ساهر المجتمعي

قد يكون نظام ساهر أحد أكثر الإجراءات التي نالت نصيبًا من النقاش ما بين مؤيدٍ بشدةٍ ومتحفظٍ ومعارضٍ، ولن أضيف جديدا إن قدمت رأيي هنا إذ كفاني مؤنة الكتابة عنه من سبقني من الكُتاب في الصحف ومواقع الإنترنت.
ولكن ما يميز هذا النظام ويكفل فاعليته هو فورية الضبط للمخالفة ولحظية العقوبة، إذ لا تمر بضع دقائق حتى يصل إشعارًا هاتفيًا، ليخلف بعده ألمًا وحسرة على خسارة 300 ريال، وغالبًا ما تكون رادعًا للشخص من تكرار المخالفة وضابطاً للالتزام بالأنظمة المرورية، وعندما يعود الشخص بعد حين إلى سابق عهده تتكرر المخالفة فيتكرر العقاب حتى يصبح الانضباط المروري سلوكا دائما.
إننا في حاجة المبدأ المتمثل في ضبط المخالفة ذاته فور حدوثها ومن ثم إيقاع العقوبة مباشرة والتعامل مع كل الممارسات المجتمعية الخاطئة، فلو أنه تم ضبط أول من بنى مسكنًا عشوائيًا دون تراخيص وتم إيقاع العقوبة عليه فور شروعه في البناء؛ لما تشكلت لدينا أحياء عشوائية في أطراف المدن وبطون الأودية، ولما تشجع العشرات بل المئات أن يحذو حذوه، ولو أن من استولى على أرض حكومية أوقعت عليه عقوبة فورية رادعة لما تبعه العشرات في كل مدن ومحافظات ومناطق المملكة حتى غدت الأجهزة الحكومية تعلن عن رغبتها في شراء أراض لإقامة مدارس ومراكز صحية وغيرها من المقرات والمباني الرسمية.
وبالمثل لو التزمت أمانات المدن باشتراطات التراخيص للمخططات السكنية الجديدة قبل السماح لملاكها ببيع قطع الأراضي للمواطنين، لتحاشينا سلسلة طويلة من الأخطاء وجوانب القصور ذات التكاليف الباهظة؛ فلا حاجة إلى أن يدرس طالبًا في مبنى سكنيًا يتم استئجاره ليكون مدرسة بعد أن تم إغفال إلزام مُخطط الحي بتخصيص مرافق تعليمية كافية ونقل ملكيتها لوزارة التربية والتعليم قبل السماح له بالبدء في بيع قطع الأراضي، ولما تلقى طفل علاجه في صالة الطعام في بيت مستأجر مرفوع عليه لوحة كتب عليها المركز الصحي، وكذلك لو تم استكمال خدمات الصرف الصحي وتصريف مياه الأمطار لما غرقت أحياء كاملة مع كل هطول للأمطار، ولما انتشرت صهاريج سحب الصرف الصحي ونشرت معها الروائح الكريهة، ولما احتجنا إلى أن نقلق راحة الساكنين بعد عدة سنوات من سكنهم لتوصيل الخدمات التي ينبغي أن تصلهم قبل أن يشتروا أراضيهم ويبنوا منازلهم.
هذا المسؤول الذي سمح بالبيع في هذه الأحياء قبل استكمال خدماتها الأساسية كان ينبغي أن ترصد مخالفته فور ارتكابه لها وأن يعاقب عليها مباشرة، ولو أن كل مسؤول رصدت مخالفته فور ارتكابه لها وعوقب عليها لما تفاقمت كثير من المشكلات وغدت أزمنة بل أحياناً كارثة يتطلب علاجها إجراءات مكلفة بشريًا وماليًا وإداريًا.
إن احتياج المجتمع للمتابعة المستمرة والثواب والعقاب المباشر المرتبط بالحدث، مثل احتياج الطفل للمكافأة والجزاء فور وقوع الحدث، وإلا افتقدت المكافأة والجزاء فاعليتها وصارت ترصداً وتجميعاً للأخطاء وهو ما لا يفهمه الطفل ولا يجدي كذلك مع المجتمع. هذا الضبط الفوري للمخالف يجب أن يشمل طرفين هما الفاعل وهو المتجاوز للنظام بما يكفل إيقاف المخالفة فوراً وردع غيره ممن قد تسول له نفسه أن يجاريه، والطرف الآخر هو المسؤول الحكومي المتراخي المفرط في الأمانة الملقاة على عاتقه حتى تستفحل المشكلات وتتضخم بعد أن تمضي عليها الأيام والسنوات وتتكاثر الحالات حتى تغدو ظاهرة ثم يصعب علاجها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي