سوق الأسهم وديون أمريكا

في مقالي الأسبوع الماضي وجدت تعليقاً من أحد القراء الأعزاء يطلب مني أن أكتب عن سوق الأسهم في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية، خاصة بعد تخفيض التصنيف الائتماني لأمريكا. ولعل الأخ الكريم مثل غيره راعه ما حصل يوم السبت 6 رمضان (حيث لا تعمل في العالم إلا سوقنا) بعد خبر التصنيف، إذ كانت السوق السعودية هي أول سوق تتلقى ذلك الخبر. لقد انهارت السوق ذلك اليوم بنحو 5 في المائة، لكنها استعادت جزءاً من عافيتها في تذبذبات لم تنقطع في الأصل خلال أيام الأسبوع الماضي حتى وقت كتابة هذه الأسطر.
إنني دائماً أكرر لتشخيصي للسوق أن السوق السعودية انتقائية التوجه، خاصة إذا كان السبب عوامل أساسية ذات إيحاءات سلبية، بينما لا تستجيب للعوامل الأساسية ذات المعنى الإيجابي بالزخم نفسه أبداً، بل إما أن تكون الاستجابة سابقة للحدث (في الغالب)، وإما استجابة متأخرة جداً. والسؤال المطروح هنا: هل من أثر سلبي حقيقي على سوق الأسهم المحلية لتنهار بهذه القوة جراء تخفيض التصنيف الائتماني لأمريكا؟ إن الوضع الاقتصادي العالمي لعدد من الاقتصادات المتقدمة، خصوصاً في مديونيات بعض منها بلا شك هو في وضع سيئ، خصوصاً بعض دول أوروبا، لكنها لا تقارن أبداً بالوضع الائتماني في أمريكا، فديون اليونان وإسبانيا أو إيطاليا وغيرها ليست كديون أمريكا أو اليابان حيث تختلف في الهيكلية الاقتصادية والأسباب والمعطيات التي أوصلت هذه الاقتصادات إلى هذه المستويات من المديونيات، وكذلك الحلول لها تختلف تبعاً لذلك. ولذا فالانهيار المالي الذي يُزعم عن أمريكا أقرب ما يكون إلى كونه من ضرب الخيال. نعم هناك انعكاس سلبي سيطول الاقتصاد الأمريكي، الذي بدوره سيؤثر في وتيرة النمو الاقتصادي العالمي، لكنه لن يصل إلى مرحلة تسبيب كساد عالمي طويل.
وفي أمريكا بالذات الاختلاف ليس مقصوراً في المديونية وأسبابها وعوامل حلولها بشكل شبه جذري عن باقي الدول المتقدمة وشبه المتقدمة والمدينة منها، بل أيضاً في خريطة الاقتصاد ومكوناته التي بيدها مفاتيح التأثير الأكبر وفرض الحلول لها والتي على رأسها الشركات القيادية، حيث تعتبر هذه الجهات بقوة الحكومات الفيدرالية في انتهاج سبل معينة لتحريك الاقتصاد وتنميته. إننا لسنا في مقام مقارنات هنا عن مديونيات العالم الغربي، لكننا نحاول التعرف على انعكاس ذلك على الاقتصاد العالمي بأجمع وتأثرنا بها على وجه الخصوص.
لقد ترجمت السوق السعودية أخبار مديونيات أمريكا بحساسية مفرطة، خصوصاً أن آثاراً مثل هذه الأخبار العالمية من المُفترض أن تأخذ وقتاً لرؤية آثار وقوعها. أما الأمر الثاني فهو أن الأثر السلبي هذا يُفترض أن يكون أخف على الدول الناشئة كونها اقتصادياً أثبتت أن بمقدورها امتصاص صدمات اقتصادية كبيرة دون تأثر معنوي، ومن دلائل ذلك الأزمة المالية التي عصفت بالعالم منذ نهاية 2008، بينما حافظت هذه الدول على معدلات نمو معقولة. والأمر الثالث هل وصلنا إلى هذه الدرجة من الكفاءة بحيث تنعكس الأخبار بالتوجه نفسه في وقت قياسي؟ المحصلة ــ في تقديري ــ أن السوق السعودية دائما تتصرف بسلوكيات ''الإنسان'' المرعوب والمتشنج دوماً، وذلك كون الثقة بها لم تصل إلى مراحل القناعة الكافية. بالطبع الأسباب وراء ذلك كثيرة، لكنني أرى أن سنامها الفردية في الملكية، حيث ستبقى السوق رهينة ترجمة أهواء وقرارات وقناعات مَن يملكها حتى تتغير خريطة الملكية لتكون مثلها مثل الأسواق الناضجة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي