العلاقة الضعيفة بين المصارف الإسلامية ومراكز الأبحاث أحد أسباب عدم ابتكار منتجات أصلية

العلاقة الضعيفة بين المصارف الإسلامية ومراكز الأبحاث أحد أسباب عدم ابتكار منتجات أصلية

أكد الدكتور عبد الله العمراني، أستاذ كرسي الشيخ راشد بن دايل لدراسات الأوقاف في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لـ ''الاقتصادية''، أن نشاط المؤسسات المالية المقتصر على صيغ محددة يعود إلى طبيعة عمل البنك التجاري القائم على الائتمان واستثمار أموال المودعين لصالحه بأدوات منعدمة أو ضئيلة المخاطرة، وأشار إلى ضعف العلاقة بين المؤسسات المالية ومؤسسات البحث العلمي والذي نتج منه عدم ابتكار منتجات أصلية تنطلق من التراث الفقهي وتتناسب مع بيئة المصارف الإسلامية، مؤكدا دور مؤسسات البحث العلمي ومراكز التخطيط الاستراتيجي في تطوير الصناعة المالية الإسلامية. وقال العمراني: إن التوسط في قضية توحيد المرجعية الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية مهم، حيث تكون هناك معايير موحدة وضوابط عامة تضبط المسار العام، وتترك التفصيلات والخطوات الإجرائية لطبيعة كل مؤسسة مالية، كما قال: إن على المصارف الإسلامية تطوير صيغ الوقف الإسلامي، خاصة المحافظ والصناديق الوقفية التي تعد تطويرا لوقف النقود والتي كانت موجودة في التاريخ الإسلامي، مؤكدا دور ذلك في إحياء الوقف وتوسيع دائرة الواقفين.. فإلى تفاصيل الحوار:

نشاط المؤسسات المالية الإسلامية مقتصر على صيغ محددة وتغيب عنه صيغ عديدة، وبما لا يعبر عن تصورات ومقاصد الشريعة في المشاركة وغيرها، ولهذا لديها فائض في السيولة وتصحر في المشروعات الحقيقية.. ما السبب؟
يرجع هذا إلى أسباب عدة، من أهمها طبيعة عمل البنك التجاري القائم على الائتمان واستثمار أموال المودعين لصالحه بأدوات منعدمة أو ضئيلة المخاطرة، وهذه الفلسفة التي يقوم عليها البنك تجعله لا يحبذ الدخول في عقود المشاركات، ويكون تركيزه على المرابحة والبيع الآجل، وهذا يحول دون ابتكار وتطوير عدد من المنتجات التنموية الملائمة؛ ولذلك فإننا في المرحلة المقبلة في حاجة أكثر إلى تفعيل بنوك الاستثمار والبنوك التعاونية والتنموية.

الخلافات الشرعية في السنوات الأخيرة بدت منتقدة كثيرا، والسبب ليس في التنوع والاختلاف وإنما السبب شروط السوق التي تفرض وجود طلب على التساهل والترخص وتبضع الفتاوى.. ما رأيكم؟
الخلاف في المسائل الفقهية موجود منذ العصور الأولى لتاريخ التشريع الإسلامي، إلا أن هناك خلافات مقبولة، وبعبارة أخرى مسائل يسوغ فيها الخلاف ويتعدد فيها الاجتهاد والنظر الفقهي، وهناك خلافات غير مقبولة وتعد بعض الأقوال فيها من الأقوال الشاذة، وما ذكر في السؤال كان ملحوظا في بدايات المصرفية الإسلامية، إلا أن كثيرا من المسائل تم نقاشها بشكل جيد في الدراسات العلمية والمجامع الفقهية والندوات المتخصصة، وقلت كثير من الأقوال البعيدة عن مقاصد الشريعة الإسلامية في التعاملات المالية، لكن الإعلام في السنوات الأخيرة ركز على إثارة عدد من هذه القضايا مما يجعل القارئ يعتقد أن هذا التوجه جديد وهو في الحقيقة في طريقه للاندثار.

كيف تقيّم العلاقة بين المؤسسات المالية وبين المؤسسات البحثية، لماذا ما زالت المنتجات مجرد أسلمة وليست منتجات أصلية؟ أين التفكير في المستقبل؟
ما يتعلق بعلاقة المؤسسات المالية بمؤسسات البحث العلمي فهي بالفعل ضعيفة، وهناك فجوة واضحة، فالمؤسسات المالية تقوم ذاتيا بإنجاز الأبحاث التي تحتاج إليها، وهناك عدد من المؤسسات المالية ترعى مناسبات علمية وبحثية، والمفترض أن يكون هناك دعم من قبل المؤسسات المالية لمراكز الأبحاث المتخصصة لتطوير المصرفية الإسلامية وتطوير منتجاتها.
وهذه العلاقة الضعيفة هي أحد أسباب عدم ابتكار منتجات أصلية تنطلق من التراث الفقهي وتتناسب مع بيئة المصارف الإسلامية؛ لأن ابتكار منتجات وتطويرها يحتاج إلى باحثين وممارسين ومراكز أبحاث متخصصة تقود عملية التطوير، ولا يكفي تلفيق عدد من الإجراءات لإخراج منتج متميز، وإذا لم تسلك المؤسسات المالية المسار الطويل واكتفت بالحلول السريعة فإن الواقع لن يتغير بصورة مثالية وتراثنا الفقهي مليء بالمنتجات المالية التي يمكن تطويرها وتطبيقها في الواقع المعاصر.
كما أن مؤسسات البحث العلمي ومراكز التخطيط الاستراتيجي معنية بهذا الموضوع للإسهام في تطوير الصناعة المالية الإسلامية، فالمسؤولية مشتركة للجميع؛ لأنها تخدم المستفيدين من هذه الخدمات وهم أفراد المجتمع، وتخدم الاقتصاد الإسلامي بشكل عام.
وعلى سبيل المثال فقد قام فريق علمي متخصص بإشراف المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية باستخراج أكثر من 1200 منتج من كتب التراث الفقهي.

استقلالية الهيئات الشرعية في المصارف والبنوك ما زالت تواجه العديد من النقد؛ كونها خاضعة لإدارة هذه المؤسسة، كما أن قيامها بأعمال الرقابة الداخلية والتدقيق الداخلي شكلي، ولهذا تحدث الأخطاء.
الإشكال الأكبر أن عددا من البنوك التي تقدم خدمات إسلامية ليس لديها إلا هيئة شرعية، وليس لديها إدارة داخلية للرقابة الشرعية وهذا خلل كبير؛ لأنه سيؤدي إلى وقوع أخطاء في التطبيق دون رقابة أو تغذية راجعة.
كما أن الوضع الأمثل أن يكون هناك إدارة للرقابة الشرعية الداخلية إضافة للرقابة الخارجية كما هو الحال في الرقابة الخارجية للأعمال المحاسبية للمؤسسة. ويوجد في الخليج عدد من المراكز المتخصصة في الاستشارات الشرعية التي يمكن أن تقوم بدور المدقق الشرعي الخارجي.

كيف تقيّمون وضع المصرفية الإسلامية في السعودية، ولماذا لم تصبح الرياض عاصمة للتمويل الإسلامي؟
تقييم وضع المصرفية الإسلامية في السعودية يحتاج إلى دراسة تحليلية متخصصة وفق أسس البحث العلمي المعروفة، لكن يمكن إيراد بعض القراءات العامة لهذه التجربة الرائدة، فالجميع يلحظ نموا كبيرا في المصرفية الإسلامية في السعودية، سواء في عدد الفروع الإسلامية أو في حجم أصولها وتعاملاتها، كما أن التجربة السعودية في المصارف في نظري تعد من التجارب التي أصّلت كثيرا من القضايا المتعلقة بالتعاملات الشرعية لأعمال المصارف من خلال القرارات الشرعية التي تصدرها الهيئات الشرعية في البنوك الإسلامية والتي أصبحت أرضية خصبة للدراسة والبحث العلمي.
وتعد تجربة المصارف الإسلامية في السعودية من التجارب الرائدة والتي كان لها مخرجات ظاهرة، سواء كان في المنتجات المالية والاستثمارية، أو في تأهيل الموارد البشرية المتميزة في مجالات المصرفية الإسلامية كافة، إضافة إلى وجود المجموعات الشرعية في البنوك الإسلامية والتي تضم كذلك أمانة عامة للمجموعة الشرعية تحوي عددا من الباحثين والمستشارين الشرعيين، كما يتبع المجموعة الشرعية إدارة للرقابة الشرعية تضم مجموعة من المراقبين الشرعيين الذين يقومون بفحص التعاملات اليومية للمصرف والتأكد من توافقها مع قرارات ومعايير الهيئة الشرعية.
وقد أشرت في حوارات سابقة إلى أن النظر المنطقي يقضي أن تكون الرياض هي المرشح الأول لتكون عاصمة للمصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي، حيث تمتلك الرياض المقومات الكبيرة لذلك، ومنها أن الاقتصاد السعودي هو أكبر اقتصاد في المنطقة، ويتمتع بمتانة وقوة وموارد وسيولة عالية، وكذلك احتضان السعودية مجموعة من البنوك التي تملك أصولا كبيرة متوافقة مع الشريعة وتشكل أكثر من 30 في المائة من أصول المصرفية الإسلامية في العالم، إضافة إلى اعتبار السعودية مرجعية إسلامية عالمية، وكذلك فإن الأنظمة المالية في السعودية تؤكد أن تكون جميع تعاملاتها متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، وتزايد الطلب المحلي للمصرفية الإسلامية والذي بدوره جعل جميع البنوك في السعودية تقدم خدمات متوافقة مع الشريعة، سواء في جميع تعاملاتها أو من خلال النوافذ الإسلامية، واحتضان السعودية عددا من الجامعات الشرعية العريقة، التي تأتي المصرفية الإسلامية من مجال اهتمامها وتخصصاتها، وبها عدد من مراكز الأبحاث وكراسي البحث.
وعلى الجهات الإشرافية دور كبير في تطوير أداء المصارف في السعودية، وذلك من خلال توفير السياسات الملائمة للمنتجات والأدوات المالية الإسلامية، وتوفير البيئة المحفزة لتطوير المنتجات الاستثمارية والمجتمعية، وتطوير آليات الرقابة الشرعية.
وأحب التأكيد على العناية بمراكز الأبحاث المتخصصة، ومراكز تطوير المنتجات المالية والاستثمارية التي يمكن تطبيقها بفاعلية عالية تجمع بين الكفاءة الاقتصادية والسلامة الشرعية، وتصديرها للعالم.

تمتلك السعودية أدوات صناعة المصرفية الإسلامية كافة، غير أن المؤسسات المالية لا تمتلك مرجعية واحدة من ناحية شرعية، وعلاقتها بالمؤسسات والشرعية ما زالت محدودة.. ما السبب في ذلك؟
طرحت كثيرا في الآونة الأخيرة قضية توحيد المرجعية الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية، وهناك مؤيدون ومعارضون، والتوسط في هذه القضية مهم، حيث تكون هناك معايير موحدة وضوابط عامة تضبط المسار العام، وتترك التفصيلات والخطوات الإجرائية لطبيعة كل مؤسسة مالية، ولعل عدم استقرار هذه الرؤية أحد أسباب ذلك، إلا أن التوجه الأخير في توحيد الفتوى سيلقى اهتماما كبيرا بهذا الموضوع فيما يتعلق بالمؤسسات المالية الإسلامية؛ لأن هذه المؤسسات تقدم خدمات ومنتجات كثيرة للأفراد.

غالبية من نلتقيهم من متخصصين غربيين يؤكدون غياب إلزامية المعيرة والحوكمة بضعف هذه المؤسسات.. ما رأيكم؟
معايير الحوكمة للشركات والمؤسسات المالية أصبحت سمة أساسية من سمات الجودة الشاملة للإدارة الناجحة في العصر الحاضر، وكثير من المنتديات والملتقيات أوصت بإلزامية المعايير والحوكمة، التي تتحقق بها مبادئ الجودة والشفافية، وأعتقد أن التخطيط الاستراتيجي للمصرفية الإسلامية يقتضي الاهتمام بهذا الموضوع، خاصة أنه يوجد أساسات قائمة لهذه المبادئ.

الفقر والبطالة وسوء التغذية، المشكلات الاجتماعية.. أين الشراكة بين المؤسسات المالية والمؤسسات الأهلية الاجتماعية؟
هناك عدد من المؤسسات المالية الإسلامية لديها إسهام مع المؤسسات الاجتماعية من خلال برامج وإدارات المسؤولية الاجتماعية في المصرف، لكن المؤمل زيادة الدعم والبرامج المتكاملة لمعالجة تلك المشكلات بشكل أكبر، إضافة إلى تفعيل برامج القروض المجانية لذوي الدخل المحدود وتمويل المشاريع متناهية الصغر والتي تكاد تكون معدومة مع ما فيها من جانب اجتماعي وتنموي.

لماذا يغيب الوقف عن عالم المصرفية الإسلامية والأرقام تؤكد أن حجم الوقف العالمي يزيد على 105 مليارات دولار، رغم أن الوقف له مؤسسات، والتاريخ يذكر هذا الجانب المشرق.. لماذا اختفى وما السبب وكيف يتم إنعاشه؟
الأوقاف لها دور كبير عبر التاريخ في البناء الحضاري والتنموي، وتلبية حاجات المجتمع المتنوعة، ودعم البرامج النافعة لعموم الناس، والتاريخ الإسلامي حافل بالأوقاف التي حققت مصالح المسلمين منذ عهد النبوة إلى عصرنا الحاضر، يشهد لذلك الأدلة الشرعية، والتاريخ الإسلامي، والسجلات والوثائق الخاصة بالأوقاف التي شيدت لدعم البر والخير والتنمية كبناء المساجد، والمدارس، والمكتبات، ورعاية الأيتام والفقراء، وحفر الآبار، والخدمات الصحية وغيرها.
وما ذكر من الحجم الكبير للوقف في العصر الحاضر والذي غالبه على شكل عقارات مدرة في مقابل السيولة النقدية، فإن المصارف الإسلامية ينبغي عليها أن تهتم بتطوير صيغ الوقف، خاصة المحافظ والصناديق الوقفية التي تعتبر تطويرا لوقف النقود والتي كانت موجودة في التاريخ الإسلامي، وهذه الصيغة التي يمكن تطويرها سيكون لها دور كبير في إحياء الوقف وتوسيع دائرة الواقفين؛ لأنه يمكن لأي أحد أن يوقف مبلغا ولو كان قليلا، كما أنه بدوره سيوسع دائرة المستفيدين من الوقف وفقا لإشراف الجهات المعنية بالأوقاف.
وهذا يقود إلى أهمية نشر ثقافة الوقف في المجتمع كما كان في عهد الصحابة رضوان الله عليهم، حيث يقول جابر - رضي الله عنه - لم يكن أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذا مقدرة إلا وقفا.

هناك نشاط بحثي تقوم عليه الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل، وهناك العديد من الخبراء المتخصصين، غير أننا نجد أن البحرين تستحوذ على كثير من المؤتمرات المتخصصة وفيها هيئة الآيوفي.. ما السبب في ذلك؟
أحب أن أؤكد أن كلتا الهيئتين المباركتين هيئة التمويل وهيئة الأيوفي هما من الهيئات الداعمة للاقتصاد الإسلامي والمؤسسات المالية الإسلامية وتصبان في مصلحة تطوير وتجهيز البيئة البحثية والممارسات الإيجابية، وليس بينهما تنافس وإنما بينهما تكامل وتعاضد. وأتذكر جيدا أن الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل حصرت الهيئات والمؤسسات الداعمة للاقتصاد والإسلامي في العالم وقامت بتصنيف تلك المؤسسات ومن ثم قامت برسم استراتيجيتها في عدم منافسة تلك الهيئات فاستبعدت مجالات مثل التعليم والتدريب والمعايير وغيرها، حيث لا تمارس تلك الأعمال أصالة. وتخصصت في مجال البحث العلمي النظري والتطبيقي؛ لأنه في حاجة كبيرة إلى تضافر الجهود مع وجود مراكز بحثية متخصصة، كما أن الهيئة رسمت مسارات أساسية عدة في البحث العلمي والتوعية والتنسيق والمعلومات. وأما ما ذكر من المقارنة في مجالات الندوات والمؤتمرات، فالمعروف أن هيئة الأيوفي برزت بشكل واضح ورائد في صياغة المعايير الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية وهو المنتج المتميز الذي قدمته للمؤسسات المالية الإسلامية، أما الندوات والمؤتمرات فهناك جهات بحثية وأكاديمية عدة قدمت العديد منها، فالهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل خلال السنوات الخمس الماضية أقامت أكثر من 90 ندوة ومؤتمرا متخصصا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي وفي مجالات عدة من مجالات الاقتصاد والتمويل الإسلامي، كالزكاة والتأمين والاستثمار والتمويل والأسواق المالية والنظرية النقدية، وتحرص الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل على الجودة في اختيار موضوعات الندوات، والتميز في الأبحاث وأوراق العمل، وذلك يؤكد أن الهدف العلمي واضح فيما يطرح في تلك الندوات والمؤتمرات.

الأكثر قراءة