الجمعة, 2 مايو 2025 | 4 ذو القَعْدةِ 1446


القطاع العقاري .. الأداء سيستمر في النصف الثاني

ازدادت معاناة الاقتصاد العالمي خلال الربع الثاني وحتى بداية الفترة الحالية من النصف الثاني من العام الحالي 2011، والتي نجمت من مصاعب اقتصادية أسهمت فيها، من ناحية، أزمة الديون الحكومية في الدول الغربية، وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي من ناحية أخرى. فمن ناحية تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي رجحت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي إلى 4.2 في المائة هذا العام مقارنة مع مستوى نمو بنسبة 4.6 في المائة الذي تحقق العام الماضي، ومع ذلك فقد قدرت المنظمة أن النمو سيعود للصعود في العام المقبل 2012 بنسبة 4.9 في المائة، وعزت المنظمة توقعاتها بتراجع النمو هذا العام إلى ارتفاع أسعار النفط والسلع الأساسية وعودة الاقتصاد الأمريكي إلى حالة عدم التعافي، وحالة الغموض في منطقة اليورو التي تعاني أزمة ديون سيادية خانقة، بينما تأثرت المؤشرات الاقتصادية في اليابان بالزلزال الذي ضرب البلاد، فقد تراجع الناتج المحلي الحقيقي في اليابان بنسبة 0.9 في المائة للربع الأول من العام الحالي مقارنة بالربع نفسه من العام الماضي.
ومن ناحية تفاقم أزمة الديون الحكومية في الاقتصاديات الغربية، فقد تأثرت الولايات المتحدة وعملتها (الدولار) بتضخم الديون وخروجها عن السيطرة، حيث تعدت نسبة 100 في المائة من الدخل القومي الأمريكي 14.3 تريليون دولار، وإن كانت قد تمكنت في اللحظة الأخيرة من رفع سقف الدين للوفاء بالتزاماتها، ومع ذلك فهو يعد معالجة خارجية شكلية لن تمنع تكرار مثلها في المستقبل، حيث إن جذور وأسس المشكلة ظلت على حالها، وهذا ما دعا أخيرا وكالة ستاندرد وبورز للمبادرة بخفض تصنيف الولايات المتحدة الائتماني إلى (+AA)، مع تحفظ الوكالات العالمية الأخرى على التقييم الائتماني والنظرة السلبية لمؤسسات الاقتصاد العالمية تجاه الاقتصاد الأمريكي، كما أن أزمة تسوية ديون الحكومة اليونانية والتي بلغت 350 مليار يورو ما زالت تعصف باقتصاديات دول منطقة اليورو، ويأمل أن يتم تفاديها عبر الخطة التي طرحت من قبل الاتحاد الأوروبي بدعم اليونان 160 مليار يورو، ولو لم يتم ذلك فكان يمكن أن تتأثر بشكل سلبي على أداء اقتصاديات المنطقة، وستجر دولا أخرى في المنطقة مثل إيطاليا وإسبانيا والبرتغال وغيرها إلى أن تسهم في مزيد من التداعيات الاقتصادية المترتبة على الفشل في معالجة الميزانيات الحكومية.
وفي استطلاع للرأي البريطاني أشار إلى أن ثلثي البريطانيين يعتقدون أن الاقتصاد يزداد سوءا، وأن معظمهم يقلص بشكل كبير إنفاقه للوفاء باحتياجاته في مواجهة غلاء الأسعار، وفي المجمل أبدى 82 في المائة تأييدهم لخطة تقشف الحكومة نتيجة العجز في الميزانية البريطانية بنحو 10 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وفي الصين بلغ معدل النمو لجميع النصف الأول من العام الحالي 9.6 في المائة مقابل 10.3 في المائة لكل العام الماضي، فيما ارتفع معدل التضخم إلى 5.4 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي مقارنة بالفترة نفسها من العام الماشي الذي بلغ 5 في المائة، ويتوقع أن تكون الصين أكثر الدول تضررا من تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، حيث إنها الدولة الأكثر استثمارا في السندات والأصول الأمريكية؛ ولذا فقد انتقدت الصين بشكل حاد الحكومة الأمريكية لعدم توجهها لإصلاحات اقتصادية هيكلية.
وفي خضم هذه التطورات الاقتصادية العالمية، فإن الاقتصاديات الخليجية، وإن كان لا بد لها أن تتأثر بما يمر به العالم من تباطؤ في النمو الاقتصادي العالمي وتزايد أزمات ديون الحكومات الغربية، إلا أن ازدهار القطاعات النفطية في هذه الدول واستمرار محافظة النفط على مستويات عالية من الأسعار وحجم الإنتاج مع خروج معظم إنتاج النفط الليبي من السوق العالمية سيجعل هذه الدول تحقق باستمرار فوائد ضخمة في موازينها التجارية، وبالتالي احتياطاتها النقدية ومن ثم إنفاقها ومن ثم استمرار النمو في الإنفاقات الحكومية على المشاريع والبرامج التنموية والاستهلاكية. ومع ذلك فإن هناك عوامل تسهم في انخفاض الثقة لدى المستثمرين ورجال الأعمال في هذه الدول، ومن هذه العوامل استمرار آثار التقلبات السياسية في العالم العربي وما يسمى (الربيع العربي)، وكذلك التخوف من استمرار تدهور الدولار الذي ترتبط به معظم العملات الخليجية أو عجز الولايات المتحدة عن سداد ديونها، وتفاقم أزمة الديون الحكومية في الاقتصاديات الغربية، إضافة إلى الآثار المعنوية السلبية للتباطؤ الاقتصادي العالمي والتخوف من أزمة اقتصادية عالمية جديدة.
وفي إطار المؤشرات الاقتصادية للدول الخليجية، فقد أشار تقرير دولي مختص صادر عن (بنك أوف أمريكا ميريل لينش) إلى تسجيل الاقتصاد السعودي نموا بنسبة 4.9 في المائة قد تصل إلى 6 في المائة، حسب توقعات صندوق النقد الدولي، ومع ذلك فسيصل مؤشر التضخم في المملكة إلى 5.5 في المائة خلال الفترة نفسها كأكبر معدل تضخم بين دول الخليج العربي، وفي الإمارات توقع تقرير حديث أن ينمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للإمارات بمعدل 4.7 في المائة مقابل 4.4 في المائة في العام الماضي.
وقد تفاوتت التفاعلات الاقتصادية في القطاع العقاري الخليجي بين مختلف دول الخليج العربي، ففي قطر حافظت أسعار الإيجارات عند استقرارها بتراجع 3 في المائة في الربع الحالي مقارنة بالربع نفسه من العام الماضي، وشهدت صفقات البيع تباطؤ خلال الربع الثاني من العام مقارنة بالربع الأول، وفي الإمارات لا تزال أسعار العقارات في الدولة في حالة استقرار مع انخفاض في بعض المناطق نتيجة لزيادة المعروض من الوحدات العقارية في السوق، في حين تصاعد نمو الأسعار والنشاط العقاري في السعودية، حيث نمت أسعار الأراضي والإيجارات بين 20 في المائة إلى 60 في المائة في مختلف مناطق المملكة خلال النصف الأول من العام 2011.
وسجلت مؤشرات التداولات العقارية نسبا متفاوتة بين مدن المملكة، ففي الرياض شهد معدل النمو لقيمة الصفقات العقارية ارتفاعا بمقدار 12 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي مقارنة بالنصف نفسه من العام الماضي، وفي المدينة المنورة شهد معدل النمو لقيمة الصفقات العقارية ارتفاعا أيضا بمقدار 22.2 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي مقارنة بالنصف نفسه من العام الماضي، وشهدت معدلات الربع الثاني لهذا العام أيضا نشاطا ملحوظا، ففي الدمام شهد معدل النمو لقيمة الصفقات العقارية ارتفاعا بمقدار 14.7 في المائة خلال الربع الثاني من العام الحالي مقارنة بالربع الأول من العام نفسه، وفي المدينة المنورة شهد معدل النمو لقيمة الصفقات العقارية ارتفاعا أيضا بمقدار 22 في المائة خلال الربع الثاني من العام الحالي مقارنة بالربع الأول من العام نفسه.
وجاء قرار فرض رسوم على الأراضي البيضاء بعد دراسات وتداولات لأولوية هذا الإجراء بين عدد من الجهات الحكومية منذ عام 2007، وأهم أسباب إقرار مثل هذا القرار تحقيق التوازن ما بين العرض والطلب في السوق العقارية السعودية، وتقليص مساحات الأراضي البيضاء غير مستخدمة داخل النطاق العمراني، وزيادة التنمية داخل المدن، ففي الرياض وحدها ما نسبته 58 في المائة من الأراضي غير المستخدمة حتى حدود المدينة لعام 1450هـ، ومن مزايا هذا القرار دفع الرسوم السنوية التي تشكل دخلا يمكن أن يستثمر في صندوق لدعم برامج التنمية الإسكانية المتعددة، كما ستحفز الرسوم بيع الأراضي البيضاء للمطورين والمستثمرين في المشاريع الإسكانية ليحقق النظام الهدف الأساسي المرجو منه، إلا أن هناك مخاوف عدة من تطبيق هذا القرار منه ارتفاع أسعار الأراضي وتحميل تكلفة الرسوم على المستهلك النهائي.
وينتظر القطاع العقاري والبنكي بفارغ الصبر صدور ''أنظمة التمويل والرهن العقاري''، حيث اعتبر عدد من المسؤولين أن نظام ''الرهن العقاري''، هو الحل الأمثل لتملك المواطن السعودي مسكنا خاصا، حيث يوفر النظام بحسب الخبراء مزايا عدة، منها أنه سيدفع بالشركات للاستثمار في المساكن التي تتناسب مع دخل الناس مباشرة، خصوصا متوسطي الدخل، كما أنه سيوفر ضمانات عالية وغير مسبوقة من الناحية القضائية تقلل من المخاطر في المدد والتوثيق والإجراءات، إضافة إلى أنه سيخلق قناة عملاقة لتدفق الأموال طويلة الأجل لهذا القطاع، وتكمن أهمية الرهن للمواطن في الحصول على قرض بنسبة فائدة أقل من السابق، ويستطيع المواطن من خلاله تملك مسكن. فيما ستكون سلبياته على المواطن في تحميل المواطن أعباء مالية كبيرة قد تعرضه لخسارة كل ما يملك، وتشجيع للمواطن على المخاطرة بأصول يملكها من أجل لحصول على قرض.
وبناءً على انتعاش ونمو القطاع العقاري السعودي، وإقرار العديد من الأنظمة التطويرية، فقد ظهرت العديد من المشاريع والبرامج ممثلة في عدد من الصفقات الكبرى، ففي مكة المكرمة أعلن تكتل رجال أعمال عن إنشاء (المجلس الاستشاري العقاري) الأول من نوعه في السعودية، حيث بلغ رأسمال الشركة 600 مليون ريال لإنشاء شركتين ستعمل الشركة الأولى بمجال التنمية والتطوير العقاري، بينما ستمارس الأخرى مجال المقاولات والإنشاءات والطرق، فيما تمكنت شركتا سمو العقارية وأساس أرباح من تحقيق مبيعات بلغت 440 مليون ريال، أكدت من خلالها نجاحها في تصميم مخطط روفان التي بيعت جميع قطعه مشكلة مساحة (455 ألف مترمربع، وأبرمت شركة (موطن) صفقات في مدن تحتل درجة الأولوية في الطلب في كلٌ من الرياض وجدة ومكة المكرمة بمساحة إجمالية تصل إلى 1.15 مليون مترمربع، فيما قادت مجموعة عادل المد الله تحالفا عقاريا بين شركات عدة لإبرام ثاني أكبر صفقة عقارية في المنطقة الشرقية في حي الشاطئ في الدمام على مساحة 96 ألف مترمربع.
كما دشنت شركة الأولى جوجيت أول صناديقها العقارية المبتكرة، برأس مال يصل إلى 125 مليون ريال، بينما أطلقت شركة المستثمر للأوراق المالية بالتحالف مع شركة دواوين العقارية صندوقا عقاريا للمشاريع المتعددة برأس مال مفتوح للاستثمار في قطاع الوحدات السكنية العقارية المختلفة في المناطق الرئيسة في المملكة، بمسمى صندوق المستثمر العقاري للمشاريع المتعددة، وباشرت الشركة في أولى صفقاتها في أرض قباء في المدينة المنورة، فيما حققت الشركات العقارية خلال النصف الأول من العام الحالي أرباحا مرتفعة في إبرام الصفقات على الصعيد المحلي، فقد حققت شركة (العقارية) خلال النصف الأول من العام الحالي أرباحا بلغت 55.2 مليون ريال مقابل 33.2 مليون ريال للفترة الماثلة مع العام السابق بارتفاع وقدره 63.1 في المائة.
ويتوقع أن يستمر القطاع العقاري خلال النصف الثاني من العام الحالي المحافظة على المستويات العالية في الأنشطة والأسعار التي تحققت خلال النصف الأول من هذا العام، ويدعم ذلك استمرار معدلات النمو السكانية العالية، والفجوة الإسكانية بين الطلب والعرض، واستمرار الحكومة في وضع برامج إنفاقية ضخمة على المشاريع الاقتصادية والاجتماعية وخاصة برامج الإسكان، مع استمرار البطء والتقييد في إجراءات تطوير الأحياء السكنية في مدن المملكة.. وسيدعم نمو الأسعار والنشاط تدفق الاستثمارات على القطاع العقاري نتيجة لعودة الكثير من رؤوس الأموال الوطنية تخوفا من الأزمات المالية الغربية مع ضعف الفرص الاستثمارية المحلية البديلة مع استمرار المضاربات من قبل التجار والمستثمرين على الأراضي السكنية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي