تأملات رمضانية (2)
- وصف المولى، عزّ وجلّ، شهر رمضان بأنه الذي أنزل فيه القرآن، تشريفًا له وإعلاءً لقدره (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس)؛ أنزله الله في ليلة من ليالي هذا الشهر، هي ليلة القدر؛ وجعل تعالى العبادة فيها خيرًا من عبادة ألف شهر؛ كما وصف المولى تبارك وتعالى هذه الليلة بالليلة المباركة؛ فالذي يتوخَّى هذه الليلة من ليالي رمضان ويتعبَّد فيها لربه ويذكره منيبا إليه؛ يناله حتمًا خير كثير - بإذن الله.
- من المفاهيم اليقينية لدى كل مسلم، التي تشكّل كل زاوية من زوايا حياته، مفهوم: الإيمان، الذي نجد دعوات صادقة له في مجالات عدة، في مجال العلم بالله تعالى، والعلم بالكون والحثّ عليه؛ ما يجعلها جزءًا لا يتجزأ في مفهوم الإيمان، وفي دعوته للقوة والوحدة؛ والعمل والضرب في الأرض، والسعي في مناكبها، وكذا الدعوة إلى الأخلاق الإنسانية العالمية من الرحمة، يقول - صلوات الله وسلامه عليه: ''لا إيمان لمن لا أمانة له''، ويقول تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، وفي الدعوة للعدل والإحسان: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان)، بينما يرتبط مفهوم الإيمان الصادق، بقوله تعالى: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله، ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، أولئك هم الصادقون)، وإذا تفحّصنا هذه الآية الكريمة بشيء من التفصيل؛ نجد، قوله تعالى: (قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون، والذين هم عن اللغو معرضون، والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين، فمن ابتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم علي صلواتهم يحافظون، أولئك هم الوارثون، الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون)؛ وسنجد (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون، الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون، أولئك هم المؤمنون حقا)؛ وسنجد آثار هذا الإيمان في الخلق، أسمى ما يكون؛ وفي التوجيه الإلهي المعصوم من الخطأ، أوضح جليًا، وفي العقيدة أصدق ما يكون أتباعها.
- ديننا الوسطي الحنيف، ينكر المظاهر السلبية في العادات والتقاليد ولا يقرها، فإن الإسلام إنما يدعو إلى استثمار الطاقة في العمل، الذي يسمو بالإنسان في حياته، ويبوئه أكرم منزل في آخرته؛ فلا يقر الإسلام التواكل، وينبغي أن يوضّح العلماء والدعاة مقاصد ومفاهيم القرآن الكريم في ذلك توضيحًا لا لبس فيه ولا غموض، لا يترك في النفوس رواسب حتى ينجلي الفارق بين التوكل والتواكل؛ فمثلا: مفهوم التوكل على الله تعالى أن يدلف الإنسان إلى العمل بكل طاقته راجيًا الله، عزّ وجلّ، المعرفة والتوفيق، وهذا هو الجانب الإيجابي، الذي ينبغي أن يعيه كل مسلم؛ إذ يدفع الطاقة ويزيد من فاعليتها وديمومتها. أما التواكل؛ فإنما يعني القعود وتفريغ الطاقة في غير وجهه، وهذا ما لا يقره ديننا أو تقبله الفطرة السوية؛ وإنما يرفضانه رفضًا قاطعًا؛ ولعل قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ''اعقلها وتوكل''، يأتي صريحًا في مدلوله، وفي بذل الطاقة؛ وقول أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: ''لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق وهو يعلم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضةً'' فتحٌ من الفتوح الطبيعية لتعاليم الإسلام ومبادئه السمحة.
- بعض المظاهر المتوافرة، التي تتراخى مع بعض المنكرات المؤثّرة لها كبير الأثر على سلوكيات البعض، وتعد معوّل هدم، وعاملاً سلبيًا في حركة التأثير؛ لذلك أدعو أجهزة الإعلام، وخاصة الصحافة المقروءة، والمسموعة والمرئية والمشَاهدة والبرامج النقاشية، التخطيط والتوعية، إلى عدم التهاون في المواد التي تقدَّم للمواطن، والجمهور العربي بحسبانها تنويرًا وما شابه ذلك من سمعيات تلوكها ألسنة كثيرة بوعي هابط حينا وبعدم وعي حينا آخر، فيجب ألا يقدم إلا النافع فعلا وما من شأنه أن يسمو بالدوافع الفطرية للإنسان السوي والمسؤول؛ والنظر في جميع الظواهر على الساحة الخاصة بسلوكيات الإنسان؛ وتقديم برامج أصيلة، تعبّر عن الحق والفضيلة والنزاهة. هذا ما نريده دومًا لمجتمعنا؛ الخير والعزة لمواطنيه، ولا أشك في أن الحريصين على مستقبل هذا المجتمع يعملون نحو إرساء هذه القيم والعمل على تحقيقها.
- نسأل المولى العلي القدير، أن يجعل شهر رمضان المبارك الذي أقبلنا فيه على فعل الخيرات، فاتحة خير لما سيأتي بعده؛ ليتحول مجتمعنا إلى العزة والقوة المنشودة.