شرح وإيضاح الأحكام العامة في تنظيم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (6 من 6)

الحمد لله الذي يحب المحسنين، والصلاة السلام على الرسول النبي الأمين، وبعد، تواصلا مع ما سبق كتابته في المقالات السابقة، فللأهمية استكمال الفائدة بشرح وإيضاح الأحكام العامة المنصوص عليها في المواد من الثالثة عشرة إلى السابعة عشرة باعتبار ما تضمنته مكملة للأحكام والقواعد في النصوص السابق شرحها وإيضاحها، فالمادة الثالثة عشرة أكد فيها على أن تقوم الهيئة بإعداد قواعد واضحة لحماية النزاهة؛ لأنها تمثل الوقاية من حصول جرائم الفساد، وهذه القواعد لا بد أن تشتمل على آليات فاعلة تقضي بمنح مكافآت تشجيعية (مادية - معنوية) لكل موظف من موظفي الجهات العامة، وغيرهم ممن يؤدي اجتهادهم إلى كشف حالات الفساد، أو توفير مبالغ للخزانة العامة، ويقصد بغير موظفي الجهات العامة موظفي القطاع الخاص، والأشخاص الآخرين عامة من المواطنين والوافدين، وبعد صياغة القواعد صياغة قانونية محكمة وواضحة ترفع إلى الملك للنظر في اعتمادها إذا حازت القبول والرضا منه باعتبار - يحفظه الله - ولي الأمر الحريص كل الحرص على تحقق الإصلاح بكل السبل والطرق المشروعة.
ومن آليات المتابعة والحث على العمل والإنجاز نُص في المادة الرابعة عشرة على أن يقوم رئيس الهيئة بإعداد تقارير يرفعها إلى الملك وفق الخطوات الآتية:
1 - تقرير سنوي خلال "تسعين" يوما على الأكثر من تاريخ انتهاء السنة المالية يتضمن: (أ) ما أنجزته الهيئة خلال السنة السابقة من أعمال في مجال اختصاصاتها، وتبيان ما واجهها من صعوبات، وأن تبدي الهيئة ما تراه من مقترحات تحول دون تكرار حصول الصعوبات مستقبلا، وأيضا (ب) تقويم عام لوضع النزاهة والفساد في المملكة خلال سنة التقرير؛ وذلك لأن هذا التقويم يضع الصورة واضحة وجلية أمام ولي الأمر خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - لحرصه التام على الإصلاح بتحقيق النزاهة، ومكافحة جرائم الفساد التي تخل بالأمن والاستقرار والسكينة والسلامة في المجتمع.
2 - زيادة فيما تقدم لا بد من عمل تقارير - بحسب الحاجة - عن موضوعات معينة يرى رئيس الهيئة إطلاع ولي الأمر عليها سواء للإحاطة بها، أو للتوجيه بما يراه - حفظه الله - لمعالجتها أو وضع تنظيم لها؛ لأن النوازل والوقائع تتجدد وتتولد في المجتمع نتيجة للتطور والتنمية، وما يصاحب ذلك من متغيرات وحوادث ومشكلات غير متوقعة.
والهيئة الوطنية كسائر الجهات الحكومية والهيئات والمؤسسات العامة تخضع للرقابة المالية؛ ولهذا يجب إعداد الحساب الختامي لكل سنة مالية وفق ما هو منصوص عليه في اللوائح المالية الخاصة بها، والمنوّه عنها في الفقرة (1) من المادة السابعة سالفة الذكر، وذلك حسبما تقضي المادة الخامسة عشرة من تنظيم الهيئة؛ إذ لها استقلالية تامة في ذلك كأي هيئة مماثلة، ولها أهمية خاصة لمناشطها الرقابية الدقيقة والسرية، وما يصاحب ذلك من مخاطر عند محاولة ضبط مرتكبي جرائم الفساد المتنوعة والمختلفة في ممارساتها وتحرزاتها السرية؛ ولهذا نُـص في تنظيم الهيئة أن لها ميزانية مستقلة (م/12) تحسبا للتوقعات بأنها قد تحتاج إلى مصروفات كبيرة نظرا لجسامة عملها، ولحجم رواتب وأجور العاملين فيها، وما تقدمه من حوافز مادية للمتعاونين معها.
ومن منطلق الأهمية الكبيرة للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد نجد المادة السادسة عشرة نصت صراحة على أن اللوائح التنفيذية لتنظيم الهيئة تصدر بأمر ملكي كريم بناءً على اقتراح من رئيس الهيئة الذي خول أصلا بالإشراف على إعداد اللوائح (م/ 7/1)، كما سبق شرحه وتوضيحه سابقا، وصدور اللوائح بأمر ملكي يوضح مدى اهتمام خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله وأمد في عمره بالصحة والعافية - بمتابعة إنجاز الإصلاحات التي يهدف إليها، ومنها مكافحة جرائم الفساد المتفشية محليا وإقليميا ودوليا، ما جعلها عابرة للحدود مترصدة لمناطق الثراء، وضعف الرقابة الأمنية، ولهذا كان الاهتمام والتركيز لتقوية الرقابة الأمنية بكل السبل والطرق الناجحة من كل الجهات الرقابية الأمنية، بل التعاون مع الدول المجاورة لمكافحة الفساد؛ لأن جزءا منها يتسلل عبر الحدود، وما تصدره وزارة الداخلية من بيانات أمنية في ضبط كميات كبيرة من المخدرات المهلكة إلا دليل واضح على استهداف المملكة لأسباب عديدة، ومن ذلك كثرة العمالة الأجنبية التي تتجاوز تسعة ملايين من مستقدمين، ومتسللين ومتخلفين من زيارات محددة المدة للحج والعمرة والزيارات الخاصة، ولعل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد تكون أكبر عون للجهات الرقابية والأمنية في الحد، والقضاء على جرائم الفساد بضبط مرتكبيها، وتوقيع أشد العقوبات بحق كل من تثبت إدانته بالجرم المشهود بالأدلة الدامغة مهما كانت جنسيته ومركزه الوظيفي، ووضعه الاجتماعي، فلا حصانة لمجرم مهما كان، وهذا ما أكد عليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - أيده الله - في توجيهه عندما قال: (... ولا يستثنى من ذلك كائن من كان..) في الأمر الملكي الكريم الصادر بإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد رقم (أ/65) بتاريخ 13/4/1432هـ الموافق 18/3/2011 ، ولا شك أن الاهتمام من لدن ولي الأمر سيجعل للهيئة الوطنية دورا فاعلا في مكافحة الفساد، وحماية النزاهة بتقدير وتشجيع كل شخص طبيعي أو اعتباري نزيه سواء كان عاملا أو متعاونا، وحمايته من كل المصائب والأخطار التي قد يتعرض لها من مرتكبي جرائم الفساد، وهو المنتظر من الهيئة بعد مزاولة عملها، فتنظيم الهيئة يسري العمل به من اليوم التالي لنشره في الجريدة الرسمية حسب مقتضى المادة السابعة عشرة من التنظيم، غير أن مزاولة الهيئة العمل الفعلي يحتاج إلى بعض الوقت حتى استكمال إصدار اللوائح التنفيذية، ومن ثم الإعداد المادي لمكونات ومتطلبات الهيئة من مقر وتجهيز له بكل المستلزمات، ومن ثم اختيار الكوادر البشرية الأمينة الحكيمة النزيهة المحايدة المؤهلة علميا وعمليا، وهذا من أهم ما تحتاج إليه الهيئة، وقد يستغرق وقتا أطول.
بهذا المقال أنتهي من شرح وإيضاح مواد تنظيم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، راجيا أن أكون فد وفقت في تبيان أكثر مما ورد في النصوص القانونية التي تتسم بصياغة مقتضبة خالية من التفصيلات التي تترك للشراح من ذوي الاختصاص القانوني، وهذا هو المتبع - دائما - في صياغة القوانين والأنظمة، بل إن قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية الكلية تأتي بصياغات مُحكمة، ويتولى العلماء والفقهاء المختصون شرحها لطلاب العلم، وهذا كان المشجع لي بأن أبادر بشرح النصوص كما ذكرت، ولا شك أن غيري من ذوي الاختصاص سيقومون بدورهم كل حسب ما يراه مفيدا ومحققا للمصلحة العامة كما يعتقد، والله الموفق والهادي إلى الطريق القويم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي