حلال صناعة الأغذية الحلال والتي تعتمد على استثمار أموال المسلمين الموجودة في الدول الإسلامية لتنمية وإنشاء شركات تسهم في الاقتصاد الحقيقي.
وكان ينظر لصناعة الغذاء الحلال باعتبارها مجرد وجبة ''كباب''، كما أنها نموذج أعمال عالي المخاطرة. ولكن مع تطور ونمو تلك الصناعة وظهورها كأصول واستثمارات مصرفية جعل منها رقما صعبا في عالم الاقتصاد الإسلامي.
ومن أهم العوامل الجاذبة في هذا المؤشر كونه الأيسر في شرح وتوضيح المنتجات الغذائية الموافقة للشريعة الإسلامية للمستهلكين. وفي الغرب يظهر بوضوح أن مستهلكي تلك المنتجات تحولوا إلى مستثمرين في هذا القطاع الآخذ في النمو. ويتضح للمراقب أن هذه الشركات تزداد قيمتها عند عمليات البيع أو الاستحواذ نظرا للمكانة التي تحتلها منتجاتها من حيث الجودة.
ويمكن أن يؤخذ مؤشر SAMI حلال المكون من أكثر من 200 شركة من الدول الإسلامية وينشأ صندوق يعتمد عليه للمستثمرين. وكما سبقت الإشارة فإن المستثمرين يكونون من مستهلكي تلك المنتجات في بلادهم. وعند تجميع أموال المستثمرين في الصندوق يجد المستثمر أنه الأيسر بين الصناديق الأخرى المتوافقة مع الشريعة.
ويدرك المستهلك مدى مصداقية العرض؛ نظرا لأنهم معتادون منتجات تلك الشركات من قبل.
ويرصد المراقبون أن صناعة الأغذية الحلال لم تنجح إلى حد ما في تقديم نفسها لا إلى صناعة التمويل الإسلامي ولا إلى مسؤولي الإعلام في تلك الصناعة. وعلى سبيل المثال فإن أحد الصحافيين المتخصصين في التمويل الإسلامي نشر تغطية عن مؤشر الغذاء الحلال، إلا أنه يرى أن هذه الصناعة لا يمكن لها أن تخطو من ''المنطقة المريحة'' التي تعمل بها إلى تقديم تمويل متوافق مع الشريعة لشركات الغذاء الحلال. ويتفق الكثيرون مع هذا الطرح إلا أن هناك مجالين يمكن لشركات الأغذية الحلال أن توظف فيهما الصكوك. الأول: في بناء المصانع التي يتم فيها تصنيع تلك الأغذية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، وذلك في صورة تمويل إسلامي للعقار من خلال عقود الإجارة التي تعد مثالية في هذه الحالة. والآخر: في حالة المصانع التي يتم بناؤها أو تمويلها من خلال قروض ربوية، ومن ثم فإن الفرصة تكون مواتية لإصدار صكوك وإعادة تمويل القرض الربوي بورقة إسلامية، وهو ما يزيد من ضخ صكوك الشركات، كما يزيد من عدد الشركات التي تتبني الحل المتوافق مع الشريعة فيما يخص التمويل. وهناك تجارب ناجحة في هذا الصدد في ماليزيا.
التحديات والتوقعات
يرصد الخبراء أهم التحديات التي تواجه شركات الأغذية الحلال المتضمنة في المؤشر:
أولها صغر معدل التعويم الحر free float في عدد من الشركات. وثانيها عدم توافر السيولة الكافية لعديد من الشركات. وثالث التحديات يتمثل في تضخم حجم Malaysia’s Sime Derby، وفي هذا الإطار يرى الخبراء أنه يجب أن يقف عند سقف 20 في المائة.
وعلى الرغم من تلك التحديات إلا أن تلك الشركات بما فيها الشركات ذات رؤوس المال الصغيرة تحقق نموا كبيرا وضعها في مصاف مؤشر أغذية الحلال العالمي، كما أصبحت محط أنظار واهتمام المستثمرين حول العالم.
وبالنسبة للتوقعات حول مؤشر SAMI يرى الخبراء أنه من المنتظر إطلاق عدد من الصناديق الخاصة بالمنتجات الاستثمارية في المؤشر. وينتظر أن تلعب تلك الصناديق دورا مهما في توضيح مفهوم الأغذية الحلال بالنسبة للمواطن المسلم في الدول غير الإسلامية، لكنها لا تؤدي الهدف ذاته بالكفاءة نفسها بالنسبة للشركات الكبرى في المجالات المختلفة. وهنا يأتي دور مؤشر الأغذية الحلال الذي يتوقع أن يصبح مؤشرا ذا أداء متميز، وهو ما يؤدي لاجتذاب الكثير من الشركات الكبرى، كما أنه يشجع الشركات التي تعمل منفردة في هذه الصناعة على الظهور العام من خلال الطرح في المؤشر.
حالة الغذاء في دول منظمة التعاون الإسلامي
تصنف دول منظمة التعاون الإسلامي إلى أربعة نطاقات من ناحية التعرض لأزمات غذاء في أوقات مختلفة:
الأول هو الأكثر عرضة لأزمات الغذاء وتكون تلك الدول أكثر معاناة من تأثير تلك الأزمات، كما ترتفع بها نسب سوء التغذية بين المواطنين، وتعتمد هذه الدول على الاستيراد بشكل أساسي ومن أمثلتها الصومال وطاجيكستان واليمن.
النطاق الثاني: دول فقيرة من ناحية الغذاء إلا أن المفارقة أنها دول زراعية مثل السودان وباكستان. أما الثالث فهو الدول الأكثر دخلا بين دول منظمة التعاون الإسلامي والتي تعتمد على استيراد الغذاء، وتكون عرضة لتقلبات الأسواق العالمية مثل دول الخليج العربي. وآخر تلك الدول هي التي تعتمد على استيراد الغذاء في تحقق معدلات تغذية صحية مثل تركيا وماليزيا وهي الدول التي تعد الأكثر أمنا من ناحية توافر الغذاء.
ويعرض بحث أعده باحثو موقع DinarStandard لحالة الأمن الغذائي في الـ57 دولة الأعضاء في المنظمة، والتي أشار تقرير حديث لمنظمة الأغذية والزراعة يعانون مشاكل في الحصول على الطعام المناسب. وفي الدول ذات الدخل المنخفض يتم توجيه 60 إلى 65 في المائة من الدخل للغذاء، في حين أن نسبة الغذاء تتراوح بين 10 و20 في المائة من الدخل في الدول المتقدمة. وهذا يؤدي بالتالي إلى مشاكل أخرى كعجز الأسر عن توفير فرص تعليم لأطفالهم، وكذلك الرعاية الصحية، حيث تلتهم ميزانية الغذاء نصيب الأسد من الدخل.
وقد أشار بعض المعلقين إلى أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية كان سببا مباشرا في حالات الغليان التي عاشتها -ولا تزال - عدد من الدول العربية.
وتضم الصومال أكبر نسبة من عدد السكان الذين يعانون مشاكل نقص الغذاء، حيث بلغت تقديرات الأمم المتحدة 62 في المائة، بينما تضم باكستان أكبر عدد من السكان الذين يعانون من نقص الغذاء، حيث بلغت في العام الماضي 44 مليون نسمة بنسبة تقدر بـ26 في المائة من عدد السكان.
وعلى الرغم من معاناة نسبة كبيرة من سكانها مشاكل الغذاء إلا أن هناك دولا ذات تربة عالية الخصوبة، حيث تضم السودان 20.7 مليون هكتار، وباكستان 20.3 مليون هكتار، وبنجلاديش 7.9 مليون هكتار.
وتعد باكستان رابع دولة في منتجات الألبان، فيما تعد بنجلاديش من أهم مصدري الأرز، والسودان في قطعان الماشية. وتوفر تلك الدول فرصا كبيرة للاستثمار الذي يتطلب استثمارات دائمة لتحقيق الإنتاجية المطلوبة.
وتعد دول الخليج من الدول التي تعتمد كلية على استيراد المواد الغذائية. وتعاني تلك الدول مشكلة ندرة المياه تبقى عائقا أمام استغلال النشاط الزراعي. وعلى الرغم من ذلك تسير دول الخليج باستراتيجية تهدف لزيادة الاستثمار الزراعي سواء داخل حدودها أو في دول أخرى وهو ما يقلص من الأسعار بنسبة 25 في المائة. وقد صنف تقرير ifpri الإمارات في المرتبة الثالثة من حيث مساحة الأراضي الزراعية التي يقوم عليها مستثمرون محددون وذلك خلال الفترة بين 2006 و2009.
إلا أن هذه الاستراتيجية لها سلبياتها؛ إذ إن التوسع في الاستحواذ على الأراضي يؤدي إلى تجريد الملكية أو استخدام الأراضي بصورة غير دائمة. وبالنسبة للاستثمار في أراضٍ في دول أجنبية فإنه لا يلاقى ترحيبا سياسيا في الغالب.
ويلاحظ بشكل عام أن الوضع الغذائي في دول منظمة التعاون الإسلامي يشير إلى وجود حالة من الأمن في الدول الأعلى دخلا بخلاف الدول ذات الدخل المنخفض التي تمتلك أراضي زراعية، لكنها تفتقر إلى الاستثمارات التي تبنى على تبادل المصالح.
فرص الغذاء والزراعة
بلغ حجم تجارة الغذاء والزراعة في دول منظمة التعاون 40.1 مليار دولار في 2009 بواردات تقدر قيمتها بـ126 مليار دولار(12 في المائة من الواردات العالمية)، فيما بلغ إجمالي الصادرات 85 مليار دولار (8 في المائة من الصادرات العالمية). وتتصدر إندونيسيا وماليزيا وتركيا قائمة الدول الأعلى في تجارة الغذاء والزراعة. ومن الدول الواعدة كوت ديفوار والمغرب وباكستان ومصر ونيجيريا وقازاخستان.
ويشير الخبراء إلى أن هناك فجوات واحتياجات يمكن سدها ومن ثم توفير فرص حقيقية من خلال ثلاثة محاور: الأول فرص الاستثمار وتعد الاستثمارات التكنولوجية واندماج الشركات من الفرص الأولية. ويمكن استهداف إمكانيات الشركة من خلال الاستثمار في التسويق والأبحاث. وبالنسبة للاستثمار المؤسسي يمكن أن يشاركوا في صناديق مختلفة ذات علاقة بالمؤشر الجديد للأغذية الحلال SAMI. والمحور الثاني اتحاد شركات الغذاء الحلال الكبرى. وهذا من شأنه أن ينمي سوق الغذاء الحلال في ظل المنافسة التي تستعر بين الشركات العاملة في تلك الصناعة.
والمحور الثالث: هو أسواق النمو الجديدة ويمكن لشركات الغذاء في دول منظمة المؤتمر الإسلامي أن تتوسع في الأسواق الأضعف.
توجهات أسعار الغذاء العالمية الحالية
كان مؤشر الأمم المتحدة لأسعار الغذاء العالمية في أيار (مايو) 2011 أعلى مما كان عليه في 2008، وفي حين تضاءل معدل الارتفاع في أسعار السكر واصل القمح والأرز الارتفاع. وتعد تلك المعدلات بمثابة مشكلة في الدول التي تعتمد على الدقيق في غذائها مثل الدول العربية التي يمثل الدقيق 35 في المائة من السعرات اليومية التي يتناولها مواطنيها.
وتطرح الأمم المتحدة الحلول لتجنب الكوارث الغذائية وأولها تخفيض عدد السكان، واستخدام الوقود الحيوي بدلا من الحفري.
وبالنسبة للمخاطر فتتمثل في تغير المناخ والكوارث الطبيعية والجفاف. وعلى سبيل المثال فقد أدت فيضانات باكستان في العام الماضي لفقدان خمس مساحة الأرض الزراعية وقتلت مليون رأس ماشية.
أما بالنسبة لندرة المياه فإنها تلعب دورا حيويا في زيادة أسعار الغذاء. وعلى سبيل المثال فإن صنع فنجان واحد من القهوة يتطلب 140 لترا من المياه العذبة خلال المراحل المختلفة. أما ساندوتش البرجر فيستلزم 2400 لتر من المياه تشمل المياه اللازمة للري وإنتاج الأعلاف وغيرها. وثمة خطوات اتخذتها الدول لمجابهة تلك المخاطر .
يوجد جراف